Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سترات النجاة... هكذا يحاول المصريون تجنب أزمة التعويم

سباق بين الحكومة والمواطنين على توفير آليات التحوط من تغير أسعار الصرف

أعلن محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله دراسة استحداث مؤشر للجنيه المصري يقيس أداء العملة المصرية مقابل سلة من العملات (رويترز)

خلال عام واحد فقد الجنيه المصري حوالى نصف قيمته ما اضطر عدداً كبيراً من المواطنين للبحث عن آليات لتعويض هذه الخسارة، وانقسمت هذه الآليات بين التقليد والابتكار. وشهد عام 2022 زيادة الإقبال على وسائل الادخار والاستثمار التقليدية، مثل المصارف وأسواق المال والعقار والذهب، كما شهد ظهور آليات غير تقليدية للتحوط والحماية من التخفيض شبه المتواصل لسعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأخرى.

تعرض المصريون لصدمتين خارجيتين خلال السنوات القليلة الماضية ساهمتا في تشكيل وعيهم بسعر الصرف، الأولى هي التخفيض العنيف لسعر صرف الجنيه من حوالى ثمانية جنيهات لكل دولار إلى قرابة 20 جنيهاً لكل دولار في نهاية عام 2016، قبل أن يستقر حول سعر 15.75 جنيه لكل دولار من 2018 حتى مارس (آذار) 2022، ونتج من هذا التخفيض معدلات تضخم سنوية بلغت 37 في المئة في منتصف عام 2017، ما أدى إلى تخوف المصريين من تعرض جديد لهذه الصدمة من دون تحوط.

الصدمة الثانية هي جائحة "كوفيد-19"، والتي أكدت الدور المحوري لشعوب الأرض في تحقيق النجاة الجماعية، وقامت وسائل الإعلام المحلية والدولية بالتأكيد على دور الفرد في تحسين الأوضاع الصحية والاقتصادية للدول، ما أدى إلى زيادة رغبة شعوب العالم في الاندماج بالعمليات الاقتصادية المؤثرة على حياتهم.

وتقول دراسة "تأثير وعي المستهلك وسلوكه على صناعات الضيافة والسياحة والترفيه والثقافة في ظل الجائحة"، الصادرة عن جامعة "هيتوتسوباشي" اليابانية إن الصدمات الخارجية التي يتعرض لها الاقتصاد يكون لها تأثيران كبيران على سلوك المستهلكين، الأول أنها تجعلهم أكثر ميلاً لاتخاذ قرارات حمائية لحماية أنفسهم بدلاً من إبقاء السلوكيات نفسها أو المخاطرة، والثاني، والأهم أن سلوك المستهلكين سيكون العامل الرئيس في التأثير في الاقتصاد لا السياسات الحكومية.

بالتالي، كانت النتيجة الرئيسة لتجربتي تعويم 2016 و"كوفيد" 2019 هي زيادة بحث المصريين عن وسائل لحماية أنفسهم من أي صدمات خارجية جديدة، وأن تقود هذه الوسائل حركة الاقتصاد.

نصف وعي... نصف عمى

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله دراسة استحداث مؤشر للجنيه المصري يقيس أداء العملة المصرية مقابل سلة من العملات وعناصر أخرى مثل الذهب، وذلك في مسعى "لتغيير الثقافة والفكر" بشأن ارتباط سعر الصرف بعملة الدولار فقط، ولكن منذ هذا الوقت لم يقم المركزي بإنتاج هذا المؤشر، ولكن هذا التصريح يوضح تقدير السلطة النقدية لأهمية وعي المواطنين "المختلف عن رؤية المركزي" في ما يتعلق بسعر الصرف، ولكن المساحة الخالية للتوعية قد ملأها أخرون.

واحتلت جملة "سعر الدولار" قمة قائمة عمليات البحث الأكثر رواجاً لعام 2022، الصادرة عن محرك البحث "غوغل"، ما دفع العديد من المؤثرين للحديث عن الاقتصاد بدلاً من الحديث وفق تخصصهم التقليدي، كما تم إنشاء العديد من القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي لشرح الظواهر الاقتصادية وتقديم النصائح الاقتصادية للمواطنين.

مروان مسعد الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ومقدم محتوى اقتصادي على مواقع التواصل الاجتماعي ويتجاوز عدد المشتركين في قناته حاجز الـ 100 ألف مشترك قال لـ "اندبندنت عربية"، "هناك إقبال كبير على البرامج الاقتصادية، والفئة أو الشريحة الجديدة من المشاهدين هي فئة غير واعية بالأساس بالمستجدات والمفاهيم الاقتصادية البسيطة، وعلى الأغلب لم تنهِ تعليمها الجامعي، وهذا واضح من نوعية الأسئلة التي أتلقاها، فمعظمها شديد البساطة ولا يمكن أن تصدر من شخص أنهى تعليمه الجامعي". وأضاف "لدى بعض المواطنين فوائض مالية يريد استثمارها، ونتيجة (نصف الوعي) بالمستجدات الاقتصادية، توجه هؤلاء لشراء الذهب بمعدلات غير طبيعية، أو قاموا بإنشاء مشروعات صغيرة من دون خبرة، والأسوأ، مَن التجأ للصوص ادعوا قدرتهم على تشغيل الأموال، ما نطلق عليهم اسم (المستريحين)، وهكذا خسر الجميع، وخسر الاقتصاد".

وتنتشر في قرى مصر ظاهرة "المستريح"، وهو شخص يجمع أموال البسطاء بزعم استثمارها في مجالات مختلفة، نظير عوائد مالية ضخمة، ثم يلوذ بالفرار حتى تقبض عليه السلطات.

نقطة أخرى أشار إليها مسعد، وهي انخفاض العائد على الأموال المستثمرة في الأدوات التقليدية، وأهمها الودائع والشهادات البنكية، ففي حين تضاعف سعر الدولار تقريباً، من 15.7 جنيه إلى قرابة 30 جنيهاً، فإن أعلى عائد تقدمه البنوك الحكومية هو 25 في المئة، ما يعني أن الفائدة (سلبية) مقارنة بتراجع سعر الجنيه، "لا أعتقد أن الأوضاع الاقتصادية ستتحسن مع هذا المستوى المتدني من الوعي والأدوات المالية".

حيل لا تنتهي

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفي خطوة تستهدف ضبط سوق الذهب المصرية، بعد الارتفاعات القياسية التي شهدتها الأسعار، أصدر البنك المركزي المصري تعليمات للبنوك من أجل إحكام الرقابة على توريد حصيلة تصدير الذهب، وقال إن ذلك يأتي "نظراً لطبيعة حركة التجارة الخاصة به".

ووجه المركزي البنوك في حال عدم ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب خلال مدة أقصاها سبعة أيام عمل من تاريخ الشحن، وبعد متابعة البنك للعميل في هذا الشأن من دون جدوى بحد أقصى ثلاثة أيام عمل متتالية، بإبلاغ البنك المركزي باسم العميل ومجموعته، أي العميل الواحد والأطراف المرتبطة به، بحسب خطاب دوري وجهه المركزي للبنوك منشور على موقعه الإلكتروني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل هذه التعليمات الجديدة، كان المركزي يمنح مهلة 180 يوماً لتوريد حصيلة العمليات التصديرية للذهب للبنك المرتب لعملية التصدير.

وفي الشهر نفسه، كشف البنك المركزي عن وجود زيادة مطردة في الاستخدامات الخاصة ببطاقات الائتمان، وبطاقات الخصم المباشر خارج البلاد، على رغم تواجد العملاء المُصدرة لصالحهم هذه البطاقات داخل البلاد، بمبالغ تصل إلى 55 مليون دولار في يوم واحد بزيادة تُقدر بأكثر من خمسة أضعاف عن المتوسط اليومي في الربع الأخير من العام السابق، وهو ما ينمّ عن إساءة استخدام تلك البطاقات.

وذكر أن ذلك استدعى اتخاذ الإجراءات والضوابط التي تحظر إساءة استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للعملاء الذين يثبت عدم مغادرتهم البلاد، وكذلك إحكام الرقابة على طلبات تدبير النقد الأجنبي لأغراض السفر للخارج.

من ناحية أخرى، سوف يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق من قيام العميل بالسفر من عدمه، وفي حال التحقق من عدم سفر العميل أو إساءة استخدام البطاقات فسوف يتم إيقاف التعامل على البطاقة، وإبلاغ الشركة المصرية للاستعلام الائتماني، وكذلك الجهات المعنية، لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، وفقاً للبيان.

هذان البيانان أوضحا حيلتين لاستغلال أزمة شحّ الدولار في مصر، الأولى هي قيام بعض تجار الذهب بتصدير الذهب وحبس الدولار بالخارج، حتى يشح ويزيد سعره، والثانية هي جمع عدد كبير من بطاقات الائتمان واستخدامها بالخارج حتى تُجبر البنوك على توفير الدولار للعملاء بالخارج، والاحتفاظ به حتى يزيد سعره.

التحوط سلوك شعبي

حيلة أخرى، لم تواجهها الحكومة بالشدة نفسها، وهي اكتناز البضائع المُقومة بالدولار، ثم إعادة بيعها بعد تخفيض سعر الجنيه، والمثال الأوضح هو إطارات السيارات.

"السوق تشهد زيادة 300 في المئة في أسعار الإطارات، جزء من هذه الزيادة يرجع لارتفاع سعر صرف الدولار والغرامات الناتجة من تأخر الإفراج عن شحنات الإطارات المستوردة من الموانئ، ولكن هناك جزء مرتبط بتخزين الإطارات حتى يرتفع سعرها مع ارتفاع سعر الدولار، لأنها في النهاية سلعة مستوردة"، يقول مصطفى الضو تاجر إطارات في القاهرة، والذي أضاف أن "الإطارات سلعة ممتازة لغرض التخزين والاحتفاظ بالقيمة، فشركات الإنتاج تنصح باستخدام  الإطار بعد عام من تصنيعه، ثم إن متوسط عمر الإطار (المُخزن من دون استخدام) تصل إلى 10 سنوات".

وباستطلاع رأي هشام إبراهيم رئيس إدارة المخاطر بإحدى شركات التمويل متناهية الصغر بالقاهرة، أوضح أن كثيرين من التجار يتحوطون ضد تقلبات سعر العملة بزيادة المخزون من البضائع، وأن الأمر أقرب لـ (سلوك شعبي) "المفترض أن توفر الدولة أدواتاً للتحوط من انخفاض سعر العملة بالإضافة إلى توفير شهادات ادخارية بفائدة تقترب من معدلات الانخفاض في سعر العملة، هذا سيكون حلاً دائماً لأزمة تخزين البضائع في مصر، وسيوقف ظهور حيل جديدة مضادة لسعر صرف الجنيه والاقتصاد المصري، بخاصة مع زيادة الوعي الشعبي بأدوات الاستثمار، وظهور عدد كبير من البرامج الاقتصادية على مواقع التواصل الاجتماعي".

حل آخر طرحه إبراهيم وهو قيام الدولة بدعم إنشاء التعاونيات، حتى لا يخاطر المواطنون منفردين في مشروعات، إنما تكون المخاطرة جماعية فتقل فرص الخسارة.

أدوات رسمية جديدة

وارتفع المؤشر الرئيس للبورصة المصرية 73.5 في المئة من 9.289 نقطة إلى 16.118 نقطة خلال الأشهر الستة الماضية، جزء كبير من هذه الزيادة ارتبط بأسهم يتم تداولها في بورصتي لندن ومصر معاً، ما يعني أن سعر السهم يعكس تحرك سعر صرف الجنيه أمام العملات الدولية في اللحظة نفسها.

وقال إبراهيم إن سوق الأسهم المصرية شهدت دخول مستثمرين أفراد جُدد بشكل ملحوظ للمرة الأولى منذ أربع سنوات، مع ظهور عدد من التطبيقات الإلكترونية للاستثمار في الأسهم والسندات، لا تتحصل على رسوم إدارية أو عمولات عن عمليات البيع والشراء كما تقوم بدور توعوي.

