Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل لدى حزب المحافظين البريطاني ميول انتحارية؟

قد يبرر بعضهم ذلك بأنه من تداعيات العمل السياسي لكن ذلك ليس صحيحاً

يبدو حزب المحافظين البريطاني اليوم كما لو سقط في دوامة الموت  (غيتي)

لطالما تذكرت محاضرة قدمها أستاذ كبير في الصحافة السياسية حضرتها خلال بداياتي في المهنة. وقال في حينه إن الصورة التي يكونها الرأي العام والصحافة عن النواب في بريطانيا غير عادلة. فأغلبهم عمل بجهد، وكانوا يتمتعون بحس وضمير يقود أعمالهم، ويهتمون لأبناء دوائرهم الانتخابية، ولطالما أرادوا أن يحسنوا الظروف المعيشية للجميع.

كنت قد حاولت دائماً أن أبقي هذا في بالي، على رغم أنه هناك حالات كثيرة كانت فيها تصرفات النواب قد وضعت تلك الفرضيات على المحك. إن فضائح مصاريف النواب هي إحدى تلك الأمثلة. ثم هناك ما نشهده حالياً من أحداث تتعلق بنواب البرلمان البريطاني.

إن حزب المحافظين البريطاني يبدو اليوم كما لو سقط في دوامة الموت، ويبدو وكأن ذلك قد أدى إلى عملية انفصام نهائي للحزب عما يجري في البلاد واقتصاده. إن المشكلات الأخيرة هذه قد كان لها تبعات قاسية على الواقع اليومي.

وفيما أن بعض نواب حزب المحافظين، غير المعنيين بتلك التداعيات الجانبية، يصرفون جانباً من دوام العمل واجتماعاتهم، مع خبراء توظيف على أمل إيجاد فرصة عمل تشغلهم بعد الهزيمة المتوقعة في الانتخابات العامة المقبلة، فيما يركز آخرون انتباههم على عمليات التآمر والاقتتال الداخلي والسعي للانتقام. 

نحن نتابع حالياً تقارير تتحدث عن منح ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، حوالى ستة أشهر كرئيس للوزراء لتغيير الأمور. وأنا هنا لا أنكر حجم ودقة المهمة. إن أعداء سوناك عاكفون لا محالة على القضم من صدقيته بهدف الإصرار على أن ما حصل عليه سيكون أقصى ما يمكنه الحصول عليه.

فرئيس الوزراء البريطاني يواجه حالياً خطر اندلاع أكثر من انتفاضة [من قبل أجنحة حزب المحافظين المختلفة]. وفيما أنا من بين الذين يدعمون جناح الحزب المؤيد لإنهاء الحظر مزارع طاقة الرياح الذي كنت قد عبرت عنه في مقالتي السبت الماضي، فإنه من الصعب ألا أشعر بشيء من السخرية حيال دوافع بعض المعنيين بالموضوع. إن الغايات المرجوة لا يبدو أنها تؤثر كثيراً في القضية. إن هذه الانتفاضات هدفها ببساطة العمل على ضرب استقرار ريشي سوناك.

قد يقول قائل إن الأمر لطالما كان كذلك، وهي من خصائص العمل السياسي (عموماً). ولكن هذا ليس صحيحاً. إنه عذر أقبح من ذنب يهدف للتغطية على الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها الحكومة والحزب الحاكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القطبة المخفية هنا هي أن عدداً قليلاً فقط من حزب المحافظين هم قادرون على هضم الحقيقة بأنهم يقودون دولة وبلداً يعاني الغرق وبحاجة يائسة إلى فريق إنقاذ يعمل على انتشاله. إن الفشل في التعامل مع هذه القضية لإفساح المجال لاستمرار الحروب الداخلية المدمرة، وهو ليس أمر يمكن وصفه بأنه "مجرد سياسة" فقط.

