لا يوجد إحصاء دقيق لخسائر المستثمرين بسبب هبوط أسواق المال العالمية في الربع الثاني من العام الحالي، لكن المؤكد أن الرقم يفوق كثيراً حجم التوقعات المتشائمة، التي أطلقت مع بداية تراجع الأسهم، والآن انقضى 2022 بهمومه الثقيلة على المتداولين، وفي انتظار عام جديد، وتوقعات جديدة تتلمس رسم خريطة طريق للخروج من أزمة البورصات التي أثقلت الشركات والمستثمرين.
الأسباب والمؤثرات عديدة، لكن يبقى في مقدمتها نمو الاقتصاد العالمي وأسعار النفط والظروف "الجيوسياسية"، وقد كان النصف الثاني من العام الحالي أشبه بالمتاهة، حيث الأزمة الأوكرانية والتضخم وتذبذب أسعار النفط وعودة "كورونا" إلى الصين، وتدخل البنوك المركزية برفع الفائدة، إذ لم يعد مهماً أيهما يؤثر على الآخر، ولكن المهم كيف نخرج من هذه الأزمات، ونتجاوز الخسائر، فلكل منها آثاره التي لا يمكن تجاوزها.
السير في حقل ألغام
في البداية، يوضح المتخصص في الشؤون المالية وأستاذ الاقتصاد الدكتور محمد القحطاني، أن توقع المستقبل في قطاع أسواق المال يشبه إلى حد كبير السير في حقل ألغام لا حدود له، بل إن أغلب المتخصصين ممن يستهويهم خوض غمار السير في هذه الحقول يتكئون على مؤسسات ذات سمعة لتجنب الوقوع في المحظور من خلال عرض توقعات متباينة، لذلك سيكون التوقع في شأن مستقبل الأسهم السعودية في 2023 من خلال وضع سيناريوهات متعددة تسهل قراءة الواقع الاقتصادي المحلي بدرجة أولى والعالمي بدرجة ثانية.
أفضل وأسوأ التوقعات
أبان القحطاني أن أفضل التوقعات تذهب إلى تحسن كبير في الأسهم بناء على النمو الاقتصادي المحلي الجيد، وتفاؤل المستثمرين بانحسار التضخم في الولايات المتحدة والخروج من رفع أسعار الفائدة، مع تحسن الطلب على النفط في ظل خروج الصين من الحظر الذي تفرضه بسبب "كوفيد-19"، أما أسوأ التوقعات وهو دخول العالم في ركود اقتصادي بسبب إجراءات البنوك المركزية، وبطء عودة عمل الصناعة إلى الحالة التي سبقت الجائحة من تعطل في خطوط الإنتاج وارتباك شديد في سلاسل الإمداد، واستمرار تراجع أسعار النفط بسبب تقلبات الطلب، مما يحمل أسواق المال عبء ثقة المستثمرين في الأسواق، مما يعني عاماً سيئاً لن يحمل الجديد وقد يستمر في الأداء السلبي.
مكررات ربحية مغرية
وأضاف القحطاني، أن أمام المستثمرين تقييمات مغرية إذ يتداول مؤشر "تداول" بمكرر ربحية عند 13.4 مرة، وهو المستوى الأدنى منذ مارس (آذار) 2020، ودون المتوسط البالغ 14.7 مرة المسجل في العقد الماضي، كما أن "المكررات والأسعار الأرخص ستجذب مزيداً من الاهتمام من الصناديق المخصصة للأسواق الناشئة، التي لا تزال مراكزها الاستثمارية في السعودية وأسواق دول مجلس التعاون الخليجي ضعيفة للغاية".
أسعار الفائدة والدورات الاقتصادية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن مقابل التفاؤل، يوجد تشاؤم لدى متعاملين في السوق، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة بين تحديات أخرى، إذ ترتبط سياسة البنك المركزي السعودي ارتباطاً وثيقاً بسياسة الاحتياطي الفيدرالي، بسبب ربط الريال بالدولار، مضيفاً أن "مورغان ستانلي" خفض توصيته للأسهم السعودية إلى "أداء يعادل أداء فئة الأصل" في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبأن قيود التمويل بين البنوك، وإصدار السندات محلياً وسط ارتفاع الفائدة، والتعافي في الأسواق الناشئة المتأثرة بالدورات الاقتصادية، كلها رياح معاكسة للمتفائلين.
التحول للأصول ذات الدخل الثابت
من جانبه، قال المستشار المالي الدكتور علي الشخص، إن معنويات المستثمرين تأثرت بشكل سلبي من ضغوط التضخم وتحركات البنوك المركزية لاحتوائه، إلى جانب مخاوف الركود، حيث شهدت الأسواق العالمية بشكل عام تراجعات حادة، مما جعل أسواق الأسهم عالمياً تعاني شحاً في السيولة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، وأدى ذلك إلى تحول عديد من الأموال إلى الأصول ذات الدخل الثابت مثل السندات.
المؤشر يشطب مكاسب العام
مضيفاً، أن العوامل السابقة أسهمت في الضغط على مؤشرات السوق السعودية "تاسي"، حيث محا المؤشر جميع مكاسب العام، بل سجل خسائر قاربت من 10 في المئة، وتراجعت قيم التداول في سوق الأسهم السعودية بنحو 27 في المئة على أساس فصلي لتصل إلى 730 مليار ريال (194.09 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث مقارنة بـ994 مليار ريال (264.28 مليار دولار) في الربع الثاني من العام الحالي، بحسب النشرة الإحصائية الأخيرة لهيئة سوق المال، ويبقى الأصعب هو الحصول على جواب على سؤال: هل يتكرر سيناريو 2022 في 2023؟ أم إن الأوضاع الاقتصادية العالمية تسير وفق التوقعات وستخرج الأسواق من أزمتها التي كانت الأسوأ في العام الحالي؟
النفط اللاعب الأكبر في السوق
يؤكد مدير أعمال الشرق الأوسط لـ"مؤسسة الإدارة المالية العالمية"، سامي آل حمادة، أن رفع الفائدة من قبل البنوك المركزية في 2022 ضغط على معنويات المستثمرين في أسواق المال، في الوقت نفسه لعب النفط الدور الأكبر في تزايد قلقهم في شأن آفاق الاقتصاد العالمي، فقد هبط خام برنت من مستوى مرتفع بلغ 140 دولاراً للبرميل، ومحا تقريباً كل مكاسبه في 2022، ليتداول عند 79.14 دولار، وعليه- كما كان الأمر دوماً- سيكون مستوى أسعار النفط حاسماً في تحديد التوقعات بشكل عام، للاقتصاد وأرباح الشركات، التي تؤثر في أسواق المال.
وأضاف أن هبوط "تاسي" بنحو 10 في المئة على الرغم من حدته، فإنه يبقى متفوقاً على مؤشر "أم أس سي أس" للأسواق الناشئة الذي تراجع بنسبة 22 في المئة، إضافة إلى ذلك، بأن السعودية في طريقها لتسجيل أسرع نمو بين اقتصادات دول مجموعة الـ20 خلال العام الحالي، يدعمها قيمة الصادرات النفطية التي تجاوزت تريليون ريال (265.8 مليار دولار)، خلال أول 10 أشهر من العام، مسجلة ارتفاعاً بـ75 في المئة مقارنة بالفترة عينها من 2021، وذلك بفعل ارتفاع أسعار الخام ونمو الطلب من الصين.
شح السيولة في أسواق المال
حول توافر السيولة، يوضح المستشار المالي لـ"مجموعة الثقاة المالية" محسن المهنا أن أسواق الأسهم عالمياً تعاني شحاً في السيولة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، في ظل التراجع المستمر للتداولات اليومية التي تكاد تلامس الأرقام الأدنى في العام، ولم تشذ السوق السعودية عنها، مما دفع "هيئة السوق المالية" في بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الموافقة على اللائحة المقدمة من شركة "تداول" لتنظيم إجراءات "صانع السوق"، التي تهدف من وجوده ضمان توفير السيولة وتعزيز كفاءة تحديد الأسعار في التعاملات، ومن شروطه أن يكون عضواً في السوق السعودية (تداول)، وهو ملزم بتوفير أوامر البيع والشراء بشكل مستمر طوال فترة جلسة التداول، حيث يحصل على محفزات من بينها عمولة تداول مخفضة، ويبلغ عدد "صناع السوق" في "تاسي" 30 وسيطاً، وفي سوق المشتقات المالية يبلغ عددهم ستة وسطاء، وتقوم "تداول" بمراقبة التزامهم بدورهم بشكل مستمر. مبيناً أن دور "صانع السوق" لا يزال تحت التبلور. ويرى البعض أنه لم يصل إلى النضج لممارسة دوره بفاعلية في التداول.
الاكتتابات في السوقين الرئيسة و"الموازية"
ويرى المهنا، أن الاكتتابات تلقي بظلالها على السوق، وهي سلاح ذو حدين، حيث تضيف سيولة لحجم السوق، كما أنها تؤثر على سيولة التداول اليومي وبخاصة في حالة الهبوط، وقد شهدت السوق الرئيسة خلال الأشهر الـ10 الماضية 17 اكتتاباً بلغت حصيلتها المجمعة 37 مليار ريال (9.84 مليار دولار)، بينما سجلت السوق "الموازية" طرح 40 شركة، منها 12 شركة إدراجاً مباشراً، و28 شركة اكتتاباً للمستثمرين المؤهلين.
وأشار إلى أنه إذا كانت السوق الرئيسة هبطت نحو 10 في المئة، فإن "نمو" تراجع 28 في المئة هذا العام ويتجه لتسجيل أكبر خسائر سنوية منذ إنشاء السوق في 2017، وقد ألغت شركة "الريان المتقدمة للصناعة" طرح 20 في المئة من رأسمالها، ما يعادل مليوني سهم بسعر 72 ريالاً (19.14 دولار)، فيما ألغت "الرمز للعقارات" طرح 10 في المئة من رأسمالها أو ما يعادل 3.3 مليون سهم بسعر يتراوح بين 61 و67 ريالاً (16.22 - 17.81 دولار)، وكان السبب عدم تغطية الاكتتاب، لانسحاب البعض، ونشأ عن تزايد الإلغاءات مخاوف للمستثمرين من أن يستمر الأداء السلبي للسوق في الفترة المقبلة، خصوصاً أن كثيراً من الأسهم التي أدرجت، أخيراً، يتم تداولها دون سعر الاكتتاب.