ولفت مدير استثمار بأحد البنوك الخليجية العاملة بمصر إلى أن هذه التطبيقات مسؤولة عن دخول 80 في المئة من المستثمرين الجدد في سوق الأسهم المصرية، مضيفاً أن البنوك الحكومية لن تكون قادرة على تقديم أسعار فائدة تعوض الانخفاض في سعر صرف الجنيه، لأنه سيتم تمويلها عبر شراء الأذون الحكومية، وسيتطلب ذلك رفع الحكومة للعائد على الديون الحكومية بنسب مقاربة ما يضاعف الدين ويدخلنا في دائرة من القرارات الضارة للاقتصاد.

أداة رسمية جديدة أعلن عنها البنك المركزي المصري، وهي المشتقات المالية، للعملاء ضد مخاطر تذبذب أسعار الصرف، إذ يتيح المنتج التحوط من تقلبات أسعار العملات وهي مناسبة لكبار العملاء.

الدولار في يد كل مواطن

محمد كمال مدير أحد فروع شركة لتحويل الأموال والمعاملات المالية بالقاهرة فسّر أحد أهم أسباب صمود المصريين أمام أزمة شح الدولار وقال "هناك تغير واضح في طبيعة التحويلات منذ جائحة كوفيد-19، واستكشف المصريون أسواقاً جديدة للعمل، إذ تشهد مصر طفرة في تحويلات العاملين بدول غرب أفريقيا، والثاني أن عدداً كبيراً من المواطنين المصريين قاموا بالاشتغال بأنشطة التجارة وتقديم الخدمات إلكترونياً من مصر إلى الخارج، بالإضافة إلى العاملين المصريين بشركات دولية، ولا يتطلب عملهم الذهاب إلى مقر عملهم بالخارج، هؤلاء تضاف رواتبهم إلى حساباتهم خارج مصر، ثم يتم تحويلها إلى الداخل".

وتسببت الجائحة في ضغوط على الأنشطة الاقتصادية داخل مصر وخارجها، ما تسبب في عودة عدد كبير من المصريين لديارهم، أو على الأقل حدّ من قدراتهم على الادخار وتحويل الأموال لعائلاتهم، واضطر كثيرون من المقيمين والعائدين لتعلم مهارات وصناعات جديدة يمكن تسويقها إلكترونياً.

ونتيجة هذا التطور في سوق العمل المصرية، أنشأت مصلحة الضرائب المصرية، العام قبل الماضي، وحدة للتجارة الإلكترونية تختص بتجارة السلع والخدمات التي تتم عبر المنصات الإلكترونية، لكن عدد المسجلين ما زال محدوداً للغاية.

"يومياً يتم تحويل الأموال لمعلمي لغات وقرآن ومدربي لياقة بدنية وطباخين محترفين يقدمون خدماتهم عبر الإنترنت، والتحويلات تبدأ من عشرات الدولارات إلى الآلاف، هذا النشاط دفعنا للتوسع بتقديم الخدمة من خلال الشراكة مع البنوك، لأن فروع الشركة لم تعد قادرة على استقبال هذه الأعداد من مقدمي الخدمات والمستفيدين من تحويلاتهم، ومع تخفيض سعر صرف الجنيه زادت التحويلات للاستفادة من فرق السعر ومحاولة المصريين الاستفادة من فرق السعر في استثمار أموالهم في مصر، بخاصة الاستثمار العقاري". وأضاف كمال "التحويلات الصغيرة تُسجل في البيانات الرسمية كتحويلات عاملين بالخارج، أما التحويلات التي تتجاوز آلاف الدولارات فيُطلب سجل تجاري وأوراق رسمية تثبت أسباب التحويلات، وهذه تُسجل كصادرات خدمية"، وفقاً لمصدر مصرفي مصري "ما يعني أن جزءاً من تحويلات العاملين بالخارج رسمياً يأتي نتيجة جهد عاملين بالداخل فعلياً. وأضاف المصدر نفسه "هذا العام شهد تطورات كثيرة في سبل حصول المصريين على دخولهم، ولكن هذا التطور كان مرتبطاً بالتفضيلات الشخصية من دون معرفة تأثير هذه التفضيلات على الاقتصاد الكلي وأوجه الإنفاق على مصارف الدولة المختلفة".

اقرأ المزيد