كم مرة يجب على المرء أن يكرر هذه الأرقام التي تبرهن عن ذلك؟ ونردد الواقع بأن المملكة المتحدة مؤهلة كي تعاني ركوداً قد يضرب الأرقام القياسية كافة، وترتيبها قد تراجع حالياً إلى المرتبة التي تسبق فقط روسيا، في ترتيب نمو الدول التي أصدرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، والمملكة المتحدة تعاني زيادة في التضخم لم تر مثله البلاد منذ عقود. إن الفشل في التعامل مع هذا الأمر لا يمكن اعتباره "مجرد سياسة".

هل أولئك المنشغلون بالتآمر في حانات بريطانيا حالياً، فيما يشربون الكحول بأسعار مخفضة، يلاحظون بأن ذلك مشكل؟ ولكن لنضع الإحصاءات جانباً. ودعونا نلقي نظرة على هذه الآثار المترتبة على العالم الحقيقي كما ذكرت في السابق. إن الناس يعانون في محاولاتهم لدفع إيجارات بيوتهم وتسديد دفوعات قروضهم المنزلية. إن الشركات التي تبيع الطاقة يعصرون المدفوعات الشهرية من المستهلكين بشكل غير منتظم أو يعملون على تغيير نظام فواتيرهم من جانب واحد، فيما تقوم الهيئة الناظمة لشركات الطاقة بتوجيه التهديدات الفارغة من دون أية فعالية. إن الأطفال في بريطانيا يرتادون مدارسهم وهم جياع. بنوك الطعام هو المجال الوحيد الذي يشهد نمواً. وأنتم تعلمون ما سأقول بعد ذلك.

وهنا لا تقنعونني بأن النواب يشعرون بما يشعر به المواطن العادي. إن رواتب النواب التي تبدأ من 84144 جنيه استرليني (حوالى 100 ألف دولار أميركي) سنوياً، إضافة إلى تعويضات عن المصاريف والفوائد الكريمة يجعل من وظيفة النائب مصلحة مربحة حتى بالنسبة إلى أولئك النواب الذين لا يمتلكون عملاً إضافياً. إن من يجنون مثل هذه الرواتب قد يعربون عن الضيق من غلاء أسعار فواتير استهلاك الطاقة، ولكنها لا تمنعهم من النوم بهناء ليلاً. فعندما تجني مثل ذلك الراتب، فإنه سيمكنكم توفير التدفئة والطعام وتوفير كلفة الذهاب في رحلة كإجازة في مكان مشمس.  

يقولون لنا إن نسبة كبيرة من أعضاء الحزب الحاكم في بريطانيا فقدت اهتمامها بأداء دورها لأنهم يعتقدون بأنهم خسروا [منذ الآن الانتخابات العامة المقبلة]. إنها "استقالات صامتة" كما يتم وصفها. في هذه الأثناء، لا يزال هناك بلد يحتاج إلى قيادة تقوم بإدارته. عامان اثنان يفصلان بريطانيا عن موعد إجراء انتخاباتها العامة المقبلة [على أبعد تقدير]، وهي فترة طويلة يمكن خلالها أن يلحق بالبلاد مزيد من السوء من قبل حزب منفصل عن الواقع يبحر من دون دفة أو شراع في بحار وحده الله يعلم ما هي.

إن عملية الانسحاب المبكرة هذه غير مقبولة في بلاد يذهب بعض من أطفالها إلى المدرسة والجوع يعصرهم. إن مشكلة من هذا النوع تحتاج إلى العمل والتواصل، والتفكير، واجتراح الحلول المبتكرة. انتظروا، هل تحتاج مسألة إطعام الأطفال إلى كثير من الابتكار؟ ما تحتاج إليه العملية هو مجرد توفير الغذاء، وأن يكون هناك في أعلى هرم السلطة من يكترث قليلاً لحالهم ليقوم بتوفيرها.

إذا كان أعضاء حزب المحافظين لديهم مشاغل كثيرة تتعلق بحربهم الداخلية ليتفرغوا لشؤون الحكم، كل ما عليهم فعله هو وقف تلاعب حزبهم بالشأن العام وأن يدعوا إلى إجراء انتخابات عامة، الآن. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء