يتوقع محللو السوق أن خطة الصين لتوسيع استخدام عملتها في تجارة النفط مع دول في الشرق الأوسط ستزيد من استخدام "اليوان" في التجارة العالمية بين الدول الصديقة وتجار العقود الآجلة الذين يجذبهم سعر الصرف المستقر، ولكن في حين أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من صفقات اليوان مقابل النفط إلى حد كبير بحيث يمكن للصين شراء الوقود من دون تدخل الولايات المتحدة، يقول المتخصصون إن التحول لن يعوض استخدام الزواج المستقر "البترودولار" أو يعزز بشكل كبير استخدام اليوان خارج أسواق الطاقة.
وقال تشاو شيغون، العميد المساعد لكلية المالية بجامعة رينمين في بكين، لصحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست"، "كانت الصين والشرق الأوسط تستخدمان الدولار الأميركي في الماضي كعملة طويلة الأجل".
وأضاف، "ولكن في مواجهة تحديات الجغرافيا السياسية والعقوبات الأميركية في مجال التمويل، هناك عدد قليل من الدول التي تدرس ما إذا كان بإمكانها استخدام عملات أخرى لتسوية حسابات النفط والغاز".
مع ذلك، يرى شيغون أنه يجب أن يرتفع عدد صفقات اليوان، لأن الصين أكبر مشترٍ في العالم من النفط، مشيراً إلى أن ذلك سيتطلب من المصدرين استخدام عملتها. وقال، "إن أجزاءً أخرى من العالم ستتحسن معاملاتها إذا كانت إجراءات صرف اليوان مريحة"، مشيراً إلى أن العملة الصينية "تعد أكثر أماناً من الدولار". ومن بين المرشحين هونغ كونغ وسنغافورة وبعض الدول الأوروبية.
تدويل اليوان
كان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد اقترح أخيراً في القمة الصينية - العربية تعزيز تسويات النفط والغاز المقومة باليوان مع دول مجلس التعاون الخليجي الست في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.
وقالت شركة "تشاينا إنترناشيونال كابيتال كوربوريشن" (CICC) في مذكرة بحثية، إن "الصين ستضخ مزيداً من اليوان في الشرق الأوسط كأكبر منتج في العالم".
وتستهلك البلاد في المتوسط نحو 15.4 مليون برميل من النفط يومياً في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة فقط.
وقالت الشركة الصينية، "لقد ساعدت تسوية تجارة النفط على تدويل الدولار، ونعتقد أن تسوية تجارة النفط باليوان ستساعد أيضاً في تدويله".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ في إفادة إعلامية الأسبوع الماضي، إن التجارة بين الصين والعالم العربي نمت 1.5 مرة على مدى السنوات الـ10 الماضية. أضافت أنه في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022 بلغت التجارة الثنائية 319.3 مليار دولار بزيادة 35.3 في المئة على أساس سنوي. في حين لعب الدفع باليوان عبر الحدود دوراً مهماً في تعزيز التجارة بين الصين والدول العربية.
وقال سونغ سينغ وون الاقتصادي لدى بنك "سي أي أم بي" للخدمات المصرفية الخاصة، إن تجارة النفط المستقبلية ستشبه تسويات اليوان الصينية الحالية لزيت النخيل والمطاط من ماليزيا كجزء من اتفاق بين الحكومتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأنشأت الصين وبنك التسويات الدولية نظاماً لتجميع احتياطي اليوان في يونيو مع البنوك المركزية في ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وتشيلي، إضافة إلى سلطة النقد في هونغ كونغ. وقال دينغ ويشن، الاقتصادي بشمال آسيا في "يو بي أس"، إن مزيداً من البنوك المركزية ستشارك في المستقبل.
وفي روسيا، تجاوز اليوان الدولار الأميركي للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) ليصبح العملة الأجنبية الأكثر تداولاً في بورصة موسكو. وقال سونغ، "لا يزال الدولار الأميركي هو العملة المهيمنة في التجارة، لكنه بوليصة تأمين واضحة لعدم الاعتماد فقط على العملة الأميركية". وأشار إلى أن الصين حريصة على زيادة استخدام عملتها لضمان إمدادات النفط في حالة استهداف الولايات المتحدة لها مالياً كجزء من نزاعاتها التجارية والسياسية طويلة الأمد. وعلى سبيل المثال، أخرجت الولايات المتحدة وحلفاؤها روسيا من نظام سويفت للدفع بين البنوك في مارس (آذار) بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقال سونغ، "الشرق الأوسط مجرد امتداد لما نراه يحدث في كل مكان".
صعوبة أن يحل اليوان محل "البترودولار"
من جهته قال داني هو الاقتصادي والرئيس التنفيذي لشركة استشارات الطاقة "دي أم آي" في تايوان، إن متداولي العقود الآجلة للنفط قد يفضلون دفع اليوان لأن العملة لا تتقلب تزامناً مع حركة السوق العالمية التي تحدد سعر صرف الدولار. وتحدد الصين سعراً مرجعياً يومياً، والذي يمكن أن يرتفع أو ينخفض حوله اليوان بنسبة اثنين في المئة من كلا الجانبين.
ويرى متداولو النفط الذين يشترون العقود الآجلة، بمعنى أن سعر البرميل ثابت على مدى عام أو أكثر، أن اليوان بمثابة "تحوط" ضده كما يقول هو. وأشار هو إلى إنهم يأملون على وجه الخصوص في تجنب تكرار ما حدث في أبريل (نيسان) 2020، عندما تراجعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى المنطقة السلبية، لكن اليوان سيجد معوقات كبيرة في طريقه ليحل محل "البترودولار"، حيث يجد مصدرو الشرق الأوسط أن العملة الأميركية أسهل طريقة لاستثمار عائدات المبيعات.
وقال هو إن الدول الغربية والمستوردين في آسيا خارج الصين ما زالوا يستخدمونه على نطاق واسع.
وقال تشين تشيو، أستاذ التمويل بجامعة هونغ كونغ، "الطريق طويل لنقطعه قبل أن نقول إن هناك شيئاً مثل بترو - يوان أو بترو - رينيمبي".
التوسع في استخدام اليوان
ويقول بعض المتخصصين إن التوسع في استخدام اليوان لشراء النفط والغاز من الشرق الأوسط قد يدفع العملة إلى الأمام في قطاعات أخرى.
وقال تشاو إن "الشركاء التجاريين قد يستخدمون اليوان لشراء مزيد من السلع من الصين أو القيام باستثمارات، بما في ذلك في الأسهم"، لكن الصورة الذهنية العالمية للعملة ستبقى منخفضة لأن الصين تريد الاستمرار في السيطرة على سعر صرف عملتها، كما يقول المحللون. ويضمن معدل سعر الصرف الثابت ومعدلات الفائدة المستقرة، دخلاً مستقراً للتجار المحليين ومصدري السلع المصنعة، ويساعد على استقرار الاقتصاد الصيني من خلال تجنب تقلبات أسعار الصرف.
وقال جايانت مينون الأستاذ الزائر في برنامج الدراسات الاقتصادية الإقليمي التابع لمعهد الأبحاث "أي أس أي أي أس يوسف إسحاق" في سنغافورة، "لا أعتقد أنهم قلقون للغاية أو متحمسون في شأن (تخفيف الضوابط)".
من جانبه قال نيك مارو المحلل التجاري الرئيس لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في هونغ كونغ لـ"ذا إيكونومست إنتلجنس"، "استخدام اليوان في أنواع أخرى من التجارة يتوقف على الطلب الخارجي على السلع الصينية وما إذا كان الشركاء التجاريون يجدون العملة قابلة للتطبيق للتحوط أو استخدام الاحتياطي".
وقال إنه في ظل ضوابط العملة اليوم "ربما لن نرى تقدماً ذا مغزى في تدويل الرنمينبي على المستوى العالمي حتى مع نمو تجارة النفط باليوان".
وأضاف، "قد يكون أفضل مثال يمكن مراقبته هو ما يحدث بين روسيا والصين، بالنظر إلى أن التوسع في التدفقات التجارية المقومة باليوان قد تسارع جزئياً بسبب الإلحاح الجيوسياسي، لكن هذه الديناميكيات نفسها لا تظهر عندما نتحدث، على سبيل المثال، عن علاقة الصين التجارية مع الدول الخليجية".
وقال تشين إن المسؤولين الصينيين ما زالوا يعتبرون تدويل اليوان "جائزة" سياسية، لكنهم يفتقرون إلى العزم على تخفيف القيود. وأضاف، "أستطيع أن أرى أنهم يرغبون في الاعتماد على الدولار بشكل أقل، وهو أمر منطقي تماماً. ومن منظور اقتصادي من الصعب بالنسبة إلي أن أرى اليوان العملة الأساسية في الاحتياطي الدولي أو حتى العملة التجارية الأساسية في المستقبل القريب".