Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عجز يمني مستدام

"يجب أن يعي الجميع أن استمرار الحرب يمنح جماعة الحوثي الفرصة لفرض مزيد من الإجراءات التعسفية ضد المجتمع"

إحدى سيارات موكب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ لدى وصوله إلى مطار صنعاء، الإثنين 16 يناير الحالي (أ ف ب)

ظهر السادس من أبريل (نيسان) 2022 اجتمع أعضاء المحور السياسي الحاضرون في المشاورات اليمنية - اليمنية التي دعا إليها الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف الحجرف، وما أن بدأ الميسرون الثلاثة بعرض ما فهموه من نقاشات الجلسات السابقة فإذا ببعض الحاضرين يبدي اعتراضه متوعداً وصارخاً ومهدداً بمقاطعة الجلسات والانسحاب... وحينها كان لا بد من فض الجلسة ونقل الأمر إلى الداعي لحسم الخلاف حول التوصيات النهائية.

كانت مؤسسة الرئاسة هي الجهة التي استغرقت كثيراً من الوقت والنقاش وأجمع المشاركون على أهمية إدخال إصلاحات جذرية في هيكلها لكنها لم تصل مطلقاً إلى الحديث عن نزع صلاحيات الرئيس عبدربه منصور هادي ولم يفكر أحد في عزله. وعلى رغم كل الانتقادات التي كنت أوجهها إليه إلا أن خيالي السياسي لم يصل في أقصى الجموح إلى التفكير في إزاحته، كما أني لا أظن أن أحداً من المشاركين في المحور السياسي فكر حينها للحظة بلوغ هذا السقف المرتفع جداً.

انفجر الموقف حين بدأ الميسرون في استعراض ما توصلوا إليه واستهلوا شرحهم بأن ما سيتلى على الحاضرين في المحور السياسي هي استنتاجاتهم من النقاشات التي دارت. وما أن شرعوا في الحديث عن إصلاح مؤسسة الرئاسة عبر تعيين نائبين أو تشكيل مجلس رئاسة، أبدى ممثلو "حزب الإصلاح" انزعاجهم وتصوروا أن ذلك، من منظورهم، مؤشر على ترتيبات تجري بعيداً من قاعات الأمانة العامة لمجلس التعاون مستنتجين من الخلاصة التي عرضها الميسرون أن أمراً قد دبر بليل.

أثناء ذلك الجدل والضجيج تذكرت لقاء جمعني بالمبعوث الأميركي تيم ليندركينغ في الرياض منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021 حضره عدد من مساعديه. وقد كررت وجهة نظري وهي معروفة للجميع وأكدت أنني وقفت ضد هذه الحرب وما زلت أرى أنه كان بالإمكان، بل كان حتمياً وقفها بعد إخراج ميليشيات الحوثي من عدن والمحافظات الجنوبية. وفي نهاية اللقاء الذي استمر ما يزيد على الساعة عبرت عن قلقي من غياب مفاجئ للرئيس عبدربه منصور هادي لأي سبب وقلت إني كنت من أشد منتقدي الرجل وأدائه منذ عام 2012 وذلك مسجل في المقالات التي كنت أنشرها في صحيفة "الشرق الأوسط"، لكن ذلك لا يعني أن الانقلاب عليه خارج إطار الدستور أمر يمكن تمريره والقبول به. وأضفت أن ابتعاد الرئيس هادي سيعني تلقائياً وصول نائبه الفريق علي محسن الأحمر وهو أمر لا يمكن قبوله لأسباب معروفة، ثم أوضحت أن هادي نفسه هو الشخص الوحيد الذي يمكنه إنشاء أي مجلس يعاونه في أداء مهماته.

وقد أصابتني الدهشة حين علق المبعوث الأميركي بأن البديل ربما يكون عبر تشكيل مجلس رئاسة كما حدث في عام 1990، وأزعجني الأمر إذ برهن عن قصور في قراءة وفهم الدستور اليمني وشرحت له أن ما حدث حينها كان منصوصاً عليه في دستور دولة الوحدة الذي جرت الموافقة ثم الاستفتاء عليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


في حقيقة الأمر لم يجل في خاطري وكثيرين في عصر السادس من أبريل وحتى فجر السابع منه أن أمراً مثيراً يمكن حدوثه، ولم أتصور أن الرئيس هادي سيقبل بتنحيته أو في الواقع تنحية نفسه بعد ساعات من عزله نائبه الفريق علي محسن الذي تقبل الأمر فوراً ومن دون أدنى اعتراض. ولكن كل تلك الترتيبات التي كان الغرض منها تسوية الملعب المقابل للمساحة التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين أظهرت أن أمراً جوهريا غاب عن ذهن المخطط.

في حين كان من المفترض سياسياً التركيز على تحديد المسؤوليات والواجبات في الهيكل الجديد والشاذ في آن، إلا أن الجميع فوجئ بجسد هزيل شديد التناقض لأن مكوناته لا يجمعها هدف نهائي واحد وإن كانت متفقة على أمر قصير المدى وهو إضعاف القوة العسكرية للحوثيين إن لم يكن دحرها إلا أنها بطبيعة خلفياتها المناطقية غير مجتمعة في كيفية إحداث أي من الأمرين، كما أنها لا تمتلك الإرادة الحقيقية ولا الإمكانات المادية لتحقيقهما وتعتمد كلياً على السند الإقليمي غير مدركة أنه لا يمكن استمراره.

لقد عانى الإقليم طوال أكثر من سبع سنوات من الفساد الذي ضرب كل مؤسسات "الشرعية" ولم يعد ممكناً التغاضي عنه فقد جرى التجاوز عنه تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ووجهت الاتهامات إلى كل من تناول مسألة القصور الذي جعل من تحقيق أهداف "عاصفة الحزم" أمراً بعيد المنال. وحين كنت من أشد المعارضين للحرب كمبدأ لحسم الأمور إلا أن ذلك لم يكن دفاعاً عن الطرف الآخر ولكن قناعتي كانت وما زالت أن التدخلات الخارجية الطويلة في اليمن كما في غيرها من البلدان تصبح آثارها السلبية أكثر وضوحاً لأسباب أخطرها الفوائد المادية التي تجنيها الجماعات المحلية فتصبح نهاية الحرب خسارة لها. وهذا أمر يعرفه اليمنيون في حروبهم الأهلية حين ارتفع شعار المقاتلين "اللهم انصر الجمهورية إلى النص وانصر الملكية إلى النص" وهو يتعدى في أهدافه كل الغايات الوطنية.

اليوم ونحن نقترب من العام الثامن للحرب يجب على اليمنيين الاعتراف أنهم عاجزون عن التوصل إلى اتفاق يحفظ لكل مواطن يمني الحق في الحياة الحرة الكريمة، ومرد ذلك ببساطة أن التفاهمات السياسية والإنسانية المتوازنة لا يمكن إنجازها في حال استمرار اختلال موازين القوى بين الأطراف المسلحة الذي جعل من السلاح المعيار الوحيد للتفاوض.
في الوقت ذاته يجب أن يعي الجميع أن استمرار الحرب يمنح جماعة الحوثي الفرصة لفرض مزيد من الإجراءات التعسفية ضد المجتمع ومواصلة ممارسة عملية تجريف ثقافي واجتماعي غير مسبوقة في تاريخ اليمن، وفي الوقت ذاته تقف سلطة السابع من أبريل عاجزة عن تلبية ما عليها من المستحقات الوطنية والأخلاقية للمواطنين في المناطق "المحررة" ولم تتمكن خلال تسعة أشهر من الوجود المستدام بين الناس ولا تحقيق أي إنجاز تنموي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء