Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمهد اضطراب سلاسل التوريد في 2022 لـ"نهاية العولمة"؟

شركات كبرى تواجه الأزمة بالعودة إلى سياسة "الإنتاج للمحيط" والاعتماد على مصادر قريبة حتى لو كانت عالية الكلفة نسبياً

مع استمرار الحرب وفرض عقوبات على روسيا والتضييق على الصين لا يتوقع أن يتحسن وضع سلاسل التوريد في القريب (أ ف ب)

جاهدت المفوضية الأوروبية في الأسابيع الأخيرة من عام 2022 لمواجهة قانون خفض التضخم الأميركي الذي يوفر 370 مليار دولار من الدعم الحكومي لشركات التكنولوجيا والطاقة المتجددة الأميركية. وسيكون من الصعب على أوروبا أن توفر دعماً مماثلاً للشركات الأوروبية لتعويض الميزة التنافسية الأميركية لأسباب ذاتية ودولية. فذاتياً، تتضمن حزمة الدعم الأميركية إعفاءات ضريبية على تلك الشركات لا تستطيع المفوضية الأوروبية تقديمها في كل الدول لأن السياسة الضريبية بيد السلطات الوطنية لدول الاتحاد، كما أن الميزات الأخرى سيكون من الصعب أيضاً توفيرها لصعوبة تحديد الشركات المستحقة في كل دولة. أما دولياً، فالاتحاد الأوروبي لن ينتهك قواعد منظمة التجارة الدولية، لكن الولايات المتحدة لا تعبأ غالباً بتلك القواعد.

الهدف الأميركي المعلن من الإجراء الذي يعطي الشركات الأميركية ميزة تنافسية هو "دعم الابتكار وانسياب سلاسل التوريد". ومن ثم تشجيع انتقال الشركات إلى الولايات المتحدة لتفادي الأزمة التي ما زالت مستمرة منذ إغلاقات وباء كورونا في سلاسل التوريد العالمية، بخاصة في المجال التكنولوجي.

حرب الرقائق

لذا لم يكن قانون خفض التضخم هو الوحيد الذي تمرره إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس. ففي شهر أغسطس (آب) من هذا العام أقر الكونغرس أيضاً قانون الرقائق والعلوم، الذي أصبح يعرف إعلامياً بقانون الرقائق، ويشمل دعماً حكومياً لصناعات أشباه الموصلات الأميركية بهدف مواجهة مشكلات سلاسل التوريد من الصين، كما فرضت الولايات المتحدة قيوداً مشددة على التصدير تحرم صناعة أشباه الموصلات الصينية من استيراد أي مكونات أو أدوات أميركية.

وقبل نهاية العام بأيام، وضعت واشنطن إحدى أهم شركات إنتاج الرقائق الصينية "يناجتز ميموري تكنولوجيز" على القائمة التجارية السوداء، مما يعني حظر استيراد الشركات الأميركية منها وحظر التصدير إليها أيضاً.

وعلى مدى العام، والعام الذي سبقه، تدور بين أكبر اقتصادين في العالم (الأميركي والصيني) ما توصف إعلامياً بحرب الرقائق، فقد كانت أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية أهم ملمح في اضطراب سلاسل التوريد العالمية منذ إغلاقات الاقتصاد خلال أزمة وباء كورونا.

وأهمية أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية أنها أصبحت تدخل كمكون أساسي في كل الصناعات تقريباً، من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر إلى السيارات والآلات والمعدات الثقيلة. ونتيجة اضطراب سلاسل توريد الرقائق تعطلت صناعة السيارات حول العالم لفترة بسبب النقص فيها.

بالطبع لا تقتصر مشكلات سلاسل التوريد على الرقائق وأشباه الموصلات، وإنما تتعلق بمواد خام أخرى ومنتجات سلع وبضائع يتم نقلها من طرف العالم إلى أسواق في الطرف الآخر. ونتيجة أزمة كورونا، تعطل قدر كبير من التجارة العالمية بسبب توقف سفن الشحن أو عدم توفر الحاويات أو مساحات التخزين والمستودعات.

وارتبط استمرار اختناقات سلاسل التوريد حول العالم خلال عام 2022 بتباطؤ التجارة الدولية التي لم تتعاف تماماً من أزمة وباء كورونا، على رغم التوقعات السابقة بأنها ستشهد تعافياً بالنصف الثاني من العام، لكن الإجراءات الحمائية والصراع بخاصة في مجال الرقائق الإلكترونية أبعد هذا التعافي.

سلاسل التوريد

لكن ماذا تعني سلاسل التوريد؟ وما تلك الأهمية الشديدة التي تمثلها في الاقتصاد العالمي والتي جعلتها عبارة أساسية في كل الأخبار الاقتصادية منذ أزمة وباء كورونا؟ هناك تعريفات عدة لسلاسل التوريد، لكن أبسطها وأكثرها دقة ربما كان تعريف "المعهد المعتمد للتوريد والمشتريات" الذي يوجز تعريفها بأنها "تشمل كل النشاطات المطلوبة لأي مؤسسة كي تنتج سلعة أو خدمة وتوصلها للمستهلك". أي ببساطة هي كل ما يتطلبه ذلك من شراء المواد الخام أو مكونات السلعة إلى ما تحتاج إليه المصانع للعمل وأيضاً مستودعات التخزين وشبكة التوزيع وصولاً إلى المستهلك النهائي.

مع تطور العولمة الاقتصادية في النصف الثاني من القرن الماضي لم تعد الشركات حول العالم تركز عملياتها كلها في منطقتها الجغرافية -أي حيث مقرها الرئيس- وأصبح هدف تقليل الكلفة وزيادة الربح هو العامل الرئيس لتحديد سياسة الإنتاج، بالتالي تجد شركة دنماركية أو سويدية في أوروبا مثلاً تنتج بعض أنواع بضاعتها في دولة في أميركا اللاتينية ليتم تسويقها في الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بل إن الشركات أصبحت تعتمد التوفير بتعاقدات قصيرة الأمد لشراء مدخلات ومكونات إنتاجها من الموردين من أي مكان في العالم أقل سعراً، ولا ترتبط بتعاقدات طويلة الأمد تضمن استدامة التوريد لا يمكن تغييرها في حال وجدت أسعاراً منخفضة لدى مورد آخر في مكان آخر من العالم، بالتالي امتدت وتشابكت سلاسل التوريد في أنحاء مختلفة.

كما ساعد النمو الهائل في قطاع النقل البحري والجوي على تسهيل نشاط سلاسل التوريد بما يلبي توجهات الشركات حول العالم في تقليل كلف الإنتاج. وتبعاً لتلك السياسات للشركات لم تعد هناك حاجة كبيرة إلى زيادة المستودعات، إذ إنها تنتج أقل كمية من المخزون بحسب الطلب المتوقع في المدى القصير، كما أصبحت استراتيجية الشركات الكبرى تعتمد نقل عملياتها إلى أماكن قليلة الكلفة من حيث توفر العوامل الرخيصة ومكونات صناعة منتجاتها بأسعار أقل. كل ذلك جعل من سلاسل التوريد عصب الإنتاج والتجارة في السلع والخدمات حول العالم. وأصبح مدى الاعتماد عليها سبباً في أن أي خلل فيها يكون تأثيره هائلاً حول العالم كله.

سلاسل التوريد والعولمة

كان من المفترض مع فتح الاقتصاد العام الماضي بعد إغلاقات أزمة وباء كورونا أن تبدأ الاختناقات في سلاسل التوريد في التلاشي مع استعادة التجارة العالمية نشاطها الكامل. ومطلع 2022 توقعت مجموعة "آي بي سي" الاستشارية الأميركية أن تبدأ مشكلات سلاسل التوريد في الانفراج في النصف الثاني من العام.

وبدأت شركات كبرى حول العالم في تعديل استراتيجياتها لمواجهة مشكلات سلاسل التوريد، وذلك بالعودة إلى سياسة "الإنتاج للمحيط" والاعتماد على التوريد من مصادر قريبة حتى لو كانت عالية الكلفة نسبياً، كما أن الدول الرئيسة، في إطار صراعات اقتصادية وسياسية، لجأت إلى اتخاذ إجراءات حمائية وفرض قيود تجارية بشكل يهدد أسس العولمة الاقتصادية.

مطلع 2022، عاد منتدى دافوس للانعقاد في سويسرا بعد عامين من التعطل بسبب وباء كورونا. وكانت القضية الطاغية في المنتدى هي مخاوف تراجع العولمة في ظل تغيير الشركات استراتيجياتها بسبب اختناقات سلاسل التوريد والإجراءات الحمائية من جانب الدول لتعديل وضع السلاسل.

ومع انعقاد مؤتمر دافوس أجرت صحيفة "الفايننشيال تايمز" مجموعة من الحوارات واللقاءات مع عدد كبير من رجال الأعمال المشاركين في المنتدى. وخلاصة تلك الحوارات أن التحدي الرئيس للشركات والأعمال هو أن توجه العولمة الذي قاد الاقتصاد على مدى نحو ثلاثة عقود "بدأ التراجع إلى الخلف". ويفرض احتمال نهاية العولمة على المستثمرين ورؤساء الشركات اتخاذ قرارات استراتيجية مصيرية تتعلق بمواجهة تلك التحديات الجديدة.

من بين المشاركين الذين حاورتهم الصحيفة خوسيه مانويل باروسو، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية ورئيس "غولدمان ساكس إنترناشيونال" حالياً، الذي قال وقتها "زاد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب وباء كورونا، والآن نجد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، كل هذه التطورات تزيد القلق من عالم أكثر انفصالاً وليس تكاملاً". فالشركات برأيه تتجه الآن نحو التقوقع داخلياً وإعادة التوطين ونقل أعمالها إلى أقاليمها، مما يعني عكس اتجاه العولمة الذي كان سائداً من قبل.

أضاف باروسو "تواجه العولمة تهديدات من زيادة التوجهات القومية والحمائية والشوفينية إذا جاز التعبير، وأحياناً حتى من رهاب الأجانب (العنصرية) وليس واضحاً بالنسبة إليَّ حتى الآن أي توجه سيفوز في النهاية". وألقى باللوم في التخلي عن العولمة على عدم وجود روح التعاون القوية بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بخاصة إذا قورنت بما كانت عليه في مواجهة الأزمة المالية العالمية في 2008.

وفي ظل استمرار حرب أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا والتضييق على الصين والإجراءات الحمائية لا يتوقع أن يتحسن وضع سلاسل التوريد في القريب. حتى تلك السياسات التي تدعم سلاسل التوريد المحلية لن تؤتي ثمارها بشكل عاجل، بالتالي يدخل العالم العام الجديد في ظل استمرار مشكلات سلاسل التوريد وضعف التجارة وهو ما قد يستمر لفترة.