Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على الجانب الآخر من النيل... أعمال فنية خارج السياق

بحثا عن الأبعاد التشكيلية في السينما المصرية

لعبة بصرية في احدى لوحات المعرض (اندبندنت عربية)

فيلم لا تزيد مدته عن نصف ساعة يضم مشاهد منتقاة من أفلام سينمائية مصرية. ما يجمع بين هذه المشاهد هو أن بطلها فنان "تشكيلي" يتصرف بغرابة. أغلب المشاهد بدا خلالها الممثل في حالة عنف مع شريك آخر. جمع هذه المشاهد الفنان المصري علاء عبد الحميد ضمن مشروعه الممتد "ومازال التحقيق مستمراً" وهو بحث حول صورة الفنان البصري كما قدمتها السينما المصرية، وهي صورة تحمل مزيجاً من الغرابة واللامعقولية، وتتسق على نحو ما مع الصورة النمطية للفنان البصري والتي كان للسينما دور في ترسيخها.

يُعرض العمل تحت عنوان "جعلوني مجرماً" ضمن 11 عملاً آخر في معرض جماعي يستضيفه مركز التحرير الثقافي في القاهرة. يحمل المعرض عنواناً لافتاً وهو "على الجانب الآخر من النيل"... يمكن قراءة العنوان هنا على ضوء العروض التي يقدمها بينالي القاهرة الدولي الذي لا تبعد مقرات عرضه كثيراً عن مركز التحرير الثقافي. هو عنوان قد تكون له دلالته بلا شك، فالمراوحة بين ضفتَي النيل حيث تستقر العروض السالف ذكرها يمكن أن تحمل قراءة مختلفة للمشهد الفني المصري، وهي قراءة قد تكون مغايرة لما تسعى المؤسسة الرسمية إلى تقديمه لجمهور الفن في مصر. تطالعنا هنا مجموعة من التجارب المستقرة استطاعت الإفلات على نحو ما وبنسب متفاوتة، من "حظيرة الثقافة" والفن الرسمي. نذكر هنا أن "حظيرة الثقافة" هو تعبير أطلقه لأول مرة الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري السابق، مشيراً به إلى العلاقة بين المؤسسة الثقافية الرسمية والمبدعين المصريين. في حقيقة الأمر لم نبتعد كثيراً عن هذا المفهوم إلى اليوم، بل ربما تأكدت رغبة الاحتواء داخل حدود "الحظيرة" في مقابل تهميش متعمد لما هو خارجها، عبر القوانين المكبلة للعمل الأهلي والسياسات الثقافية التي يهيمن عليها أصحاب الحظوة، وتفتقر عادة إلى قوام متماسك أو رغبة جادة في التأثير.

الأعمال المعروضة هنا من تنسيق القيّم الفني محمود حمدي. يضم المعرض أعمالاً تجهيزية وفيديو وتصويراً ورسماً ومجسمات نحتية وفوتوغرافيا. يقدم العرض تجارب عدد من الفنانين المصريين يجمع بينهم المداومة على البحث في ما يخص العمل الفني وتأثيراته وما يرتبط به، على مستوى الخامة والأفكار. في ما يتعلق بالتصوير تقدم مريم فريد مجموعة من اللوحات الصغيرة المنفذة بخامات مختلفة على الورق، كما تعرض لينا أسامة أعمالها المنفذة بمزيج من الأكريليك وخامات أخرى على القماش، وتطالعنا الفنانة مهري خليل بأعمالها التصويرية. في مجال النحت يعرض الفنان سيد واكد تشكيلات نحتية منفذة بخامة الزجاج، أما الفنانة مريم خليل فتقدم معالجات خطية على صور فوتوغرافية، ورسوماً تحمل عنوان "محاولة لإيجاد لغة" كما ترفق مع العملين نصين موازيين كالتالي "تفتقر الأحرف والكلمات إلى القدرة على التعبير الفعلي- بقايا الشيء تسرد قصته من أين جاء وإلى أين وصل

على مستوى الأعمال التجهيزية تطالعنا إيمان الشقيري بعمل تحت عنوان "المحاربون الجدد" وهو عمل مكون من مجسمات صغيرة تشبه العناصر الأولية لألعاب الفيديو، وتلخص فلسفة العمل في تلك الفقرة المكتوبة على جدار القاعة والتي تقول "يكمن دهاء القوة في الوهم... تستطيع بالوهم أن تخلق الظرف الذي يفسد الأفراد ويعيد وضعهم حيث تريد، بفرض أشكال للشر والفوضى وما يواجهها من صور لأبطال وجنود الخير.

