Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التونسيون يتحولون إلى استئجار المنازل بدلا من امتلاكها

أسعار العقارات خارج السيطرة والقروض العقارية بعيداً من المتناول

أزمة تونس الاقتصادية أثرت بشكل كبير في كلفة بناء العقارات (اندبندنت عربية)

بوجه شاحب يبدو عليه الضيق يقول فيصل الحمزاوي إنه سئم الارتفاع المستمر لإيجارات الشقق والمنازل في العاصمة تونس، وإن حلمه الكبير هو امتلاك منزل والتخلص من الإيجار الذي يرافقه منذ أن كان طالباً في الجامعة حتى الآن بعد توظفه بإحدى الوزارات.

وباعتبار أن الحصول على قرض بنكي لتمويل شراء منزل صار باهظاً، إذ تصل نسبة الفائدة إلى 13 في المئة، لذلك فإن فيصل الحمزاوي (37 سنة وأعزب) سيجد نفسه مضطراً إلى مواصلة التنقل بين المنازل والشقق.

ويرى محدث "اندبندنت عربية" أن أزمة تونس الاقتصادية أثرت بشكل كبير في كلفة بناء العقارات، التي ارتفعت أسعارها بشكل لافت، مما جعل الحصول على مسكن أمراً صعباً في تونس، ليحول العديد من المواطنين وجهتهم إلى سوق الإيجار.

وبشهادة العديد من التونسيين الباحثين عن الإيجار والكراء فإن أسعار الشقق والمنازل المعدة للإيجار ارتفعت أسعارها في السنوات الأخيرة، وأضحت ملعباً للمضاربة والتنافس وكذلك استثماراً مربحاً.

زيادة ملحوظة

أكدت منصة "مبوب"، الموقع العقاري الرائد في تونس في مقياس مؤشر سوق الإيجار الذي يتبع ديناميكيات سوق الإيجارات طويلة الأجل على المستوى الوطني، تسجيل زيادة بنسبة 10.8 في المئة في كلفة إيجار الشقق الفارغة خلال النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالثلث الأول من عام 2021.

واتسم الطلب على الإيجارات بنمو مرتفع، إذ بلغ الطلب ستة أضعاف المعروض من الشقق الفارغة في النصف الأول من 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بسعر إيجار الشقق ذات الغرف الثلاث فهي تزيد في المتوسط على 2000 دينار في الشهر (645 دولاراً)، وتصل إلى 2700 دينار (871 دولاراً) في المناطق الراقية على البحيرة وقرطاج والمرسى، التي تحتل المراتب الأولى للإيجارات الأغلى بتونس.

وفي الفئة نفسها يتراوح متوسط الإيجارات بين 880 ديناراً و920 ديناراً (284 و296 دولاراً) في مناطق الضاحيتين الغربية والجنوبية للعاصمة، بينما يفوق ثمن الإيجارات في الساحل والوطن القبلي أكثر من 875 ديناراً شهرياً (282 دولاراً).

وذكرت المنصة أن أعلى متوسط إيجار في الساحل تم تسجيله في جهة القنطاوي، وهي منطقة سياحية معروفة، بلغ 1300 دينار (420 دولاراً).

رحلة شاقة

يضيف فيصل الحمزاوي أن رحلة البحث عن الكراء في تونس تعتبر رحلة شاقة ومضنية ومكلفة أيضاً، إذ تتضاعف أسعار الإيجار من يوم إلى آخر والأسرة التونسية لم تعد قادرة على مجاراة نسق الارتفاع الجنوني للأسعار الحالية.

ومن خلال تجربته في البحث عن المنازل والشقق فإنه لاحظ ارتفاعاً لافتاً في أسعار الإيجار في تونس حتى في الأحياء العادية، بعيداً من قيم الإيجار في الأحياء الراقية والفخمة، التي تتجاوز قيمة راتب الموظف التونسي العادي.

وبرر الغلاء في الإيجار من وجهة نظره بارتفاع الطلب على الإيجار في ظل صعوبة اقتناء منزل في تونس في السنوات الأخيرة، متبعاً في سخرية "من أسباب عدم الإقبال على الزواج في تونس هو عدم امتلاك منزل وتزايد المصاريف".

