Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال رئيس الوزراء الأردني هزّاع المجالي

تفجير مقرّ الحكومة واستهداف الملك حسين

دخان يتصاعد من مبنى وزارة الخارجية الأردنية بعد الانفجار الذي أودى بحياة رئيس الوزراء هزّاع المجالي في 29 أغسطس 1960 (ويكيبيديا)

منذ بداية القرن العشرين، هزّت #العالم_العربي عمليات اغتيال كثيرة غيّرت في مسارات الأحداث والتطورات وبدّلت في تاريخ المنطقة. معظم هذه #الاغتيالات تمّ بالرصاص قبل أن تتحول إلى عمليات تفجير، وأكثرها كان نتيجة الصراع السياسي. "اندبندنت عربية" تفتح بعض ملفات هذه الاغتيالات، وفي هذه الحلقة نتناول قضية اغتيال رئيس الوزراء الأردني #هزّاع_المجالي.

 

لم تكن عملية اغتيال الملك الأردني عبدالله الأول في 20 يوليو (تموز) 1951 الوحيدة التي تعرّضت لها شخصيات قيادية في المملكة الأردنية الهاشمية. وإذا كان اغتيال الملك جاء في بداية عهد المملكة وانطلاقة تأسيسها، وتزامن مع بدء سلسلة تغييرات جذرية في العالم العربي، وفي ظل الصراع حول هوية الأردن السياسية وخياراته العربية، فإن اغتيال رئيس الوزراء الأردني هزّاع المجالي في 29 أغسطس (آب) 1960 أتى في ظل استمرار هذا الصراع، وفي ظل دولة الوحدة بين مصر وسوريا ومحاولة الرئيس جمال عبد الناصر مدّ نفوذه باتجاه عدد من الدول العربية ومن بينها الأردن بعد أعوام قليلة على تولي الملك حسين السلطة.

اغتيال المجالي شكّل نقلة نوعية في عمليات الاغتيال، وبعدما كانت تحصل بإطلاق بالرصاص تمّت هذه العملية بتفجير مقرّ الحكومة بواسطة عبوتين ناسفتين زرعهما عميلان للمخابرات السورية - المصرية بقرار من رئيس جهاز هذه المخابرات في دمشق العقيد السوري عبد الحميد السراج الذي كان رجل عبد الناصر القوي في الجزء الشمالي من جمهورية الوحدة والذي سيصبح لاحقاً نائباً لرئيس الجمهورية.

من هو المجالي؟

اغتيال المجالي جاء أيضاً بعد الانقلاب الذي دعمه عبد الناصر في العراق وبقيادة العقيد عبد الكريم قاسم في 14 يوليو 1958 والذي أدى إلى إنهاء النظام الملكي في بغداد وقيام الجمهورية بعد إعدام الملك فيصل الثاني وولي العهد الأمير عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد. وجاء أيضاً في ظل تصفية عبد الناصر مواقع السلطة التي كانت مؤيّدة لقيام حلف بغداد وبدأت بدعم ثورة 1958 في لبنان ضد عهد الرئيس كميل شمعون. وعلى رغم أن الملك حسين لم يعلن رسمياً الانضمام إلى هذا الحلف، فقد كان هدفاً لمحاولات تغيير النظام الذي يقوده في الأردن. وأكثر من ذلك بدا وكأن عملية الاغتيال لم تكن محكمة السرية وكأنه كان مطلوباً أن تكون مكشوفة بحيث هدفت إلى تخويف معارضي عبد الناصر الذي كان يستعد للتدخل في اليمن عبر الانقلاب الذي نفّذه العقيد عبدالله السلال في 26 سبتمبر (أيلول) 1962 وإعلان الجمهورية وإرسال الجيش المصري إلى اليمن لمساعدته في تركيز سلطته.

 

ولد هزّاع المجالي عام 1917 ودرس الحقوق في دمشق وتخرّج عام 1946 وأسّس مكتباً للمحاماة في عمّان، وقد عيّنه الملك عبدالله عام 1947 في التشريفات في القصر الملكي ليرافقه في عدد من جولاته ويصبح مقرّباً منه.

