Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا جدوى من طلب "عدم الثمالة" من البريطانيين أثناء الإضراب

نحن البريطانيين فوضويون نتقيأ في كل مكان من فرط احتساء الخمر ونقتحم مباريات كرة القدم ونترك وراءنا أوراق تغليف الكباب وأعقاب السجائر

لا تشربوا حتى الثمالة خلال إضراب طواقم الإسعاف (رويترز)

مع استمرار إضرابات قطاع الإسعاف، دعا "وزير الصحة منخفض الطاقة"، ستيف باركلي، المواطنين إلى "استخدام حسهم السليم" – فيما حذرهم البروفيسور السير ستيفن بويس، المدير الطبي لهيئة "خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا"، من مغبة "شرب الكحول حتى الثمالة".

وفي هذين الموقفين ما يُفجر شعور الإحباط الشديد ويُفضي إلى تساؤلات من قبيل: لمَ يُطلب منا – نحن كشعب بريطاني – ألا نشرب الكحول لدرجة تستدعي رعاية طبية طارئة؟ هل تتخيلون ما كانت ستكون عليه ردود فعل الفرنسيين أو الألمان لو طُلب منهم الأمر نفسه؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلا، لا يمكنكم ذلك. لماذا؟ لأن الفرنسيين والألمان بكل بساطة لا يحتسون الكحول بالطريقة التي نحتسيها في هذا البلد. فنحن نتناول الخمور كما لو أننا لا نريد أن نعيش بعد الآن - وهل يمكن لأحد أن يلومنا، أنظروا إلى حال الأمور من حولنا. نحن أمةٌ من متعاطي المشروبات الكحولية في كل زمان وكل مكان: نشرب لنحتفل أو لنرثي أحوالنا ونشرب أيضاً تنفيساً عن مللنا أو تعبنا أو قلقنا أو توترنا أو فرحنا. ونادراً ما يجد الاعتدال (الاعتدال في الشرب) مكاناً بيننا.

نحن البريطانيين الفوضويين الذين يتقيؤون في كل مكان ويقتحمون مباريات كرة القدم ويتركون وراءهم أذيالاً من أوراق تغليف الكباب وأعقاب السجائر. ومن بين الشعوب الأوروبية، نحن بالتأكيد السكارى المحرِجين الذين يترنحون على الأرصفة وفي الطرقات ويتفوهون بالكثير من الهراء تحت أنظار الشعوب الأخرى المليئة بالدهشة والارتياع.

نحن بالفعل كل ذلك؛ لكن عسانا نتعظ مما قدمه لنا الممرضون والمساعدون الطبيون وطواقم الإسعاف في هيئة "خدمات الصحة الوطنية" من نصيحة في إطار التحركات التاريخية التي ينظمونها، وعسانا نُفكر ملياً في مدى تأثير عادات الشرب لدينا على الخدمات الصحية. تصوروا أن حوالى 280 ألف بريطاني دخلوا المستشفى لتلقي العلاج بسبب الكحول بين 2019 و2020. وتأتي هذه المحصلة في أعقاب اعتبار تعاطي الكحول السبب الرئيسي لوفاة البالغين في سن العمل في إنجلترا عام 2018.

وفي هذا السياق لا بد من أن أعود بالذاكرة إلى اليوم الذي زرتُ فيه برلين قبل خمس أو ست سنوات والتقيتُ بعددٍ من سكان المدينة وهم يتلذذون بشرب البيلسنر أثناء رحلة عودتهم من العمل على متن مترو برلين. للوهلة الأولى، تفاجأتُ... بشدة وعيهم. فهم لم يبدوا في حالة سكر وما كانوا يصرخون أو يتجادلون أو يتقيؤون. وهذا يُفسر إلى حد ما السبب وراء حظر حيازة الكحوليات المفتوحة واستهلاكها في مترو أنفاق لندن وحافلات النقل العام.

