تعمل العقوبات الغربية على الوقود الأحفوري الروسي على تسريع التحول في تدفقات الطاقة العالمية، إذ تستفيد الصين والهند بشكل متزايد من خصومات النفط الروسية بينما يعيد الموردون في الشرق الأوسط توجيه نفطهم الخام إلى أوروبا.
وتقدم روسيا خصومات كبيرة لأكبر مشتري النفط في آسيا في الوقت الذي تحاول فيه الاحتفاظ بحصتها في السوق بعد حظر بيع منتجاتها الخام والبترولية إلى الدول التي تفرض سقفاً للأسعار، ويمنع الحد الأقصى شحن أو تمويل أو تأمين النفط الخام الروسي المحمول بحراً ما لم يتم بيعه مقابل 60 دولاراً للبرميل أو أقل، وهي عقوبة فرضت رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا.
اضطراب العلاقات التجارية
واليوم تواجه علاقات التجارة الطاقة طويلة الأمد اضطراباً، إذ تحاول الدول في جميع أنحاء العالم حجز ما يكفي من الوقود الأحفوري لضمان قدرتها على تدفئة المنازل ومصانع الطاقة والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي على مدى السنوات القليلة المقبلة، ومن المحتمل أيضاً أن تؤثر إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية في التحالفات الجيوسياسية، حيث تحاول الحكومات تعزيز العلاقات التي من شأنها أن تدعم أمن الطاقة لديها.
في غضون ذلك، تسعى موسكو إلى التخفيف من تأثير العقوبات من طريق خفض الأسعار واكتساب مزيد من الحصة السوقية في الصين والهند، اللتين لم تنضما إلى الغرب في وضع حد أقصى للأسعار، ومنذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت روسيا تبيع خامها الرئيس من الأورال مقابل 17 دولاراً أقل من الحد الأقصى، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مديرة الأبحاث في شركة استشارات النفط "إنرغي أسبكتس" بلندن أمريتا سين لـ"وول ستريت جورنال" إنه "حتى لو ارتفعت الأسعار إلى 100 دولار للبرميل، يمكن للصين والهند مواصلة شراء النفط الروسي، إذا كان لديهما إمكانية الوصول إلى التأمين الخاص بهما".
في تلك الأثناء، تخطت الصادرات الروسية إلى الصين (أكبر مستورد للنفط في العالم) السعودية الشهر الماضي، بعد أن صدرت موسكو 1.9 مليون برميل يومياً إلى الصين في نوفمبر، بزيادة 16.5 في المئة عن العام الماضي، كما بلغت الواردات الصينية من السعودية 1.61 مليون برميل يومياً، بانخفاض 11 في المئة عن العام السابق وفقاً لبيانات الإدارة العامة للجمارك في بكين، كما نمت شحنات موسكو إلى الهند إلى 1.4 مليون برميل يومياً في نوفمبر، مقارنة مع 36 ألف برميل يومياً قبل عام، وفقاً لمزود بيانات السلع الأساسية" كبلر" وتعد روسيا والسعودية عضوين بارزين في مجموعة (أوبك +) لمنتجي النفط.
إعادة التصدير إلى أوروبا
في غضون ذلك، تصدر المصافي الهندية المنتجات النفطية التي تحتوي على الخام الروسي المعالج إلى الاتحاد الأوروبي وهو إعفاء يسمح به برنامج عقوبات الكتلة، في الوقت الذي تحاول الدول الغربية تقليص الإيرادات التي تحصل عليها روسيا من نفطها لتقليل ثروة موسكو في الحرب، مع استمرار تدفق النفط الروسي إلى الأسواق، بالتالي استقرار الأسعار العالمية.
ولا يصطف جميع المشترين في آسيا للحصول على النفط الروسي المخفض، إذ توقف حلفاء الولايات المتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند، فعلياً عن الاستيراد من روسيا.
وكان نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك قال في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن "بعض منتجات موسكو النفطية أعيد توجيهها أيضاً إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية".
ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عنه قوله "نتيجة للأعمال غير الودية، تتم إعادة توجيه مواردنا من الطاقة إلى أسواق أخرى وأسواق الدول الصديقة".
كانت بعض الدول الخليجية إلى جانب المغرب ونيجيريا والسنغال والبرازيل قد حصلت على وقود الديزل والبنزين الروسي الرخيص في الأشهر الأخيرة، بحسب " وول ستريت جورنال"، على رغم كونها منتجة للنفط الخام في بعض الحالات.
وانخفض سعر برميل خام برنت بشكل طفيف منذ أن هددت روسيا الأسبوع الماضي بمقاطعة المشترين الملتزمين بسقف أسعار النفط وسط مخاوف في شأن النمو بسبب عودة ظهور "كوفيد-19" في الصين، إذ سجل سعر الخام صباح الجمعة الماضي نحو 84 دولاراً للبرميل.
النفط الخليجي لأوروبا
وبينما تضغط الصادرات الروسية على أسعار الطاقة في أكبر أسواق آسيا، تقوم السعودية وغيرها من كبار منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط بإعادة توجيه بعض نفطهم من الصين والهند إلى أوروبا في خطوة تعد انعكاساً حاداً عن سنوات من التركيز على التوسع في الصين والهند، اللتين كان ينظر إليهما في وقت سابق على أنهما الأسواق النامية الوحيدة بينما كانت السعودية الأسرع نمواً من بين أي مورد نفط رئيس إلى الاتحاد الأوروبي في الربع الثالث من 2022 بحصة سوقية تبلغ 9.1 في المئة من واردات السلعة، مقارنة مع 5.1 في المئة في 2021 العام، وفقاً لـ" يوروستات".
وبحسب "كبلر" بلغت الشحنات السعودية إلى مصر قبل إعادة تصديرها إلى أوروبا عبر قناة السويس، نحو مليون برميل يومياً في نوفمبر، ارتفاعاً من 600 ألف برميل يومياً في أكتوبر (تشرين الأول) و866 ألف برميل يومياً قبل عام.
في غضون ذلك، وافقت شركة "أرامكو" السعودية للنفط على زيادة إمداداتها إلى أكبر شركة للطاقة في بولندا "بي كي أن أورلن" بما يصل إلى 337 ألف برميل يومياً العام المقبل، وكانت روسيا صدرت بأكثر من 220 ألف برميل يومياً عبر خط أنابيب إلى بولندا العام الماضي، كما خصصت الشركة السعودية أكثر من 100 ألف برميل يومياً لـ"توتال إنرغي" للإمدادات في فرنسا لتعويض باريس عن البراميل الروسية المفقودة، وفقاً لمسؤولي الطاقة الفرنسيين والسعوديين.
كانت "توتال إنرغي"، وقعت في يوليو (تموز) الماضي صفقة مع شركة "بترول أبو ظبي الوطنية" الإماراتية تضمن 300 ألف طن شهرياً من الديزل، أو 75 ألف برميل يومياً لفرنسا في حالة النقص بحسب ما قال مسؤولان فرنسيان ومسؤول إماراتي لـ"وول ستريت جورنال".