ويقول المتحدث إن الإيجارات ككل القطاعات الاقتصادية محكومة بكلفة بناء المساكن، وأسهم غياب سياسة سكنية واضحة للدولة في رفع الأسعار إلى مستويات تجاوزت القدرة الإنفاقية للطبقة المتوسطة للمجتمع التونسي.

ويفسر أن الطبقة المتوسطة التي كانت تشكل نحو 60 في المئة من مجموع التونسيين هي الشريحة التي أصبحت الأكثر طلباً على الإيجارات، بعد أن فقدت القدرة على امتلاك مسكن بفعل الغلاء والمضاربة اللذين عرفهما قطاع التطوير العقاري.

خروج عن السيطرة

يعتقد فيصل الحمزاوي، الذي قضى نحو عقدين من عمره في التنقل بين المنازل في مختلف ضواحي العاصمة تونس، أن سوق إيجار العقارات في تونس تشهد انفلاتاً غير مسبوق متجاوزة قدرات المواطنين الإنفاقية، وسط اتهامات للسماسرة بتحويل السوق إلى ساحة للمضاربة بالأسعار على حساب حق المواطنين في سكن مؤجر.

ويضيف قائلاً "لقد تحول غلاء الإيجارات في تونس إلى ما يشبه كرة الثلج التي لا تتوقف، يقابلها تراجع دخل المواطنين بسبب موجة التضخم وتداعيات الأزمة الاقتصادية".
ويرى أن هناك تذمراً كبيراً من التونسيين من فوضى أسعار الإيجارات، موجهين أصابع الاتهام إلى الوسطاء العقاريين، بعد أن طوعوا وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم، حيث ينشر هؤلاء الوسطاء عروضاً لإيجار الشقق والمحال بأسعار مرتفعة، حتى خرجت عن السيطرة نتيجة المضاربة وغياب الرقابة على عمل السماسرة ووكالات الوساطة، منتقداً إخضاع المواطنين قسراً لأحكام سوق غير مقننة، ومجرد الاطلاع على شروط الحصول على قرض لتمويل شراء شقة يجعله وبقية التونسيين مقتنعين بأن الأمر ضرب من المستحيل، "المواطن البسيط يرزح بين سندان المبالغ المجحفة للكراء (الإيجار) والأسعار النارية للعقارات".

ويضيف "الارتفاع الصاروخي لأسعار العقارات أصبح كابوساً لكل من يحلم بامتلاك مسكن، فنفقات الحياة مرتفعة والبنوك تفرض شروطاً معقدة".

استثمار

يقر أنيس الغربي المتخصص في الشأن العقاري ومدير "منصة مبوب تونس للإعلانات العقارية" بأن المسكن الذي تتراوح مساحته بين 120 و160 متراً مربعاً هو المفضل لدى التونسي للإيجار، لافتاً إلى وجود إقبال كبير على هذه النوعية من المساكن بخاصة المتكونة من قاعة جلوس وثلاث غرف نوم.

ولمجابهة المصاريف اليومية المتزايدة قامت العديد من الأسر التونسية بزيادة طابق أو طابقين أو تخصيص فضاءات صغيرة داخل المنزل، قصد تأجيرها للباحثين عن الإيجار.

وانتشرت هذه الظاهرة في تونس بشكل لافت، وتحولت إلى استثمار مربح بخاصة إثر انتهاء القرض البنكي المخصص لتوسعة المنزل والدخول في الربح الصافي.

وتقول ذكرى الخوالفي (45 سنة) إنها تحصلت على قرض بنكي مشترك مع زوجها وانتهت من بناء طابق علوي في منزلها بإحدى الضواحي الشمالية للعاصمة تونس لتسكن في الطابق الجديد، على أن تؤجر الطابق السفلي في خطوة لتحسين دخلها الشهري.

في المحصلة على رغم أن تونس تعد من أفضل الدول في العالم التي تمتلك الأسر منازلها في حدود 75 في المئة، فإنها في السنوات الأخيرة أصبحت تعاني إشكاليات كبيرة في توفير المنازل والأراضي لبناء المجمعات السكنية مع ارتفاع كلفة القروض البنكية، مما جعل ظاهرة الإيجار تنمو بشكل لافت.

اقرأ المزيد