Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سفارة واشنطن تناشد الروس الخروج للشارع "احتجاجا" على "الحرب"

دميتري ميدفيديف وصف هذا النداء بأنه "قمة العبثية والانحطاط الأخلاقي"

أصدر بوتين أوامره "بوقف إطلاق النار انطلاقاً من حقيقة أن عدداً كبيراً من المواطنين الذين يعتنقون الأرثوذكسية يعيشون في مناطق العمليات العسكرية" (رويترز)

عادت السفارة الأميركية في روسيا إلى ما تسميه موسكو بـ "التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا"، ولم تكن السفيرة الجديدة لين تريسي قدمت أوراق اعتمادها بعد، وهي التي سبق وعملت في موسكو نائبة للسفير الأميركي قبل أن تتولي منصب سفيرة بلادها في أرمينيا. وفي بادرة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، نشرت السفارة الأميركية بياناً نسبته المصادر الروسية إلى وزارة الخارجية الأميركية، يتضمن نداء توجهت به إلى مواطني روسيا تقول فيه "نعتقد أن ما يحدث لا يليق بكم، ونحن نتضامن مع كل واحد منكم، وأنتم الذين يسعون جاهدين لخلق مستقبل أكثر سلاماً". وكانت السفارة أرفقت بيانها بمشاهد فيديو "تتضمن لقطات للصراع العسكري في أوكرانيا، والاحتجاجات في المدن الروسية"، ذيّلتها بما أعلنته حول "تضامنها مع كل من يسعون جاهدين لخلق مستقبل أكثر سلاماً".

 

"الصقور"

وكان دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي، الذي لطالما عرفته روسيا والأوساط الغربية كواحد من أكثر العناصر القيادية الروسية "ليبرالية وتحرراً"، قبل تحوله إلى ما هو أقرب الى "الصقور"، أول من بادر بالتعليق على بيان سفارة واشنطن بتصريحات "نارية" وصف فيها نداء السفارة بأنه "قمة العبثية والانحطاط الأخلاقي". وأشار ميدفيديف إلى ممارسات واشنطن وتخصيصها مليارات الدولارات لتمويل الصراع في أوكرانيا، وتعزيز نشاط من وصفهم بالنازيين الجدد في أوكرانيا، مؤكداً أن ذلك كله لن ينال من قناعات مواطني روسيا بعدالة سياسات قياداتها وتوجهاتهم.

ولم يمض كثير من الوقت، حتى سارع مجلس الدوما (البرلمان الروسي) للانضمام إلى ميدفيديف في حملته التي استهدفت إدانة ما وصفه فاسيلي بيسكاريف نائب مجلس الدوما بـ "التدخل الأجنبي السافر في الشؤون الروسية"، بما تدعو إليه السفارة الأميركية في موسكو مواطني روسيا إلى الانتفاضة والجنوح نحو العنف، وأعمال الشغب والاضطرابات.

"الثورات الملونة"

وعلى نحو مماثل لما انتهجته سفارات أميركية كثيرة في عدد من عواصم بلدان آسيا الوسطى، إبان ما كان يسمى بـ "الثورات الملونة"، عادت السفارة في موسكو إلى محاولات تأليب الشارع الروسي بتعبيرات وشعارات تدعو فيها إلى تذكر سنوات ما كان يسمى بـ "الاسترخاء" و"الوفاق" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وبعده روسيا إبان سنوات حكم الزعماء السابقين من أمثال ليونيد بريجنيف وميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين. وأعاد البيان الذي أرفقته السفارة بكثير من لقطات الفيديو من اجتماعات بين القادة السوفيات والأميركيين خلال الحرب الباردة تقول إن "روسيا والولايات المتحدة تنافستا وتعاونتا عبر التاريخ لمواجهة أكبر التحديات التي تواجه العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستندت السفارة في بيانها إلى ما تقوله حول "أن روسيا والولايات المتحدة تتحدان في ما يجمعهما من "ثقافات وإنجازات مشتركة". بل وتمضي إلى ما هو أبعد بإشارات إلى "أن الأدب الروسي يُدرّس في المدارس الأميركية"، وأن "الأعمال الموسيقية الكلاسيكية الروسية تؤدى في أرقى المؤسسات الثقافية الأميركية"، وهو ما ترفقه بصور أساطين الأدب الروسي ومنهم ليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي. وذلك في الوقت الذي كانت حتى الأمس القريب نظيراتها من السفارات الأميركية في عواصم بلدان البلطيق والعديد من الدول الغربية، تتغاضي عما تقوم به هذه البلدان من حظر وتشويه لأعمال الأدباء والموسيقيين الروس. ولعلنا نذكر ما تبنته بعض الأوساط الإيطالية من حملات، حاولت من خلالها منع مسرح أوبرا "لا سكالا" في ميلانو من عرض أوبرا "بوريس غودونوف" إحدى أهم روائع الشاعر الروسي الأشهر ألكسندر بوشكين، التي تحولت معها "لا سكالا" إلى ما هو أشبه بالثكنة العسكرية، دفاعاً عنها من تطاول من جرى حشدهم لتشويه كل ما ينتمي إلى الثقافة والأدب الروسيين.