في عام 1948 تولى المجالي رئاسة بلدية عمّان ووسّع الطرقات وأدخل تحسينات في شبكات المياه والبنى التحتية، ولاقت أعماله استحساناً فعيّنه الملك وزيراً في حكومة سمير الرفاعي في عام 1950 وكان بعمر 33 سنة فقط، وبدأ وزيراً للزراعة ثم صار وزيراً للعدل ليتابع من هناك مسيرته السياسية في المملكة.

ترشّح في الكرك للانتخابات البرلمانية التي أجريت بعد اغتيال الملك عبدالله وفاز. وبعد تولّي الملك حسين العرش صار وزيراً للداخلية في حكومة فوزي الملقي، ثم وزيراً للعدل مرة ثانية في حكومة توفيق أبو الهدى. وبعد حلّ مجلس النواب عاد وترشّح إلى الانتخابات عن الكرك وفاز. واستقال المجالي من حكومة أبو الهدى قبل أن تستقيل هذه الحكومة وبعد تشكيل سعيد المفتي حكومة جديدة تمّ تعيينه وزيراً للداخلية. وحصلت هذه التغييرات في مرحلة تكثيف التحركات والعمل على قيام حلف بغداد في عام 1955 حيث استقالت حكومة المفتي فكلّف الملك حسين المجالي تشكيل الحكومة الجديدة.

وشنّت إذاعة صوت العرب هجوماً قوياً على المجالي وتحدّثت عن تظاهرات شعبية في الأردن ضدّ حلف بغداد. هذا الأمر جعل المجالي يقدّم استقالته بعد ستة أيام فقط من تشكيل الحكومة، فكلّف الملك حسين إبراهيم هاشم تشكيل حكومة جديدة ثم شكّل حكومة ثانية برئاسة سمير الرفاعي.

صراع المحاور

في هذه المرحلة في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1956 تشكلت حكومة سليمان النابلسي، وكانت حكومة حزبية على أساس ائتلافي، واستمرت حتى 10 أبريل (نيسان) 1957. في جلسة مجلس الوزراء في التاسع من أبريل 1957 أصدرت الحكومة مجموعة من القرارات، منها إحالة عدد من كبار موظفي الدولة الموالين للقصر إلى التقاعد، منهم مدير الأمن العام اللواء بهجت طبارة، وتعيين اللواء محمد المعايطة مديراً جديداً للأمن العام، وإجراء مناقلات في الجهاز الحكومي. واعترض القصر على تلك الإجراءات، وعلى إثر ذلك، أبلغ الملك في اليوم التالي الحكومة بقرار إقالتها، وتحرّك لتشكيل حكومة جديدة، فطلب من حسين الخالدي أن يشكّلها، لكنه أخفق، ثم كلّف الملك عبد الحليم النمر، نائب النابلسي في رئاسة الحزب الوطني الاشتراكي، لكنّه أخفق في ذلك أيضاً. وبعد أن أخفق سعيد المفتي في تشكيل حكومة جديدة، اتفق الملك مع الأحزاب في 15 أبريل على أن يشكّل حسين الخالدي حكومة يكون سليمان النابلسي وزير خارجيتها.

خلال ابتعاده عن الحكومة، استقال المجالي من مجلس النواب وأسس جريدة "صوت الأردن" الأسبوعية ثم عيّنه الملك حسين وزيراً للبلاط الملكي في عام 1958 قبل أن تعود إليه مهمة تشكيل الحكومة في عام 1959 بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وبعد اضطرابات في الداخل هدفت إلى زعزعة حكم الملك حسين وتم التصدّي لها بقوة. في هذه الحكومة، اختار المجالي وصفي التلّ مديراً للتوجيه المعنوي وتطوير الإعلام، وكان يضعه على طريق العمل السياسي في الأردن قبل أن يتولّى الأخير أيضاً رئاسة الحكومة ويتم اغتياله في عام 1971 في مصر بعد أحداث سبتمبر 1970 بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية المسلحة التي أدّت إلى إخراجها من الأردن إلى لبنان عبر سوريا.

الاغتيال بعبوتين

وكان المجالي خصّص، يوم الاثنين، لاستقبال الأردنيين والتواصل معهم لحلّ مشكلاتهم. يوم الاثنين في 29 أغسطس 1960 كان الموعد متفجراً ودامياً. الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وبعد أن أنهى جزءاً من مهام يومه في مقرّ رئاسة الوزراء حيث مقرّ البنك المركزي الأردني حالياً، قرب شارع الملك حسين في وسط عمان، دوّى انفجار شديد القوة فيها، وعلت سحب الدخان قبل أن تنجلي الصورة وينكشف تدمير جزء من مبنى الرئاسة الذي يحتوي على مكتب المجالي، وقبل أن يتأكد بعد وقت قصير خبر مصرعه. لم يكن هذا هو الانفجار الوحيد بل كانت العملية مركبة بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر إذ دوى انفجار آخر بعد نحو 20 دقيقة بينما كانت بدأت عمليات الإنقاذ والبحث عن المصابين فسقط المزيد منهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودمّر الانفجار الثاني الطابق الأرضي للمبنى، وكان هذا الحدث غير مسبوق في تاريخ العاصمة الأردنية وفي الأعمال الإرهابية وعمليات الاغتيال. 12 أردنياً سقطوا في ذلك الانفجار المزدوج، هم: رئيس الوزراء هزّاع المجالي، وكيل وزارة الخارجية زهاء الدين الحمود، مدير السياحة عاصم التاجي، الشيخ جمال عطوي المجالي، ومحمد سلامة المجالي، وجميل خليل المصاروة، وأحمد محي الدين الصريفي، ومصطفى كايد الرواشدة، ومصطفى كايد الأحمد، والصبي صالح عارف إسماعيل، وجرح 41 شخصاً، ولاحقاً توفي ممدوح إسحاقات، مرافق المجالي متأثراً بجروحه. وقد قيل إن الملك حسين ربّما كان هدفاً للتفجيرين ذلك أن ثمّة معلومات ذكرت أنه كان سيزور المقرّ صباح ذلك اليوم بينما ذكرت معلومات أخرى أنه كان سيتوجه إليه بعد الانفجار الأول وتم منعه من هذا الأمر قبل أن يحصل الانفجار الثاني.

وأعلن الملك حسين مقتل هزاع المجالي الذي "قضى في سبيل خدمة الأردن والعالم العربي، واستشهد أثناء قيامه بالواجب المقدس". وقبل أن تنجلي الحقيقة من خلال التحقيق ذهبت الشكوك فوراً نحو النظام المصري، إذ إن تظاهرات توجهت نحو السفارة المصرية في جبل عمّان في الأردن بعد الانتهاء من عمليات تشييع قتلى التفجيرين في الثالث من سبتمبر وكان يوم احتفال بالمولد النبوي.

متهمون ومحاكمة وأحكام

قبل مصرعه بأيام، طلبت السلطات الأمنية من المجالي أن يوافق على طرد اثنين من العاملين في مقرّ رئاسة الوزراء للاشتباه بهما، فرفض بشدة ليتبيّن بعد التحقيق أنهما قاما بزرع العبوتين في مكتبه ليلاً ثم فرّا إلى سوريا ووصلا دمشق قبل أن يحصل التفجير في اليوم التالي.

وفي اليوم نفسه، عهد الملك حسين إلى رئيس ديوانه بهجت التلهوني بتأليف وزارة جديدة تضم جميع أعضاء الوزارة السابقة. كما تمّ تشكيل لجنة تحقيق عسكرية برئاسة اللواء محمد السعدي مدير الاستخبارات العسكرية.

وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) 1960 أصدرت محكمة أمن الدولة الخاصة حكماً بإعدام كل من صلاح الصفدي، ومحمد يوسف الهنداوي، وهشام الدبّاس، وكريم شقرة. كما أصدرت حكماً غيابياً بإعدام زين عبيد، وشاكر الدبّاس، وكمال شموط، وزكريا الطاهر، وسعيد البرغوثي، وبرهان أدهم، وبهجت مسوتي. وفي صباح آخر يوم من أيام عام 1960، نفذ حكم الإعدام شنقاً بالأشخاص الأربعة الأوائل في ساحة المسجد الحسيني في عمان.

دور المخابرات السورية

في كتابه "أوراق من دفتر الوطن" الصادر في عام 2000 يكشف سامي جمعة أحد مسؤولي المخابرات السورية في تلك المرحلة عن دور هذه المخابرات في عملية التفجير، ويقول "بعد انضواء الأردن تحت مظلة مبدأ أيزنهاور وإطاحة الملك حسين بحكومة سليمان النابلسي الوطنية ومطاردة قوى الأمن الأردنية القوى الوطنية من بعثيين وقوميين عرب وشيوعيين وتشديد قبضتها على المخيمات الفلسطينية، وبدأت تنطلق من الأردن عناصر التخريب من قوميين سوريين، وبدأت هذه العناصر تزرع المتفجرات في الأماكن العامة وقرب الدور الحكومية، وكنت في ذلك الوقت وبأمر من المقدم عبد الحميد السراج قد قسمت مدينة دمشق إلى مربعات ونشرت فيها عناصري على مدار الساعة، وقد تمكنّا من القبض على ثماني حالات من كل 10. لم نقف حيال ذلك موقف الدفاع بل تصدينا لذلك بكل شراسة وعنف وأذرعنا كانت طويلة جداً في الأردن، فكنا متغلغلين في القصر الملكي وفي مجلس الوزراء والخارجية ومديرية المخابرات لدرجة أن أقرب مساعدي محمد رسول الكيلاني مدير المخابرات العامة (1964 -1968) كان من عناصرنا المدسوسة في ذلك الجهاز، كما كنا معششين في المخيمات وضمن القوى الوطنية، فردينا الصاع صاعين وبدأت المتفجرات تجتاح عمّان من أقصاها إلى أقصاها بحيث طاولت المؤسسات العامة الحكومية وبعض السفارات الأجنبية. كما كنا مزروعين في الجيش عبر عسكريين وطنيين. وقد قمت أنا شخصياً بنقل كميات من الأسلحة والمتفجرات إلى الأردن تسلّمها مني عسكريون وتم تكديسها في كروم منطقة سما روسان التابعة لإربد. بعد الإطاحة بحكومة النابلسي شُكلت حكومة أخرى برئاسة إبراهيم هاشم ثم تبعه النمر، وكان هزّاع المجالي من أشرس رؤساء وزارات الأردن وأكثرهم عداء لسوريا وقرباً من الغرب ومخططاته، فتصدى له أحد الوطنيين من آل الدباس في عمّان وكان موظفاً في وزارة الإعلام، فزرع متفجرة كبيرة في مكتب المجالي حيث انفجرت به. وكانت هذه العملية من أقسى الضربات التي وُجهت إلى الملك حسين، وبذلك لم نتأثر مطلقاً بالجبهة التي فتحها الأردن ضدنا بل كنا نحن المؤثرين وليس المتأثرين".

توفي، في 28 أبريل 2021، شاكر الدباس أحد المتهمين بزرع العبوتين في مصر حيث عاش مع المتهم الآخر زكريا الطاهر قبل أن يستفيد الأخير من عفو أصدره الملك حسين ويعود إلى عمان بينما ظلت أجهزة الأمن الأردنية تمنع عودة الأول. يذكر أن عبد الحميد السراج لجأ إلى مصر أيضاً بعد الانقلاب الذي أسقط دولة الوحدة في سبتمبر 1961 وبقي فيها حتى وفاته في 22 سبتمبر 2013.

المزيد من تحقيقات ومطولات