انتهى الأسبوع الأول من الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المبكرة في تونس المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي وهو استحقاق سيفرز مجلساً نيابياً جديداً يعد الأول منذ المنعطف الذي شهدته البلاد العام الماضي على يد الرئيس قيس سعيد.
على رغم أهمية هذه المحطة كونها الثانية في خريطة طريق شاملة أطلقها رئيس الجمهورية العام الماضي بعد إطاحته خصومه في البرلمان المنحل والحكومة السابقة، إلا أن لا شيء يوحي في الشارع المنقسم على نفسه بقوة بأن البلاد على بعد أيام قليلة من انتخابات برلمانية.
كان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أقر في وقت سابق بأن نسق الحملة الدعائية بطيء، لكنه أشار في المقابل إلى أن هذا الأمر معتاد، بحسب تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية.
انقسام في الشارع
يسود الشارع التونسي انقسام في شأن الانتخابات البرلمانية المبكرة، خصوصاً مع مقاطعة قوى سياسية معارضة وازنة على غرار الحزب الدستوري الحر وتحذيرات أطلقها حتى سعيد من مرشحين "اندسوا" في السباق الانتخابي، على رغم أن القانون الانتخابي كان صارماً تجاه شروط قبول الترشحات.
المواطن بشير غنام، أحد ساكني محافظة بن عروس المتاخمة للعاصمة تونس، قال "شخصياً أقاطع هذا الاستحقاق وما يفسر غياب أي مظاهر للحملة الدعائية هو أن ما بني على باطل فهو باطل"، وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "النتائج محسومة سلفاً، هناك دوائر انتخابية لا يوجد فيها أي مرشح وأخرى فيها مرشح وحيد، بالتالي ضمن ذلك المرشح صعوده إلى المجلس النيابي المرتقب، أعتقد بأنه كان على الرئيس الدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة" وأوضح أن "ما يهم الشارع اليوم هو تحسين وضعه المعيشي لا أكثر، وليس انتخابات كهذه".
أما المواطنة نجوى، فترى أن "المحطة الانتخابية مهمة والهدوء الحالي كان متوقعاً، خصوصاً أن نظام الحكم اليوم نظام رئاسي، مما يجعل الانتخابات التشريعية لا تكتسي الأهمية المعتادة"، وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أن "هناك أطرافاً، خصوصاً الأحزاب السياسية، تسعى إلى التشويش على الانتخابات في محاولة لإرباك الدولة والمسار الذي يقوده الرئيس والذي ما زلنا نؤمن به على رغم كل شيء، بعضهم يقول إنه بصدد التحول إلى ديكتاتور وهذا غير صحيح ومجرد أن يستطيع قول ذلك أبرز دليل".
سجالات مستمرة
تستمر السجالات بين سعيد والمعارضة التي تتهمه بمحاولة إرساء ديكتاتورية جديدة، وهو ما ينفيه الرجل الذي يقول إنه يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي بنفسه بعدما قاد البلاد إلى دستور جديد.
وترشح إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة 1055 مرشحاً يتنافسون على 161 مقعداً برلمانياً بينهم سياسيون قدامى وبرلمانيون سابقون وفنانون ومثقفون ورياضيون سيواجهون تحدي إقناع التونسيين بضرورة الإقبال على صناديق الاقتراع في 17 ديسمبر الحالي وسط قطيعة بين النخبة السياسية والشارع.
غياب التنافس
يعد معظم المتنافسين في الانتخابات البرلمانية المبكرة من المؤيدين لسعيد والمسار الذي يقوده منذ 25 يوليو (تموز) 2021 عندما فعل المادة 80 من الدستور السابق وجمد البرلمان وحل الحكومة السابقة اللذين كانت تهيمن عليهما حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان.
