حذر العلماء من أن انبعاثات الكربون العالمية لا تزال عند مستويات قياسية في ظل غياب مؤشرات على الانخفاض بشكل عاجل، وذلك للحد من أزمة المناخ.
وذكروا أنه إذا استمرت المستويات الحالية للانبعاثات في الارتفاع حول العالم، فهناك فرصة بنسبة 50 في المئة أن ترتفع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية خلال تسع سنوات، وهي عتبة يتوقع بعدها حدوث أسوأ آثار لتغير المناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الخبراء إن الانبعاثات يجب أن تنخفض بمعدلات مماثلة لعام 2020 عندما تسببت قيود كورونا في إغلاق أنشطة النقل والصناعة والأنشطة الاقتصادية، وذلك بشكل سنوي من أجل الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة عند نسبة 1.5 درجة مئوية على المدى الطويل.
لكن التلوث الكربوني الناجم عن حرق الوقود الأحفوري ارتفع بنسبة واحد في المئة عن مستويات عام 2021، كما يقول التحليل الصادر عن مشروع الكربون العالمي، وهو الآن أعلى قليلاً من المستويات القياسية التي سجلت عام 2019.
وأوضح الباحثون أن الزيادة في ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري، بما في ذلك إنتاج الأسمنت، ترجع إلى التعافي المستمر من الجائحة وأزمة الطاقة الناجمة عن غزو أوكرانيا.
ومن المقرر أن يبلغ إجمال انبعاثات الكربون لعام 2022، والتي تشمل أيضاً إزالة الغابات والتغييرات الأخرى في استغلال الأراضي، حوالى 40.6 مليار طن، بزيادة طفيفة عن عام 2021، وما يقرب من 40.9 مليار طن المنبعثة قبل فترة الجائحة عام 2019.
وشارك في مشروع الكربون العالمي ما يربو عن 100 عالم من 80 منظمة داخل 18 دولة، ونتائجه المنشورة في مجلة Earth System Science Data، تأتي في وقت تجتمع الدول خلال الجولة الأخيرة من محادثات المناخ في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ المنعقد في مصر.
وأوضح العلماء أنه بينما تباطأ معدل نمو الانبعاثات، فإن العالم لا يتخذ الإجراءات المطلوبة لجعلها تبلغ ذروتها وتنخفض بسرعة للحد من ارتفاع درجات الحرارة.
وأشار البروفيسور بيير فريدلينجشتاين من معهد النظم العالمية بجامعة "إكستر" والذي قاد الدراسة، "نشهد هذا العام ارتفاعاً جديداً في مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري العالمية في وقت يحتاج فيه الكوكب إلى انخفاض سريع وليس ارتفاعاً، وهناك بعض المؤشرات الإيجابية، لكن القادة المجتمعين في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيير المناخ سيتعين عليهم اتخاذ إجراءات هادفة إذا أردنا الحصول على أية فرصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والمحافظة على مستوى الارتفاع قريباً من 1.5 درجة مئوية".
بدورها قالت البروفيسور كورين لو كوير من كلية العلوم البيئية بجامعة "إيست أنجليا"، "تكشف النتائج التي توصلنا إليها عن اضطراب في أنماط الانبعاثات هذا العام ناتج من الجائحة وأزمات الطاقة العالمية، وإذا استجابت الحكومات من خلال تقديم الدعم القوي والسريع لاستثمارات الطاقة النظيفة وزراعة الأشجار وليس قطعها، فقد تبدأ الانبعاثات العالمية في الانخفاض بسرعة".
ونوهت إلى أن هناك أدلة على أن سياسة المناخ يمكن أن تنجح في ظل تباطؤ نمو الانبعاثات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، منذ "اتفاق باريس" التي تنص على الحد من الاحترار إلى أقل من درجتين مئويتين أو عند 1.5 درجة مئوية، وكان المستقبل في يد البشرية.
وقالت "نحن عند نقطة تحول ويجب ألا نسمح للأحداث العالمية بصرف انتباهنا عن الحاجة الملحة والمستمرة لخفض مستويات الانبعاثات لتحقيق الاستقرار في المناخ العالمي وتقليل الأخطار المتتالية".
وكشف التقرير عن أنه عام 2022 ارتفعت الانبعاثات من النفط بنسبة 2.2 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ويرجع ذلك لحد كبير إلى الانتعاش المستمر الذي شهده قطاع الطيران عقب الجائحة.
وارتفعت انبعاثات الفحم كذلك بنسبة واحد في المئة، وربما تجاوزت الحد الذي كان يعتقد أنه الذروة في عام 2014 مع ارتفاع مستوياتها في الاتحاد الأوروبي، إذ أدت الحرب في أوكرانيا إلى تقليص إمدادات الطاقة للكتلة وكذلك في الهند.
لكن التحليل أظهر أن الصين والولايات المتحدة شهدتا انخفاضاً في التلوث من الفحم، ومن بين الدول التي تتحمل مسؤولية كبيرة في التلوث فإن المشهد مختلط، إذ من المتوقع أن تنخفض الانبعاثات في الصين بنسبة 0.9 في المئة وفي الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.8 في المئة ولكنها تزداد في الولايات المتحدة بنسبة 1.5 في المئة والهند بنسبة ستة في المئة في ظل ارتفاع نسبته 1.7 في المئة في جميع أنحاء العالم.
ومن المتوقع أن تتسبب تغيرات استغلال الأراضي، لا سيما إزالة الغابات، في إحداث انبعاثات تبلغ 3.9 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، بعد انخفاض بسيط غير مؤكد على مدى العقدين الماضيين.
وتسهم ثلاثة بلدان فقط، وهي إندونيسيا والبرازيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بأكثر من النصف (58 في المئة) من الانبعاثات الناتجة من تغير استغلال الأراضي.
وأوضح بالافي داس، مساعد البرنامج بمجلس الطاقة والبيئة والمياه، أنه بينما كان التركيز غالباً على المسؤولية التاريخية للانبعاثات كان من المهم النظر إلى المسؤولية المستقبلية، ودعا الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تسريع خططهم للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية.
وأشار الباحثون إلى أن إعادة زراعة الغابات والغابات الجديدة تحقق التوازن بين حوالى نصف الانبعاثات الناتجة من قطع الأشجار، لذا فإن وقف إزالة الغابات وتعزيز الجهود لاستعادة المناظر الطبيعية في الغابات وتعزيز الغطاء النباتي لها يمثل فرصة كبيرة لتقليل الانبعاثات.
ويظهر التقرير أن مستويات ثاني أكسيد الكربون التي تعد أهم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي يتوقع أن يبلغ متوسطها 417 جزءاً في المليون عام 2022، أي 51 في المئة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وحذر العلماء من أنه من أجل الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية على المدى الطويل، يتعين على العالم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 تقريباً.
ويعني صافي الانبعاثات الصفرية عدم انبعاث ثاني أكسيد الكربون أكثر مما يتم امتصاصه من قبل المناظر الطبيعية مثل الغابات والمحيطات أو من خلال التقنية.
ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تنخفض الانبعاثات بمقدار 1.4 مليار طن سنوياً مقارنة بالانخفاضات عام 2020 التي شهدت ذروة عمليات الإغلاق الناجمة عن الجائحة.
وإذا استمر إجمال إنتاج ثاني أكسيد الكربون عند مستويات 2022، فسيتم بالكامل استنفاد "موازنة" الكربون الباقية للانبعاثات التي يمكن وضعها في الغلاف الجوي مع الحفاظ على الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية في غضون تسع سنوات.
وقال الباحثون إن هناك فرصة بنسبة 50 في المئة أن يتخطى متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مدفوعاً بثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى، عتبة 1.5 درجة مئوية في الوقت نفسه تقريباً.
© The Independent