عممت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني صوراً تظهر التلوث الحاصل في مجرى نهر البردوني أحد روافد نهر الليطاني، وكيف تحول النهر إلى مستوطنة للكوليرا بفعل تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي من مخيمات النازحين، تحت عنوان "الجريمة المستمرة".
يعلم الكل أن مرض الكوليرا حقق انتشاراً في لبنان بسبب سوء نظام الصرف الصحي وتراجع الخدمات الأساسية جراء الأزمة، لكن أزمة الليطاني والمخيمات مع التلوث ومشكلات الصرف الصحي تعود إلى ما قبل ظهور أولى حالات الكوليرا في لبنان، في حين دعا انتشار المرض إلى دق ناقوس الخطر مجدداً حول ما يمكن أن يؤول إليه الوضع بسبب الإهمال وتهاون المسؤولين في هذا المجال.
الخطر يتخطى الكوليرا
تصب جميع المخيمات، سواء كانت بعيدة أو قريبة من النهر، مخلفاتها من الصرف الصحي فيه من دون معالجة، وثمة مخيمات ترتفع فيها معدلات الإصابة بالكوليرا كمخيمات قب الياس وسعدنايل وبر الياس، وبدأت حملات التلقيح ضد الكوليرا من قبل وزارة الصحة العامة، فيما تبقى مسألة معالجة التلوث ومياه الصرف الصحي من المخيمات مهملة تماماً، في ظل ارتفاع معدلات الإصابة بالكوليرا واحتمال زيادتها في حال عدم التدخل.
لقد أصبح مرض الكوليرا منتشراً في البقاع وصدرت توصيات وقائية عدة للحد من هذا التفشي، لكن ماذا عن المعالجة الجدية لأساس المشكلة، بعيداً من سبل الوقاية من تلقي اللقاح وغسل اليدين بشكل متكرر وغيرها من وسائل النظافة الشخصية المطلوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعاني نهر الليطاني مشكلة التلوث منذ عام 2003 وفق ما يوضحه رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، ويعود السبب وراء ذلك إلى تحويل مياه الصرف الصحي من بلدات البقاع الشمالي والأوسط والغربي إليه، وتقدر كميتها بـ46 مليون متر مكعب، إضافة إلى نفايات المؤسسات الصحية والصناعية التي تسهم أيضاً في تلوثه.
وتفاقمت المشكلة أكثر بعد وضع أكثر من مليوني نازح في الحوض، منهم 100 ألف على النهر مباشرة. وكانت خريطة طريق وضعت من قبل مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة لرفع التلوث عنه عبر إنشاء مجموعة من محطات التكرير في منطقة البقاع لمعالجة مياه الصرف الصحي قبل أن تصب في النهر، لكن هذا المشروع لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن ولم يتم إنشاء المحطتين الأساسيتين وهما "تمنين" و"المرج"، مما أدى إلى تفاقم مشكلة التلوث والاستمرار بتحويل مياه الصرف الصحي إلى النهر.
ولم تبدأ المشكلة مع انتشار الكوليرا في البلاد، بل سجل ارتفاع في معدلات الإصابة بالسرطان نتيجة تفاقم التلوث، وطبعاً مع ظهور الكوليرا في لبنان كان نهر الليطاني سبباً رئيساً لنقله وانتشاره مع غيره من الأمراض الوبائية وعلى رأسها التهاب الكبد الوبائي في البقاع، حتى إنه يتم ري المزروعات بمياه غير صالحة للري في حين تمتنع الدولة اللبنانية عن القيام بواجباتها حيال ذلك، بحيث استخدمت عائدات الضرائب وأموال المجتمع الدولي لإنشاء شبكات صرف صحي تجر 50 مليون متر مكعب من المجارير من دون معالجة.
أهم عوامل تلوث المياه
اعتبرت مخيمات النازحين العشوائية المنتشرة على طول نهر الليطاني مصدراً لا يستهان به للتلوث بحيث يقوم معظمها بتحويل النفايات السائلة والصلبة الناتجة منها مباشرة إلى مجرى نهر الليطاني وروافده وإلى أقنية مشاريع الري التابعة للمصلحة.
وتبين أن هناك 974 موقعاً تضم 11466 خيمة يقدر عدد النازحين الموجودين فيها بنحو 68645، والعدد التقريبي للنازحين في الحوض الأدنى 4238 نازحاً سورياً على مجرى النهر وفي حرم قناة القاسمية. ويسجل ما لا يقل عن 20 ألف مولود سوري في لبنان سنوياً. وتقدر كميات المياه الملوثة الناجمة عن المخيمات على ضفاف النهر في منطقة الحوض الأعلى من دون معالجة مسبقة بأكثر من مليوني متر مكعب سنوياً.
كما أظهرت كشوف المصلحة الوطنية لنهر الليطاني فيضان الصرف الصحي بين المساكن وعلى الطرقات ومجاري الروافد والنهر بحيث تشهد شبكات الصرف الصحي المتصلة بالمساكن تدفقاً مستمراً بكميات هائلة تتخطى القدرة الاستيعابية للشبكات القائمة، الأمر الذي يشكل بركاً من مياه الصرف الصحي في الأحياء والأراضي المحاذية للنهر أو قنوات الري المحاذية للمساكن.
انطلاقاً من ذلك، شكل النزوح السوري العامل الثاني الأهم المسبب لتدهور جودة المياه في منطقة حوض نهر الليطاني وازداد الوضع سوءاً مع انتشار وباء الكوليرا على أثر تلوث الموارد المائية في الحوض الأعلى للنهر التي يمكن أن تكون ناقلة للكوليرا، سواء من خلال المساحات الزراعية المروية بهذه المياه التي تقدر مساحتها بـ8396 هكتاراً، أو من خلال السكان المستفيدين من المياه الملوثة وعددهم نحو 50 ألفاً، وأيضاً من خلال كمية الصرف الصناعي والصحي غير المعالج الملقى في نهر الليطاني.
مؤسسات الصحة متهمة أيضاً
كانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني توجهت بكتاب إلى وزير الصحة العامة فراس أبيض تطالبه باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المستشفيات الواقعة ضمن نطاق الحوض الأعلى نتيجة وجود خلل في الرقابة على هذه المؤسسات التي تنتج نفايات صلبة وسائلة توازي مليون متر مكعب سنوياً وتتوجه مباشرة إلى شبكة الصرف الصحي من دون معالجة أولية أو عملية تعقيم، الأمر الذي يشكل خطراً قاتلاً يهدد سكان الحوض الأعلى.
وأظهر الكشف الفني الدوري للفرق الفنية التابعة للمصلحة أن معالجة المستشفيات تراوح بين معالجة معدومة من خلال تحويل الصرف الصحي إلى النهر مباشرة أو إلى شبكة صرف صحي مؤدية إليه، وبين استخدام تقنية الجور الصحية لتجميع النفايات الطبية السائلة في حفر ترابية لتتسرب نحو المياه الجوفية، أو عبر استخدام تقنية الجور الصحية الأسمنتية التي تتجمع فيها النفايات السائلة وتنقل بطريق الضخ إلى شبكة الصرف الصحي.
لدى التواصل مع وزارة الصحة العامة، أكدت لنا أنه تم تشكيل لجنة خاصة في الوزارة لمتابعة هذا الملف، إضافة إلى حرصها على تكثيف حملات التلقيح للحد من انتشار الوباء ومن المفترض أن تباشر اللجنة أعمالها واجتماعاتها الأسبوع المقبل لاتخاذ القرارات اللازمة في هذا الشأن، على أمل أن يتناول المعنيون هذا الخطر الذي يواجهه أهالي المنطقة منذ أعوام على محمل الجد.