والمعروف عنا نحن البريطانيين أننا ننفق قرابة الملياري جنيه استرليني سنوياً على الخمور وتأثير لوبي الكحول على بلادنا لا يُستهان به. فلما شنت الحكومة علينا "غارةً من الضرائب الخفية" تُوجبنا دفع 150 مليار جنيه استرليني على مساهمات تأمين إضافية وضريبة دخل على مدى ست سنوات، صدر قرار الاستمرار في تجميد الرسوم المفروضة على الكحول لمدة ستة أشهر إضافية حتى أغسطس (آب) 2023. ونتيجةً لذلك، ارتفعت حالات الاستشفاء والوفاة المبكرة ومعدلات الجرائم المتعلقة بالكحول، بحسب ما كتبت البارونة ديان هايتر في مجلة "فويسز" (Voices) في تشرين الثاني (نوفمبر).

وقد لا يروق للبعض – تحديداً السياسيين والمعلقين المحافظين – نهج "الدولة المربية" الذي تعتمده بريطانيا وكثيراً ما يتحسرون على تبعاته، إما بإضرام النار في قوانين الصحة والسلامة الأوروبية أو بالتساهل مع اقتناء الأطفال في سن الثالثة مجموعة من السكاكين ليلعبوا بها؛ ولهؤلاء نسأل: ما رأيكم بمطالبة الحكومة لنا بكل جدية الاعتدال في تناول الكحوليات في عيد الميلاد فيما موظفو الإسعاف والمساعدون الطبيون مضربون عن العمل؟ هل من استصغار أكثر من ذلك بحق شعبنا؟

أعتقد أنه من مصلحة الجميع - ممرضين وأطباء ومسعفين ومستفيدين من "خدمات الصحة الوطنية" – أن يتحلى كل واحدٍ منا بالمزيد من الوعي إزاء تأثير أفعاله على الخدمات الصحية والعاملين فيها. ولكنني لستُ هنا لأحاضر بالعفة أو أتعمق بالفلسفة، بل لأُشارككم الاستنارة التي وصلتُ إليها بعد مرور 444 يوماً على تناولي آخر كأس من الخمر: عندما يكون المرء جزءاً لا يتجزأ من ثقافة تعتبر الإفراط في تناول المشروبات الكحولية أمراً عادياً – لا بل وتشجع عليه - في الفعاليات الاجتماعية والمناسبات الاحتفالية (وتخليداً لكل حدث كبير في الحياة وتنفيساً عن ضغوط العمل اليومية)، من الطبيعي أن يجد صعوبةً كبيرة في نزع نظارات الجعة والتراجع خطوةً إلى الوراء.

أما الأسباب التي تدفع بالناس إلى الأفراط في الشرب لدرجة تعريض أنفسهم والآخرين للخطر فهي عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التداوي الذاتي من اضطرابات الصحة النفسية والقلق الاجتماعي والرغبة في الاندماج والانتماء إلى مجموعة والشعور بضغوط الآخرين – والإدمان على الكحول. وفي إنجلترا اليوم، أكثر من 600 ألف مدمن على الشرب، 18 في المئة منهم فقط يتلقون العلاج اللازم.

نعم، صحيح. يمكن لتصرفاتنا السكرية كبريطانيين أن تكون أسوأ من المذلة نفسها، وعلينا أن نعترف بأن البلدان الأخرى تجعلنا نخجل من أنفسنا. ولكن باستطاعتنا – لا بل وينبغي بنا - أن نتعامل مع هذه المسألة بتعاطف، آخذين في الحسبان حقيقة ارتباط العديد منا بثقافة تحض على الإفراط في تناول الخمور وصناعتها.

وفي الوقت الراهن، هناك إضراب متواصل لطواقم الإسعاف – والحكومة هي الملامة المباشرة عنه. وإذا ما تلافينا حالات الثمالة التي تتطلب رعايةً طبية، فلن يكون ذلك في مصلحتنا اليوم فحسب، بل غداً أيضاً. وبرأيي المتواضع، الاعتدال في الشرب هو السبيل الصحيح للمضي قدماً حتى ما بعد انتهاء الإضراب، بفضل الفوائد التي يمكن أن تتمخض عنه وتنعكس إيجاباً على كل من "خدمات الصحة الوطنية" وخدمات الطوارئ والعائلات والعلاقات وصحتنا. ميلاد مجيد! أنا عن نفسي، سأكتفي بنبيذ "نوسيكو" الخالي من الكحول هذا العام، ماذا عنكم؟

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء