تقف الحكومة الجزائرية أمام تحد كبير يتمثل في البحث عن استراتيجية اقتصادية متكاملة للاستثمار في تدوير النفايات التي أصبحت مجالاً مهماً لعديد من الدول والشركات بفضل تقنية إعادة التدوير وإدخال التكنولوجيا في هذا النشاط بعد أن كانت مصدر تلوث بيئي.
وفي وقت يرتفع فيه الرهان عالمياً على الاقتصاد الأخضر لخلق الثروة والتنمية المستدامة، يبدو أن الجزائر بعيدة من الاهتمام بهذا المجال حتى الآن، جراء السياسات المتبعة على رغم أنه مجال مدر للأرباح إذا تم توظيف الاستثمارات فيه على النحو الأمثل وفتح الباب أمام القطاع الخاص.
وتؤكد المؤشرات الرسمية أن القيمة السوقية للنفايات المنزلية في الجزائر بلغت عام 2021 نحو 151 مليار دينار (1.076 مليار دولار)، إلا أن أكثر من نصف النفايات المنزلية والمخلفات المشابهة في البلاد ينتهي بها المطاف في مكبات برية لها تداعيات خطرة على البيئة، خصوصاً تلوث المياه الجوفية.
وتكشف عن أرقام الوكالة الجزائرية لتسيير النفايات تزايد كميات المخلفات المنزلية وصولاً إلى أكثر من 15 مليون طن، وتتوقع أن تبلغ 20 مليون طن عام 2035، فيما يقدر خبراء قيمة مشاريع إعادة التدوير بـ90 مليار دينار (نصف مليار دولار)، وهو رقم مهم للاقتصاد الوطني في حال تطوير منشآت نحو 200 مركز تقني لمعالجة النفايات.
ويبلغ حجم تدوير النفايات في الجزائر بشكل سنوي، ما بين سبعة و10 بالمئة من إجمالي المخلفات التي تصل إلى 34 مليون طن، وفقاً للأرقام الرسمية التي تكشف عن حجم التأخر المسجل، على رغم أن الأرقام نفسها تشير إلى أن النفايات المنزلية، التي تمثل 13 مليون طن سنوياً، تشكل مورداً اقتصادياً مهماً.
ووفق هذه الأرقام فإن 54 بالمئة من النفايات هي مواد عضوية، يمكن استغلالها لصناعة الأسمدة وإنتاج الطاقة.
ووضعت وزارة البيئة الجزائرية استراتيجية وطنية لعام 2035 تهدف إلى الانتقال من الأنموذج الخطي (ردم النفايات) إلى تثمينها، وتطمح إلى استغلال 30 بالمئة من النفايات المنزلية و30 بالمئة من الخاصة، و50 بالمئة من الهامدة، وصب كل هذه المؤشرات والمعلومات في البنك المعلوماتي الخاص بالوكالة الجزائرية للنفايات.
فوضى تسيير
يقول المحلل الاقتصادي أبو بكر سلامي إن الحكومة الجزائرية تعمل جاهدة على تدارك التأخر المسجل خلال السنوات الماضية جراء سياسات سابقة وجهل بالقيمة المضافة التي يمكن أن يمنحها قطاع إعادة تدوير النفايات للاقتصاد الوطني.
وأرجع سلامي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" سبب إهمال الحكومات السابقة إلى فوضى في تسيير ملف النفايات، على رغم أن هذا القطاع غير مكلف من الناحية المالية مقارنة بقطاعات أخرى تتطلب اعتمادات مالية وسلاسل إنتاجية كبيرة وما يصاحبها من تعقيدات.
وأضاف أن النظرة الجديدة للحكومة الجزائرية لملف تسيير النفايات مختلفة عن سابقاتها، إذ منحت امتيازات كبيرة للمؤسسات التي تنشط في ذلك المجال لدعم نشاطاتها ميدانياً.
وبحسب المتحدث فإن من بين الامتيازات الممنوحة إعفاءات ضريبية واعتماد نظام تفضيلي للاستثمار في إعادة تدوير النفايات عبر مؤسسات مصغرة وتعاونيات الشباب والاستفادة من مداخيل جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى سلامي أن الاستثمار الجيد في النفايات سيوفر مبالغ من العملة الصعبة للجزائر من خلال خفض فاتورة الاستيراد ورفع حجم الصادرات خارج المحروقات.
