في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، وصل كارلوس غصن، وهو أكثر الرجال شهرة في عالم صناعة السيارات، مطار هانيدا على متن طائرته الخاصة، فاعتقله المدّعون اليابانيون على الفور. وكان وصوله المطار آخر ظهور علني له.
أمضى غصن، الى اليوم، أكثر من 30 يوماً في السجن حيث استجوبه مكتب الادعاء العام في طوكيو. ولم يسمح له بالاستعانة بمحامٍ خلال الاستجواب. وفرضت قيود كبيرة على تواصله مع عائلته. وفي الاثناء، سربت تفاصيل التهم الموجهة إلى غصن إلى وسائل الإعلام. ولم يبلغنا شيء من غصن نفسه ما خلا تقريراً غير أولي عن نفيه ارتكاب أي سوء.
ويبدو أن غصن كان سيفرج عنه بكفالة الأسبوع الماضي، ولكن أدلة جديدة قدمها المدعون في اللحظة الاخيرة حالت دون الإفراج عنه في نهاية الاسبوع هذا. وفي اليابان، في الوسع تجديد اعتقال المشتبه بهم باتهامات مختلفة بعد انقضاء مدة الاعتقال الاحترازي. وهذا (أي تجديد) اعتقاله يعيد العقارب الى الوراء، أي يجدد مدة الاعتقال القصوى، وهي تبلغ 23 يوماً. وإلى اليوم، لم يُدن غصن رسمياً، يقول شارحاً كولين جونس، الأستاذ في كلية القانون دوشيشا في كيوتو، والخبير في النظام القضائي الياباني.
وسواء كان غصن مذنباً أم لا بتهم التصريح عن أن دخله من "نيسان" يقل عن دخله بعشرات الملايين على مدى سنوات كثيرة، فإن معاملة متهم على هذا النحو تشي بحال النظام القضائي الياباني. فالاعتقال المطول وغير المحدد من دون اتهامات هو نفسه عقاب. وغالبية المدانين المعتقلين تعترف وهي قيد الاعتقال، خلال عمليات استجواب غير مسجلة. ولطالما اشتكت مجموعات حقوقية من خطر انتزاع مثل هذه الاعترافات تحت الإكراه. وبحسب بعض الحقوقيين، تنحاز الإجراءات القضائية إلى الادعاء. وذاع صيت بلوغ نسبة الإدانة 99 في المئة. "ومعظم المحاكمات اليابانية تصدر الأحكام فحسب"، يقول جونس. "المدعى عليه، قد يطعن، طبعاً، في مشروعية اعترافه أمام المحكمة، ولكن الأدلة ضده- وعليه إثبات براءته".
ويشير بعضهم إلى أن غصن حين صرّح بدخل أقل من دخله، كان يسير على خطى كثير من المديرين التنفيذيين في اليابان، وأن العدالة في هذا الحال انتقائية، وأنها، تالياً، غير عادلة البتة شأن ملاحقة الفساد الرسمي في الانظمة الاستبدادية كما في الصين وروسيا حيث ترمي الملاحقات هذه إلى القضاء على الخصوم السياسيين، وليس إلى مكافحة الفساد. وبعض آخر يقول أن غصن كان كبش فداء لأنه أجنبي. ويذهب رأي ثالث الى أن فهم ما يجري يقتضي إدراجه في سياق صراع قوى بين فرنسا واليابان على مستقبل الشراكة بين "رينو ونيسان".
وتدور أسئلة بشأن حوكمة الشركات في اليابان. فهل هذا دليل على مراوحة أو ضعف جدوى مكافحة الفساد منذ فضيحة شركة "أولمبوس" في 2011-، وهذه أماطت اللثام عن مستويات تزوير مذهلة في مجلس إدارة ياباني- أم أن كشف هذه الفضيحة المفترضة، بعد تقديم مخبر مزعوم بلاغه، هو دليل على خلاف ذلك؟ ولكن علينا عدم الخلط بين المسائل: فقد يكون غصن مذنباً بالفساد، وقد يكون وراء قضيته صراع قوى بين الشركة المعولمة أو العالمية، أو أن حوكمة الشركة اليابانية ناقصة - أو قد تشير هذه القضية كذلك الى أن النظام القضائي الياباني يحتاج إلى إصلاح.
والنظام القضائي الياباني يستند الى النموذج الامبراطوري الألماني الاتهامي [المدعي العام يتولى التحقيق على أساس إثبات التهمة ومحامي الدفاع هو من يثبت البراءة]، وفي هذا النظام تتولى المحاكم التحقيق. وفي هذا النظام كذلك عناصر من النظام الاتهامي في الولايات المتحدة، أدخلت عليه إثر الحرب العالمية الثانية. وفي المحصلة، برز نظام هجين يبدو أنه يمنح المدعين هامش حرية واسعاً من غير أن يقيدهم بقيود كافية. ويتساءل موظف حكومي ياباني سابق، كازوو ياواتا، هل معاملة غصن معاملةً إعلامية مفرطة هي "انتحار للنظام القضائي الياباني". وفي ظل الأدلة التي بين أيدينا، يبدو أن اللجوء الى طقس "هارا كيري" [الانتحار بتقطيع الأحشاء]، مرجح.
© The Independent