Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2022 ... عام الفشل في إعادة تكوين السلطة في لبنان

الانتخابات أفرزت برلماناً بلا أكثرية واضحة و"حزب الله" يبقي الفراغ الرئاسي رهينة الحراك الإقليمي

ضباط من الحرس الجمهوري ينزلون العلم اللبناني من على قصر بعبدا إثر مغادرة الرئيس عون (دالاتي ونهرا)

ينقضي عام 2022 واللبنانيون بلا رئيس للجمهورية مرة أخرى، لعجز البرلمان عن انتخابه وسط تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن استمرار الفراغ الرئاسي منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
حفل العام المنقضي بالصراعات حول إعادة تكوين السلطة في لبنان، الذي راهنت عليه أكثرية اللبنانيين منذ انتفاضة "17 أكتوبر/ تشرين الأول" الشهيرة عام 2019، ضد الطبقة السياسية التي أغرق فساد معظم رموزها البلد في واحدة من ثلاثة أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية غير المسبوقة منذ 150 سنة في العالم، وفق تقييم البنك الدولي، نظراً إلى تبخر ودائع اللبنانيين في المصارف جراء استدانة الدولة من المصرف المركزي الذي كان يحتفظ بالجزء الأكبر من أموال المصارف. وينتمي معظم أصحاب المصارف اللبنانية إلى المنظومة السياسية الحاكمة.

الظروف الإقليمية وإعادة تكوين السلطة

وواجهت عملية إعادة تكوين السلطة مقاومة شرسة من رجال السلطة، ورفضت أكثرية رموزها مطلب ثوار "17 تشرين" إجراء انتخابات نيابية مبكرة، الشعار الذي رفعوه بعد أسابيع من اندلاع الانتفاضة الشعبية من أجل تغيير قاعدة الحكم في البرلمان. وإذ اعتبر هؤلاء أنهم نجحوا في حمل حكومة رئيس الوزراء حينها سعد الحريري على الاستقالة استجابةً لهم، وبالتالي يجب أن يواصلوا تغيير السلطة، باعتبار النظام اللبناني برلماني ديمقراطي. هذا على الأقل ما ينص عليه الدستور. أكثر الرافضين لمطلب الانتخابات النيابية المبكرة، الذي أعقبه مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كان أقوى المستفيدين من التركيبة الحاكمة أي تحالف القوى السياسية التي حصلت على الأكثرية في انتخابات عام 2018 النيابية (71 نائباً من أصل 128)، أي "حزب الله" وحلفائه في "حركة أمل" وفي قوى "8 آذار" (الموالية للنظام السوري وإيران) و"التيار الوطني الحر" ومؤسسه الرئيس السابق ميشال عون، ورئيسه النائب جبران باسيل. فالبرلمان الذي يقضي العرف بأن ترأسه شخصية شيعية، هو مصدر السلطات حسب الدستور. وهو الذي يسمي رئيس الحكومة السني، وينتخب رئيس الجمهورية المسيحي الماروني، الذي كان يجب أن يختاره النواب قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وعلى الرغم من مغادرة الرئيس عون السلطة بعد 6 سنوات في الرئاسة، تخللتها فراغات حكومية جراء احتدام الصراع على تركيبة السلطة التنفيذية، وخلافات على تطبيق الدستور وعلى الصلاحيات الموزعة على المواقع الرئاسية المخصصة للطوائف في نظام سياسي طائفي، فإن تكوين السلطة في لبنان خضع لتداخل الظروف الداخلية مع العوامل الإقليمية. حسابات الطرف الأقوى في البلد، "حزب الله"، الذي يحتفظ بسلاحه مستقلاً عن المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية، ترتبط بولائه لإيران ولمشاريعها الإقليمية في أكثر من بلد عربي، وفي سياق الصراع مع دول فاعلة في الإقليم، ما جعله يُخضِع دوره في تركيبة السلطة لمقتضيات هذه الحسابات. وهو نجح على مدى السنوات الماضية، تارةً باستخدام القوة وأخرى بفعل تحالفاته، في الحصول على غطاء الشرعية الدستورية اللبنانية لانخراطه في حروب سوريا واليمن ودور المحور الذي ينتمي إليه في العراق. ومن هنا يمكن فهم أسباب معارضة "الحزب" لمطلب الانتخابات النيابية والرئاسية المبكرة في 2019 و2020.