سبع شاشات

"هذا ليس ما تريد منا أن نفكر فيه، لكن يبدو أنك تريد منا أن نفكر فيه" هذا العنوان بصياغته المركبة تلك هو عنوان العمل الذي يقدمه الفنان أحمد ناجي، وهو عمل مركب يتكون من سبع شاشات عرض وأربعة عشر نصاً مقتضباً موزعة على حوائط القاعة. تعرض الشاشات مشاهد مختلفة بلا رابط يجمعها، يطالعنا في إحداها مثلاً الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وهو يعلن الحرب على العراق في عملية عاصفة الصحراء، إلى جواره مشهد آخر لكلبين في الشارع، وثمة مشهد لراقصة، وآخر لكائن فضائي كما تصوره روايات وأفلام الخيال العلمي. في هذا العمل لا نكاد نلمح أي علاقة فعلية تجمع بين المشاهد والنصوص المكتوبة بخط واضح على جدران قاعة العرض. ثمة خلل ما يستوقفك، ولن تفلح محاولاتك في الجمع أو إيجاد رابط بين هذه العناصر المجتمعة في فضاء القاعة. هذا الخلل أو التناقض العبثي هو ما يسعى ناجي على ما يبدو إلى تأكيده، عبر تفكيك النص البصري وخلخلة الرؤية لدى المشاهد متعمداً، فربما هي الطريقة الأنسب بحسب رأيه لتمثيل الواقع كما هو من دون تجميل.

الفنان أحمد شوقي... يعرض عملين تجهيزيين متجاورين ومرتبطين في علاقتهما بمفهوم العمل الفني. العمل الأول تحت عنوان "العهدة" أما الآخر فهو بعنوان "عمل فني هش، لا تلمسه".. يسعى شوقي من خلال عمله هذا إلى البحث عن التفاصيل المتعلقة بالعروض الفنية كحالة منفصلة ومتسقة في الوقت ذاته مع أجواء العرض، بل ربما تطغى أحياناً على العمل الفني نفسه. العمل الأول هو عبارة عن طاولة خشبية من هذه النوعية التي نراها عادة في الندوات الرسمية داخل قاعات الفن أو متاحفه، بما تشتمل عليه من عناصر مُكملة وتزيينية: مكبر صوت، وآنية ماء، وباقات زهور، وعلبة مناديل، ومِفرَش. على الجانب الآخر يعرض شوقي مجموعة متنوعة من الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها من داخل قاعات ومتاحف فنية حول العالم لعناصر ثانوية مرتبطة بمثل هذه الأماكن، وهي جزء لا يتجزأ من تكوينها. تعامل الفنان مع هذه العناصر كما يتم التعامل مع عناصر العرض أو الأعمال الفنية التي يضمها المكان. بين هذه العناصر نرى مطفأة حريق وتجهيزات مكتبية وعاملين في المكان أو زائرين يستمتعون بالمشاهدة.

الفنان مصطفى البنا يقدم تجهيزاً مكوناً من شريط فيديو يجمع مشاهد لأحد الأسواق أو الميادين المصرية المزدحمة بالمارة مع خلفية صوتية لموسيقى شعبية. يُعرض العمل تحت عنوان "عالم ليس لنا" وفيه تتقاطع مشاهد الفيديو مع تشكيلات من الورق المقوى على هيئة بيوت متلاصقة. وفي عمله المعروض تحت عنوان "مساحات هجينة" لا يكتفي الفنان أحمد الشاعر باختلاق مساحات جديدة في الواقع الافتراضي، بل يعززها بمثيل لها في العالم الحقيقي. يستعين الشاعر بمجموعة مختلفة من الأدوات: فوتوغرافيا، تحريك، ألعاب فيديو، ليقدم لنا في النهاية رؤية مكتملة لذلك المشهد الهجين. يضمّ العمل فيلم تحريك قصيراً مستوحى من حكاية شعبية إيطالية. يمزج الشاعر في هذا الفيلم بين وسائط التحريك الرقمية والصور الحقيقية ليقدم لنا مشهداً مختلفاً ومختلقاً. في لعبة الفيديو التي يعرضها يمكن المشاهد استكشاف فضاء افتراضي من طريق أدوات التحريك المصاحبة.

المزيد من ثقافة