ويفسر مراقبون هدوء الحملة الدعائية بغياب التنافس بالفعل في ظل مقاطعة قوى معارضة كان يمكن أن يكسب دخولها هذا السباق زخماً قوياً، علاوة على النقص في تقديم الترشحات، بحيث ظلت بعض الدوائر بلا ترشحات وأخرى بترشح وحيد أو ترشيحين مما جعل الحملة باهتة في أسبوعها الأول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المحلل السياسي محمد صالح العبيدي قال "كان من المتوقع أن تكون الحملة باهتة لاعتبارات عدة، يبقى أهمها غياب التنافس، إذ إن جل المرشحين هم من الموالين للرئيس سعيد وأيضاً فقدان البرلمان للصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها، مما يجعل المواطن لا يراهن على تغيير منه".
وأوضح العبيدي في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "حتى على مستوى البرامج الانتخابية فإنها أكثر ميلاً إلى إطلاق وعود فضفاضة ومشاريع يصعب تنفيذها مثل حل أزمة البنية التحتية الصحية أو أزمة التعليم أو حتى برامج تخص المدن التي ينحدر منها المرشحون وهي برامج لن يقدر برلمان مقيد على مستوى الصلاحيات على المصادقة عليها أو وضع تمويلات لها".
ومن المقرر أن تستمر الحملة الدعائية حتى 13 ديسمبر، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستكتسب زخماً خلال الأيام المقبلة، بخاصة أن قواعد اللعبة تغيرت بتعديل القانون الانتخابي إذ تم حذف التمويل العمومي الذي كان يحظى به المرشحون، مما قد يزيد من إضعاف الحملة.
وشدد العبيدي على أن "بعض المرشحين يفتقدون التمويل اللازم الذي يمكنهم من التنقل إلى الميدان من أجل الاحتكاك بالناخبين المحتملين وإقناعهم ببرامجهم، مما يجعل الأسبقية لأصحاب الجاه والنفوذ العشائري أو المالي".
بعيدة من الجانب الفولكلوري
على رغم إقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس بأن نسق الحملة لا يزال بطيئاً، إلا أن أوساط سياسية موالية لسعيد ترى أن الحملة الحالية تبقى أفضل من سابقاتها، خصوصاً بعد التعديلات التي أدخلت على القانون الانتخابي.
وقال الناشط السياسي سعيد نبيل الرابحي إن "الشكل والعمل السياسيين تغيرا بتعديل القانون الانتخابي، اليوم الاقتراع على الأفراد وليس على القوائم، وهي انتخابات على أساس القرب، مما يعطي أهمية للتقسيم الجغرافي والجهة من داخلها"، وأضاف في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "في السابق كانت أحزاب مثل حركة النهضة ونداء تونس تأتي بمرشحين حتى من خارج الدوائر الانتخابية ويتقدمون بترشحهم، مما حتم تغيير القانون الانتخابي والقانون الجديد يمنع أيضاً تمويل الأحزاب أو الشركات للمرشحين".
وأشار إلى أن "الحملة موجودة على أرض الواقع ووسائل الإعلام تقوم بدورها من خلال استدعاء المرشحين للانتخابات من أجل الحضور لديها وتوضيح برامجهم"، مؤكداً أنها "حملة بعيدة من الجانب الفولكلوري المعتاد بعد أن غاب المال السياسي الفاسد، مما يجعل الانتخابات البرلمانية نزيهة".
كسر العزوف الشعبي
وتتصاعد التساؤلات في شأن إمكانية وسبل كسر العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، خصوصاً مع سعي سعيد إلى الرد على خصومه من خلال صناديق الاقتراع بإرساء برلمان جديد يحظى بشرعية قوية.
وإزاء ذلك قال الرابحي "بخلاف الانتخابات في 2011 التي شهدت مشاركة أكثر من 4 ملايين ناخب انحسرت النسب في المحطات التي تلتها، سواء في انتخابات 2014 أو 2019 أو في الاستفتاء، لكن أعتقد بأننا سنشهد مشاركة مليونين ونصف من الناخبين أو 3 ملايين في الأقل".