الانتخابات في موعدها بدل المبكرة

سلّم المجتمع الدولي الذي اشترط إجراءات وإصلاحات تستدعي من المنظومة الحاكمة أن تغيّر سلوكها مقابل تقديم المساعدة المالية للبنان للمساهمة في إنقاذ اقتصاده وتعافي ماليته العامة، بأن لا مجال للتغيير في التمثيل السياسي إلا عند قيام البرلمان الجديد، بنهاية ولاية الأربع سنوات لبرلمان 2018، وراهن على تركيبة جديدة في انتخابات مايو (أيار) 2022، التي يستحق معها موعد إجراء الانتخابات البلدية.
ومنذ نهاية 2021 تصاعدت الضغوط الخارجية بحملات متفق عليها مسبقاً بين الدول المعنية بلبنان ومن قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، حول ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، خشية لجوء الطبقة الحاكمة والأكثرية النيابية الحليفة للحزب إلى التمديد للبرلمان، بحجة شح الأموال في خزينة الدولة لتغطية التكاليف، أو بذريعة الأوضاع الأمنية، أو لأن هناك موجبات يفرضها قانون الانتخاب حالت الأحداث المتتالية دون وضعها موضع التنفيذ... وسبق للبرلمان أن مدد لنفسه ولاية 4 سنوات وبقي مجلس 2009 حتى عام 2018، وانتخب عون للرئاسة في 2016، بعد فراغ في الرئاسة لسنتين و5 أشهر ونيف، نتيجة إصرار "الحزب" على توليه المنصب، ما دفع معارضيه إلى التنازل وانتخابه لإنهاء الفراغ.

الضغط لإجرائها وتأجيل البلدية

لم يخلو أي تصريح لسفير أجنبي أو بيان لهيئة دولية بما فيها مجلس الأمن والجامعة العربية، أو موقف لوزارات خارجية أميركا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، من تأكيد على وجوب الوفاء بالاستحقاق الانتخابي النيابي، ما شكل عاملاً ضاغطاً حتى على "حزب الله"، خصوصاً أن البيئات الشعبية كافة، الناقمة على رجال الحكم بعد "ثورة 17 تشرين" كانت تتطلع إلى تغيير في ممثليها. استبق الضغط الدولي التفكير بإلغاء الانتخابات واضطر معظم رجال الطبقة السياسية إلى إثبات انصياعهم للقانون. وكان من أسباب ذلك أن إفساح المجال للناس أن تعبر عن موقفها بالاقتراع ينفّس الاحتقان الشعبي، الذي سيكون موجهاً بالإجمال ضد الزعامات التقليدية، ويسمح باستيعاب جزء من "ثوار 17 تشرين"، إضافة إلى أن "حزب الله" كان واثقاً من تمكنه من استعادة الأكثرية النيابية نظراً إلى الانكفاء النسبي للناخبين السُنة جراء امتناع تيار "المستقبل" والحريري عن المشاركة في الترشح من جهة، ولقدرته على إدارة أكثرية الجمهور الشيعي، وتجيير أصواته لمساندة حليفه جبران باسيل في تعويض جزء من الشعبية التي خسرها بعد الانهيار الاقتصادي الذي حمّل اللبنانيون الجزء الأكبر منه له ولعمه الرئيس عون من جهة أخرى. كما أنه كان يراهن على الانقسامات التي تتحكم ببعض خصومه من "المعسكر السيادي" المعارض له، وعدم قدرة "التغييريين" و"ثوار 17 تشرين" على تشكيل لوائح موحدة جراء خلافات بينهم.
مع التسليم بإجراء الانتخابات، استصدر النواب قانوناً بالتمديد للمجالس البلدية إلى العام 2023، وفشلت محاولات تعديل قانون الانتخاب الذي جرى صوغه عام 2018 على القاعدة النسبية مع حق الناخب بصوت تفضيلي واحد في دائرته الصغرى، بناءً لإلحاح القوى السياسية المسيحية على انتخاب المسيحيين لممثليهم في البرلمان. فالناخبون المسلمون، في القانون السابق، كانوا يلعبون دوراً رئيساً كأكثرية، في اختيار عدد من النواب المسيحيين. كانت النتيجة أن قانون الانتخاب، عزز الطائفية، ما دفع قوى عدة بينها رئيس البرلمان نبيه بري، إلى اقتراح تعديله من دون النجاح في ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تغيير موازين البرلمان الجديد