وتظهر أرقام الوكالة الجزائرية للنفايات تطور الاهتمام عند المتعاملين الاقتصاديين، بهذا النوع من النشاط، إذ ارتفع عدد المؤسسات الناشطة في مجال تثمين النفايات، من أربعة آلاف عام 2015 إلى 14 ألف مؤسسة تنشط حالياً في هذا المجال، الأمر الذي دفع بالوكالة إلى إنشاء بنك معلوماتي خاص بالمتعاملين الاقتصاديين الناشطين في مجال استرجاع وإعادة تدوير النفايات، وذلك بتسليمهم شهادة للتسجيل، من خلالها تدلي هذه المؤسسات بالمعلومات الخاصة بكل واحدة منها، من حيث كمية النفايات المثمنة والنشاطات، ومن هذه المعطيات يتم استخراج مؤشرات عدة.
وبينت دراسة تقييم نوعي أجرتها الوكالة الجزائرية للنفايات أن الحاوية الجزائرية تضم 50 بالمئة من النفايات العضوية، و30 بالمئة من نفايات التغليف، بمعنى أن 80 بالمئة من النفايات المنزلية قابلة للتثمين، كل هذه المواد تذهب للردم، بينما تقدر نسبة تثمين النفايات بـ9.83 بالمئة فقط وهي نسبة ضئيلة من استرجاع النفايات مقارنة بالكمية المنتجة، كما أن مراكز الردم التقني تسترجع نسبة لا تتجاوز واحد في المئة.
وتتصدر النفايات المعدنية والحديدية قائمة المواد المثمنة عند المصدر بنسبة 100 في المئة، تليها الخشب 81 في المئة، والزجاج 31 في المئة، والبلاستيك بـ15 بالمئة والورق والكرتون 12 في المئة.
رقمنة النفايات
ودفع هذا الوضع إلى بروز مبادرات تستهدف إعادة الحياة لثروة ضائعة تقدر بالمليارات عبر إدماج التكنولوجيا الحديثة والثورة المعلوماتية والرقمنة وتطوير آليات تدوير النفايات في الجزائر، وذلك بفتح بوابات إلكترونية لرقمنة جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، لإيصالها إلى الشركات المتخصصة.
وتقوم وظيفة البوابات الرقمية لجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، بربط جامعي النفايات والشركات الناشطة في المجال، ولا سيما في غياب ثقافة تصنيف النفايات لدى المواطنين.
ويرى وليد حجاج، مدير البوابة الإلكترونية الرقمية "ريفاداكس" المتخصصة في الربط بين جامعي النفايات وبين الشركات ذات الاختصاص في مجال التدوير، أن هناك إمكانية لتحقيق ما يصل إلى 40 مليار دينار (274 مليون دولار أميركي) من النفايات سنوياً، واصفاً عمليات التدوير بأنها خادمة للاقتصاد الوطني، وحامية للبيئة والمحيط.
ويقول حجاج في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن المخلفات البلاستيكية تصل إلى أرقام كبيرة، حيث تقدر النفايات من الزجاجات البلاستيكية وحدها بأكثر من 400 ألف طن سنوياً، وهي تعد ثروة كبيرة تضيع في مكبات القمامة، بدلاً من إعادة التدوير.
وتابع "البوابة تستهدف في مرحلتها الأولى الحالية الصناعيين، لتأكيد القدرة على التحكم في مسار العملية، قبل توسيعها على الأسر والمواطنين، الأمر الذي يرفع حجم المكاسب اقتصادياً ومادياً، ويخفض الأثر البيئي".
ويضيف أن "عدم وجود تصور واضح من طرف السلطات يعوق عمل الناشطين في إعادة تدوير النفايات، إذ لا تزال تسير المفرغات العمومية بطريقة عشوائية على رغم إنشاء 99 مركزاً لردم النفايات والمخلفات المنزلية".
ويرجع وليد حجاج ذلك إلى غياب إطار قانوني لعملية تدوير النفايات وعدم وجود تحفيزات جبائية للمؤسسات، إضافة إلى عدم التمييز بين الشركات المستثمرة في هذا المجال والمؤسسات المتسببة في التلوث البيئي.
ويشير إلى أن الشركات لا تجد أمامها إلا الطرق الكلاسيكية وإجراء الاتصالات، وهي حلول تقليدية بحكم أنها تستهلك كثيراً من الوقت الذي يقدر بالمال في النشاط الاقتصادي كما هو معروف، وفي المقابل لا يجد جامعو النفايات الوجهة التي يمكن أن تصل إليها ولا الاحتياجات الحصرية للشركات، لذلك جاءت فكرة البوابة لتكون حلقة وصل بين الطرفين.
ويقترح وليد حجوج تشديد إجراءات ردع الشركات الصناعية المسؤولة عن التلوث عبر تدعيم نشاط الجماعات المحلية ومنحها جميع الصلاحيات لتنفيذ القانون.