Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي متطلبات المرحلة المقبلة في استحقاقات السلام الإثيوبي؟

يشدد البعض على أهمية "تعزيز الثقة بين الأطراف كافة والتي إن لم تتوافر قد تعود الأوضاع للمربع الأول"

يسود الساحة الأثيوبية تفاؤل مشوب بحذر تجاه مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق بين الجانبين (أ ف ب)

يشهد اتفاق السلام الإثيوبي الذي وقعته كل من حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) في جنوب أفريقيا، موجة تفسيرات تتعدد فيها وجهات النظر تقييماً وتأويلاً. فإلى أين تقود تباينات الآراء؟ وما هي متطلبات المرحلة المقبلة في استحقاقات السلام؟

في الوقت الحالي، يسود الساحة الإثيوبية تفاؤل مشوب بحذر تجاه مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق بين الجانبين. فما تضمنته وثيقة الاتفاق من بنود سلام تخضع لتقييمات كلا الطرفين حول مدى الالتزام والتقيد بها في مسعى لدرء المخاطر وتحقيق مكاسب سياسية. فما تجمع عليه الآراء على رغم تباينها، هو "إيقاف حرب" انعكست سلباً على مسار الدولة بعيداً من الشد والجذب واستثمار الربح والخسارة.

تصويبات

وفي أول تصويب لتبعات السلام، قال مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، ورئيس وفد التفاوض الحكومي، السفير رضوان حسين: "بما أن اتفاقية السلام الموقعة تحافظ على سيادة إثيوبيا وأمنها الإقليمي، يجب على كل مواطن تحمل مسؤولية تنفيذها". جاء ذلك في كلمة ألقاها بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أطلع فيها رضوان (الجمعة) رؤساء المجلسين (مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالي) ورؤساء الإقليم، وكبار المسؤولين الحكوميين، ومسؤولي "حزب الرخاء"، على العملية بشكل عام والمهام المتوقعة في المستقبل لتنفيذ الاتفاقية. وأشار "إلى أن الاتفاقية تركز بشكل أساسي على تأمين السلام الدائم لسيادة ودستور إثيوبيا ووحدة أراضيها".

وكان بيان صادر من حكومة تيغراي بتاريخ (4 نوفمبر 2022)، قال "إن مفاوضات واتفاقية السلام ما هي إلا في مصلحة شعب تيغراي، وأن الحرب فرضت علينا وأجبرت تيغراي حكومة وشعباً على قيادة نضال مرير متعدد الجوانب". وأضاف "دائماً ما كانت حكومة تيغراي تطالب بالمفاوضات والسلام.

وأضاف حسين "تم الاتفاق على ألا يكون هناك جيشان مسلحان في دولة واحدة ذات سيادة"، مؤكداً أنه "لا يمكن حل أي من المشكلات من دون استعادة سيادة القانون في البلاد". وأوضح "أنه سيتم إنهاء الأنشطة المناهضة للدستور، كما ستُنشأ إدارة انتقالية في إقليم تيغراي حتى إجراء الانتخابات على أساس الدستور".

وكان رئيس الوزراء آبي أحمد قال في ما يتعلق باتفاقية السلام، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية (فانا)، "إن الجانبين اتفقا بشكل أساسي على أن سيادة إثيوبيا وسلامتها الإقليمية غير قابلة للتفاوض. كما اتفق الجانبان على أن البلاد تحتاج فقط إلى قوة دفاع وطني واحدة، وهذا انتصار كبير لإثيوبيا".

تبادل آراء

وخلال اجتماع عقدته وزارة السلام الإثيوبية وشارك فيه رجال دين وقادة أحزاب سياسية وشخصيات بارزة وفنانون، لتبادل الآراء حول تنفيذ اتفاقية السلام، قال وزير السلام بنالف أندواليم، "إن الحرب لم تكن دائماً حلاً للمشكلات، فإن البديل السلمي هو أفضل وسيلة"، مشيراً إلى أن الصراع تسبب في قدر هائل من الدمار البشري والمادي في البلاد".

وأضاف "أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الصراع سلمياً في الجزء الشمالي من إثيوبيا، أعطى إحساساً كبيراً بالارتياح لدى الشعب، وفتح فصلاً تاريخياً للبلاد على طريق التنمية".

من جانبه، قال وزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بيلاي: "لقد بدأنا العمل على الفور من دون مضيعة الوقت، لأن التزام الحكومة بالسلام فريد من نوعه، إذ تم إنشاء العديد من اللجان والترتيبات الوزارية للرد على القضايا المتعلقة بالاقتصاد، وإعادة التأهيل وإعادة إعمار البناء وتعبئة الموارد". وكانت الحكومة الإثيوبية دعت أصدقاء أديس أبابا وشركاءها إلى دعم جهود إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من النزاع في الجزء الشمالي من البلاد".

وكان لقاء تم بين قادة قوات الدفاع الإثيوبية ومقاتلي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في العاصمة الكينية نيروبي، لمناقشة كيفية البدء في تنفيذ بنود الترتيبات العسكرية التي نصت عليها الاتفاقية.

وبدأت محادثات القادة العسكريين، الاثنين 7 نوفمبر، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية (فانا)، والتي تعتبر الجولة الثانية لمحادثات السلام بلقاءات القيادات العسكرية للحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف بيان حكومة تيغراي "حرصت حكومة تيغراي على ضمان كل مطالب شعبنا، وإليكم أهم النقاط التي وقعنا عليها: وقف إطلاق النار، وخروج القوات الدخيلة من أراضينا، ودخول المساعدات، ورجوع الخدمات الأساسية".

وأضاف البيان "نؤكد أن هذه الاتفاقية تصب في مصلحة شعبنا، ولحمايته، وتمثل نتاج نضالنا الدؤوب وسنعمل على ضمان تحقيقها. وأهم نقطة في هذه الاتفاقية والتي نعتبرها انتصاراً لنا، هو احترام دستور الدولة وتنفيذه".

صفحة جديدة للسلام

وضمن هذه المؤشرات التي يظهرها كل طرف في ما تحقق من إنجاز، تكمن حقيقة الاتفاق في أهم بنوده وهي:

-وقف الحرب

-وحدة الدولة وجيشها

-الاحتكام للدستور كمرجع نهائي في أي خلاف

وكان المبعوث الخاص لمفوضية الاتحاد الأفريقي والقرن الأفريقي الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانجو، حث في الخامس من الشهر الحالي، "الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على العمل معاً بحكمة ووطنية، من أجل تنفيذ اتفاقية السلام المبرمة أخيراً في جنوب أفريقيا".

وأضاف أوباسانجو "أن اتفاقية السلام من شأنها أن تفتح صفحة جديدة للسلام والاستقرار المستدامين في إثيوبيا". وأكد أنها تسمح بحل المشكلات بشكل دائم، من خلال إجراء الحوارات والنقاشات بدلاً من أعمال العنف.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس النيجيري السابق أوباسانجو، ترأس جلسات مناقشات السلام التي كانت جارية في جنوب أفريقيا، بين الحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" عبر لجنة الوساطة الأفريقية التي كونتها مفوضية الاتحاد الأفريقي.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أشاد بتوصل الأطراف الإثيوبية للسلام، واعتبرها "خطوة أولى مرحباً بها"، كما قال الناطق باسمه.

من جانبها، أثنت وزارة الخارجية الأميركية على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في إثيوبيا، وأكدت أن الولايات المتحدة ستواصل التزامها المباشر بتعزيز اتفاق السلام الذي يمثل خطوة مهمة نحو السلام.

التحدي الإريتري

الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم، اعتبر أن "اتفاقية السلام الحالية هي الأكثر جدية ضمن التحركات السابقة، وكانت عبارة عن جس نبض"، وأضاف "أعتقد أن الطرفين أقرا بأن الصراع المسلح لا جدوى منه، لهذا هناك نية صادقة لوقف الحرب، لا سيما أن ما حدث خلال الأعوام الماضية أرجع البلاد 20 سنة إلى الوراء". وتابع "نتوقع أن يتم حسم بعض الملفات العالقة بخاصة ملف استعادة الخدمات لشعب تيغراي وحلحلة ملف الأسلحة. لكن يظل وجود الجيش الإريتري أكبر تحد للطرفين، لأنه ببساطة ليس طرفاً في الاتفاقية. وهنا قد نجد أن التصدي لتحركات النظام الإريتري قد تصبح المشكلة الأكبر، لا سيما بعد أن انتشر جيشه في الداخل".

وأوضح أن "المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز الثقة بين الأطراف كافة، والتي إن لم تتوافر قد تعود الأوضاع للمربع الأول، وهو حرب جديدة. ولا بد من حسم العديد من الملفات وبخاصة الوضع الأمني بغض النظر عمن سيقوم بهذا الدور. يجب على الطرفين الحكومة والجبهة، أن يضعا في حساباتهما أن الشعب في تيغراي والمناطق المجاورة له، تضرر وبحاجة إلى الخدمات السريعة والاستقرار، وهذا لن يتحقق بجهود فردية بل بتكاتف الداخل مع المجتمع الدولي، ولن يحدث هذا إن لم يكن هناك سلام حقيقي".

خيار طبيعي 

المؤرخ الإثيوبي آدم كامل، قال في تقييمه لإنجاز السلام، "إن نجاح الاتحاد الأفريقي في تحقيق السلام بين طرفي النزاع الإثيوبي، أثبت أن الأفارقة بمقدورهم حل مشكلاتهم السياسية وحدهم من دون تدخلات خارجية، وأن القضايا الأفريقية يفترض أن تُحل أفريقياً من دون العودة للأمم المتحدة أو الهيئات العالمية". وأشار إلى أن "السلام الإثيوبي أضاف مبدأ جديداً وهو الحل الأفريقي للمشكل الأفريقي".

ثانياً، كلا الطرفين وبخاصة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" اقتنعا بأن الحرب لا فائدة منها، ربما أخذا العبرة من الأوضاع في اليمن وسوريا وأفغانستان ويوغسلافيا، وأيقنا أن الحروب السابقة أو حتى الحالية التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، دمرت كل شيء. المصالح القومية هي الأهم، في إطار السلام يمكنك أن تنتج وتنمو وتصدر وتتقدم إلى الأمام، والاستقرار هو من أهم الضروريات، وهو ما أثبتته الصراعات المسجلة في الماضي والحاضر".

وأضاف "لدى الحكومة الإثيوبية برنامج مسبق لتطبيق السلام في إثيوبيا وإقليم تيغراي، والأهم أن إقليم تيغراي قادر على أن يلحق بركب السلام لكي يعوض السنوات الثلاث السابقة التي شهدت تراجعاً في القطاعات كافة، الزراعة والتنمية وغيرها. شعب تيغراي وصل إلى مرحلة من السوء لا يمكن تحملها نتيجة ظروف الحرب".

وبالنسبة لعدد من قادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، فقد بات السلام الخيار الطبيعي والأمثل في الظروف الحالية، لا سيما وأن شعب تيغراي دفع الكثير من الصبر والتضحيات".

وقال آدم كامل "أنا طبعاً أشك في أن يكون هناك من يعارض السلام من أهل تيغراي، حتى لو كان البعض، بخاصة من المهاجرين في أوروبا وأميركا، يرى أن اتفاقية السلام استسلام للجبهة الشعبية. أقول لهؤلاء: هذا ليس استسلاماً، أنت تخاصم إريتريا وأمهرا وعفر والعديد من الجهات... فمع من تعيش؟".

وفي مسألة تطبيق الاتفاقية وإنجاح السلام كواقع حقيقي، قال آدم "كلا الطرفين مجبران على تطبيق البنود، ليس لديهم بديل ثان سوى السلام، والقبول بما يرضي الجانبين، وعلى كل طرف أن يقدم تنازلاً".

المزيد من تحقيقات ومطولات