جمهوريات الفضاء السوفياتي

وفي هذا الصدد، يذكر مراقبون في موسكو كثيراً من ممارسات السفارة الأميركية في موسكو، التي لطالما استهدفت تأجيج الميول المعادية للأنظمة الحاكمة ليس فقط في روسيا وحدها، بل وفي جمهوريات الفضاء السوفياتي السابق، وبخاصة في بلدان البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي كانت أول من أعلن الانفصال عن الاتحاد السوفياتي السابق، وأوغلت في العداء لروسيا بإزالة وتحطيم كل النصب التذكارية وتماثيل زعماء وأدباء روسيا وقياداتها العسكرية ممن كانوا شاركوا في دحر القوات الفاشية إبان سنوات الحرب العالمية الثانية. وما إن سقط الاتحاد السوفياتي، واعترف العالم بزواله من الوجود، حتى تحولت السفارات الأميركية إلى ممارسة نشاطها بوتيرة أكثر نشاطاً في الجمهوريات المتاخمة لروسيا، وفي مقدمها جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان التي شهدت أولى موجات الثورات الملونة. ونذكر في هذا الصدد "ثورة الورود" في جورجيا عام 2003، و"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004 وما بعدها، و"ثورة السوسن" في قيرغيزستان، قبل أن تفيق هذه الجمهورية من "سباتها"، لتعود إلى سابق تقاربها وتعاونها مع روسيا، وتعلن صراحة، في 2014، عن رفضها لاستمرار وجود "القاعدة الأميركية الجوية في مطار ماناس" هناك حيث كانت أقامتها عام 2001، بحجة مواجهة الإرهاب الدولي في أفغانستان.

وثمة ما يشير إلى أن ما تستهل به السفيرة الأميركية لين تريسي نشاطها في العاصمة الروسية بإصدار ونشر مثل ذلك البيان الذي سبق وأشرنا إلى كثير من مضمونه واتجاهاته، يلقي بالمزيد من النار في أتون العلاقات الروسية - الأميركية. ومن اللافت في هذا الصدد أن يكون "باكورة" نشاط السفيرة الأميركية في موسكو، بيان يدعو ضمناً إلى المزيد من التوتر والإثارة، ويأتي مواكباً لدعوة بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو إلى التوقف عن الأعمال القتالية بين الجانبين الروسي والأوكراني بمناسبة الاحتفالات بعيد الميلاد الجديد الذي يوافق ليلة السابع من يناير (كانون الثاني) بحسب التقويم اليولياني. وهي الدعوة التي سارع للاستجابة لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليصدر أوامره "بوقف إطلاق النار على طول خط الجبهة الكامل بين الأطراف في أوكرانيا من الساعة 12:00 بتوقيت موسكو في السادس من يناير، وحتى الساعة 24:00 يوم السابع منه". وأضاف بوتين في بيانه بهذا الشأن أنه يتخذ هذا القرار "انطلاقاً من حقيقة أن عدداً كبيراً من المواطنين الذين يعتنقون الأرثوذكسية يعيشون في مناطق العمليات العسكرية"، وقال "إننا ندعو الجانب الأوكراني إلى إعلان وقف إطلاق النار ومنحهم فرصة حضور القداس عشية عيد الميلاد، وكذلك في ذكرى ميلاد المسيح".

كما بادر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى الاستجابة له بإصدار أوامره إلى القوات الروسية "بوقف إطلاق النار على طول خط التماس بين الأطراف في أوكرانيا لمدة 36 ساعة اعتباراً من ظهر الجمعة". وتلك كلها خطوات تقول موسكو، إنها تبدو بادرة لتحركات أكثر سلمية وتحضراً، تأتي على طرفي نقيض من ذلك البيان الذي تستهل به السفيرة الأميركية الجديدة نشاطها في العاصمة الروسية!

المزيد من تحلیل