تعتبر انتخابات ديسمبر (كانون الأول) المحطة قبل الأخيرة في المسار السياسي الذي رسمه الرئيس قيس سعيد في الـ25 من يوليو (تموز) 2021، الذي بدأه بتنظيم استشارة إلكترونية شعبية، وسيستكمله بانتخاب أعضاء مجلس الأقاليم والجهات (الغرفة الثانية).
ويعتبر البرلمان المقبل الأول من نوعه الذي ستفرزه انتخابات تونس من خلال التصويت على الأفراد بدل القوائم الحزبية، وسيكون في نظر المتابعين شكلاً جديداً للمؤسسات التشريعية التي تعود عليها المشهد السياسي في تونس.
ويتسابق 1055 مرشحاً يوم 17 ديسمبر 2022 للفوز بمقعد في البرلمان المكون من 161 مقعداً، بحسب القانون الانتخابي الجديد.
ويعتبِر المتابعون للشأن السياسي في تونس، أن عدد المرشحين لهذه الانتخابات تراجع مقارنة بالانتخابات التشريعية 2014 و2019، حيث تقدمت لانتخابات 2014، 1327 قائمة بينها قوائم حزبية وائتلافية ومستقلة، وتضمنت كل قائمة مجموعة من المرشحين، بينما تقدم للانتخابات التشريعية 2019، 1500 قائمة، للتنافس على مقاعد البرلمان الـ217 .
شروط تعجيزية
لقد شكلت الشروط التي وضعها القانون الانتخابي الجديد، العائق الأبرز الذي حال دون الإقبال على تقديم الترشحات للبرلمان المقبل.
ويقول بسام معطر رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، (عتيد) في تصريح خاص، "إن تراجع عدد المرشحين للانتخابات التشريعية، وخصوصاً من النساء هو نتيجة الشروط التعجيزية التي وضعها القانون الانتخابي الجديد الذي صاغه رئيس الجمهورية".
وأضاف أن القانون الانتخابي الجديد "وضع صعوبات كبيرة أمام مشاركة المواطنين في الشأن العام، على غرار اشتراط حصول كل مرشح على 400 توقيع (تزكية)، من قبل الناخبين في دائرته".
ويؤكد رئيس الجمعية أنه "بصرف النظر عن معضلة جمع التزكيات بالنسبة إلى المرشحين، تضمن القانون تعقيدات إضافية، حالت دون الإقبال على المشاركة السياسية".
يذكر أن عدد النساء المرشحات للانتخابات التشريعية المقبلة يبلغ 122 مرشحة وهو ما سيؤدي إلى تراجع الحضور النسائي في البرلمان المقبل، مقارنة بانتخابات 2014 (34 في المئة) و2019 (26 في المئة)، وذلك بسبب الصعوبات التي تواجه ترشح النساء في مجتمع "ذكوري" بحسب تعبير تركية بن خذر نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما ينص الدستور التونسي الجديد على "أن الدولة تسعى لتحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة"، لم يضمن القانون الانتخابي الجديد مبدأ التناصف في تقديم الترشحات، وهو ما سيقلص من حضور المرأة في المشهد البرلماني المقبل.
وقد أنتجت الشروط التي وضعها القانون الانتخابي، وضعاً غير مألوف في خريطة الترشحات حيث بقيت سبع دوائر انتخابية في الخارج من دون مرشحين بينما تم تقديم ترشح وحيد في عشر دوائر في الداخل، وهو ما يعني حصولهم بشكل آلي على مقعد في البرلمان المقبل.
مشهد برلماني جديد
وفي حين يرى المعارضون للمسار الذي بدأه الرئيس التونسي أن القانون الانتخابي تضمن عديداً من الهنات وسيفرز برلماناً منزوع الصلاحيات لا يمثل الجميع، يعتقد مؤيدو المسار الجديد أن مشهداً سياسياً مختلفاً بصدد التشكل في تونس وأن البرلمان سيتكون من نخبة جديدة تقطع مع الممارسات التي كانت سائدة في البرلمان السابق.
وذكر الكاتب والصحافي بلحسن اليحياوي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "حل البرلمان السابق كان مطلباً شعبياً بسبب ما بلغه من انحراف سياسي وصل إلى حد الفساد التشريعي من خلال نفاذ اللوبيات الاقتصادية والمالية إلى البرلمان" وممارسة ما سماه "التشريع تحت الطلب"، لافتاً إلى أن "المؤسسة التشريعية فقدت بريقها" بسبب الممارسات السائدة تحت قبة البرلمان، التي وصفها بـ"المشاهد الكاريكاتيرية"، والصراعات السياسية التي وصلت إلى حد "ممارسة العنف".
ويعتبر اليحياوي أن "معركة قيس سعيد الأساسية هي مع النخب السياسية، لذلك يعمل على استبدالها"، خصوصاً بعد أن أصبح رأس المال جزءاً من المنظومة السياسية وبخاصة التشريعية.
ويضيف أن الأحزاب التي قاطعت الانتخابات "ترفض نظام الاقتراع على الأفراد لأنه سيضعها أمام امتحان حقيقي وصعب تجاه قواعدها لذلك رفضت المشاركة" مشيراً إلى أن "بعض الأحزاب ستشارك عبر الأفراد الذين يحملون مشروعها السياسي".
وتوقع اليحياوي أن "يشارك كل الجسم الانتخابي في الانتخابات التشريعية المقبلة، من أجل استقرار المسار السياسي الجديد الذي تقف في وجهه المنظومة السياسية القديمة".
دعوة لمقاطعة الانتخابات
وفي مقابل ذلك، فشل معارضو قيس سعيد في تعبئة الشارع التونسي للإطاحة بمشروعه ولإرباك المحطات التي بدأها ويعمل على استكمالها.
ويرى أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، أن "قيس سعيد وضع قانوناً انتخابياً على الأفراد من أجل ضرب دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين، والتقدم للانتخابات ببرامج، في إطار مناخ تنافسي سليم للوصول إلى الحكم".
ويصف الشابي البرلمان المقبل بـ"الصوري"، لأنه "منزوع الصلاحيات بحسب نص الدستور، ولم يعد البرلمان مؤسسة تشريعية قوية قادرة على رسم السياسات الكبرى ومساءلة السلطة التنفيذية".
ويضيف الشابي أن البرلمان الجديد سيكون "مؤسسة رجع صدى لقرارات وإرادة رئيس الجمهورية بينما سيتقدم النواب إلى البرلمان ببرامج ومشاريع محلية، ولا تجمعهم مشتركات سياسية، ولن يكون هناك لا أغلبية ولا أقلية في البرلمان المقبل".
وخلص الشابي إلى أن يوم 17 ديسمبر سيكون "موعد استكمال ضرب وتفكيك وتدمير مؤسسات الدولة الديمقراطية المدنية، وإرساء نظام غريب على تونس"، داعياً التونسيين إلى "مقاطعة هذه الانتخابات".
لم يغير معارضو قيس سعيد من خطابهم ولم يقدموا بدائل حقيقية للأزمة السياسية التي تعصف بتونس، كما لم يتحسن الحال بعد 25 يوليو 2021، بل تنامت البطالة وأصبح التونسيون أشد فقراً، وهو ما قد يؤثر على الانتخابات التشريعية المقبلة، بعد أن بات العزوف عن المشاركة السياسية سمة بارزة لكل المحطات الانتخابية في تونس.