أفرزت الانتخابات النيابية في مايو الماضي، والتي أمّن المجتمع الدولي ما ينقصها من أموال، لإسقاط ذريعة تأجيلها، مجلساً نيابياً فقد فيه "حزب الله" وحلفاؤه الأكثرية، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها في الدوائر المختلطة التي تضم ناخبين شيعة، من أجل التعويض لحليفه باسيل ما خسره وسط الرأي العام المسيحي، بتجيير أصوات ناخبيه وحلفائه لمرشحي "التيار الوطني الحر". كان هَم "الحزب" أن يحفظ للأخير تفوقه على حزب "القوات اللبنانية" (حصدت كتلة من 19 نائباً) المعارض له ولسلاحه، لكن الأخير حصد نواباً أكثر من "التيار" الذي أوصل 17 نائباً يُضاف إليهم 3 نواب لحزب "الطاشناق" الأرمني. ولم يحسب "حزب الله" والعديد من القوى التقليدية الأخرى حساب التبدل في المزاج الشعبي العام الذي ساهم في إنجاح 13 نائباً من رموز "ثورة 17 تشرين"، باتوا نواباً على حساب حلفاء آخرين له مثل النائب طلال أرسلان وممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، أسعد حردان، وتيار "المردة" الذي يرأسه مرشح الحزب للرئاسة سليمان فرنجية، فانخفضت الأكثرية التي كانت بحوزته في برلمان 2018 من 71 نائباً إلى زهاء 61 نائب. وحصل تحالف أحزاب "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" و"الكتائب" والمستقلون المتعاطفون مع الفريق السيادي المعارض لـ"حزب الله"، زائد النواب التغييريين الـ13، على 69 نائباً، مع أن هذا الخليط لم يستطع منذ بداية ولاية البرلمان توحيد الموقف من انتخابات رئاسة ونيابة رئاسته وهيئة المكتب فيه، بل أن التحالف المقابل استطاع جذب عدد من هؤلاء النواب للتصويت لصالح بري فحصل على 65 صوتاً، وكذلك نائبه النائب الياس بو صعب المنتمي إلى "التيار الوطني الحر". وبقيت هذه "الأكثرية" مشرذمة وما زالت.

انتخاب الرئيس: لا أكثرية

وصف بعض القادة السياسيين وخصوصاً بري والأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، وبعض النواب، ميزان القوى في البرلمان بالقول إن ليس من فريق يستحوذ فيه على الأكثرية، بل أن هناك 3 كتل كبرى هي "الثنائي الشيعي" وحلفائه، قوى "14 آذار" السابقة وما يسمى "السياديون"، و"المستقلون" زائد "التغييريين"، تتفق مع بعضها وفقاً للموضوع، أي "على القطعة". التشتت في المواقف النيابية دفع بعض الكتل إلى تسجيل موقفها عبر التغيب عن بعض جلسات البرلمان بسبب اعتراضها على بعض مشاريع القوانين لا سيما الإصلاحية منها، التي عُرضت على الهيئة العامة للمجلس النيابي، وتجلت بالتصويت بأكثرية هزيلة على بعض هذه القوانين.
لكن الأبرز في مفاعيل انعدام القدرة على تكوين أكثرية تجلى في استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي بدأت الجلسات في شأنه قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس عون، ضمن المهلة التي ينص عليها الدستور (شهران). واتفق "الفرقاء السياديون" على دعم ترشيح رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض (نجل الرئيس الراحل رينيه معوض)، المعارض للتيار العوني والحزب بشدة، ,الذي حصل في بداية الجلسات العشر على قرابة 43 صوتاً، فيما عمد معظم النواب التغييريين إلى التصويت لمرشحين يعتبرونهم من خارج المنظومة الحاكمة (الكاتب والمؤرخ عصام خليفة) الذي تناقصت أصواته من 11 إلى 8 بعد انضمام زملاء لهم للتصويت لمعوض، فيما اجتذب "الحزب" حليفه "التيار الوطني الحر" إلى خيار الورقة البيضاء، في تصويت الدورة الأولى التي تتطلب ثلثي الأصوات (86 صوتاً) قبل الانتقال إلى الدورة الثانية والتي تتطلب حصول المرشح على أكثرية النصف زائداً واحداً (65 صوتاً). فاعتمد هذا التحالف أسلوب تعطيل جلسات المجلس للحؤول دون مفاجأة ما تؤدي إلى نجاح معوض الذي يعتبره "الحزب" معادياً له بإفقاد الجلسات نصاب الثلثين. لكن خيار الأوراق البيضاء بدأ بأعداد بلغت الـ 50 ، وانتهى بـ 38، نظراً إلى انسحاب "التيار  الحر" منه لصالح توزيع أصواته على مرشحين آخرين إما مغمورين أو يرمزون إلى خلاف مع "حزب الله"، بعدما أعلن باسيل رفضه دعم مرشح نصر الله، سليمان فرنجية. إلا أن "التيار" بقي ملتزماً إفقاد الجلسات الانتخابية نصاب الثلثين، كي لا يتفاجأ باتفاق السياديين والتغييريين وبعض المستقلين والنواب السنة الموزعين بين كتل نيابية صغيرة، على التصويت لمعوض فيفوز بالرئاسة.

خلاف على الخيارات في كل معسكر

وإن دلّ كل ذلك على تشتت الكتل النيابية، فإنه مؤشر إلى تعارض الأهداف السياسية داخل كل معسكر. فالخلاف بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" بلغ حد التراشق الإعلامي بين الجانبين، في خروج على قواعد التعامل بينهما منذ صوغ ورقة تحالفهما في 6 فبراير (شباط) 2006. وإمكان جمع المعسكر الآخر، أي "السياديين والتغييريين والمستقلين" على مرشح واحد، متعذر أيضاً. لكن "حزب الله" ما زال مصراً على المضي بمرشحه سليمان فرنجية على الرغم من أنه لم يعلن تبنيه رسمياً، ويتطلع، حسب معطيات بعض الأوساط السياسية، إلى تسوية مع الفرقاء الآخرين لعلها تأتي من الخارج، تقود إلى قبول أميركي وفرنسي وبالتالي عربي بفرنجية. فالحزب يطمح إلى رئيس يراعي موقعه الإقليمي، شبيه بعون، لكن التناقضات بين الزعامات المسيحية وموقعها في تركيبة السلطة المقبلة، حالت دون انضمام باسيل إلى خيار فرنجية، فيما لم تفلح جهود حزب "القوات اللبنانية" في إقناع مجموعتي "التغييريين" وبعض "المستقلين" بالانضمام إلى خيار معوض. كما أن مسعى بري إلى حوار بين الكتل النيابية فشل بسبب اقتناع القوى المعارضة لخيار فرنجية، والتي رفضت هذا المسعى، بأن الهدف من ورائه التفاوض على قبول رئاسة فرنجية، وشق صفوف السياديين والمستقلين. فقيادة الحزب أعلنت بوضوح أنها لن تسمح إلا بانتخاب الرئيس "الذي نريد". كما أن بعض القوى النيابية ينتظر جهوداً خارجية، لا سيما فرنسية، قد تفضي إلى ترجيح خيار قائد الجيش العماد جوزيف عون.
مع نهاية عام 2022 يكون مضى شهران على الفراغ الرئاسي، الذي يعيق إعادة تكوين السلطة في البلد الذي باتت المرحلة الانتقالية بين حقبة وأخرى، حاجة موضوعية لمعالجة أزمته الاقتصادية والمالية، بالتزامن مع إصلاح علاقاته العربية التي تدهورت في السنوات الأخيرة جراء انحياز عون وفريقه إلى المحور الإيراني. فمن دون المساعدة العربية والخليجية يستحيل انتشال لبنان من المأزق.

الرئاسة رهينة الإقليم 

لذلك يضاف عامل جوهري آخر إلى مظاهر التشتت في الأكثرية النيابية في شأن تأخر الوفاء بالاستحقاق الرئاسي، يلعب دوراً في تأخير الاتفاق على الشخصية التي يمكن أن تحصل على أكثرية قد تجمع أطرافاً من المعسكرين. فالحسابات الإقليمية على الأقل عند "حزب الله" تدفعه إلى استخدام الفراغ ورقة ضاغطة على خصومه لأنه لا ينوي التنازل عن نفوذه على الرئاسة الأولى، في ظروف إقليمية متحركة ومتغيرة أبرز مظاهرها ما يحصل في إيران من حراك داخلي جدي له تأثير على مستقبل نفوذها في المنطقة وبالتالي لبنان. ولذلك تبقى الرئاسة في لبنان رهينة التطورات في الإقليم.  

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل