تُعد مدينة شالة من أهم المواقع الأثرية في العاصمة المغربية الرباط، نظرا إلى قيمتها الأثرية إذ تضم آثاراً رومانية وإسلامية عريقة، لم يصمد منها الا بعض الأجزاء، في حين تعرضت أجزاء أخرى للاندثار نظراً إلى عامل الزمن والإهمال وسلسلة من عمليات النهب عبر العصور .
يقع الموقع بالقرب من وسط مدينة الرباط، وصُنف ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو في عام 2012، إذ يحظى باهتمام المغاربة والأجانب، حيث وصل عدد زواره في الربع الاول من عام 2019 إلى أكثر من 40 ألف زائر بحسب إحصاء لوزارة الثقافة المغربية.
تاريخ المدينة
تعكس بقايا المدينة القديمة تداخل العديد من الحضارات التي تعاقبت على حكمها، ويتكون الموقع الأثري حالياً من مقابر مرينية على أطلال فينيقية ورومانية. الفينيقيون آتوا إلى المنطقة قبل 3 آلاف سنة، وكان يقطنها آنذاك "الجيتول" وهم من سلالة أمازيغية كانت تعيش في شمال إفريقيا. أنشأ الفينيقيون سوقاً أسموها "سالا"، وعندما استعمرها الرومان أُطلقوا عليها اسم "سالا كولونيا"، فيما انتقلت تسمية "سلا" خلال العهد الإسلامي إلى المدينة الموجودة حالياً بجوار مدينة الرباط وأصبح يسمى الموقع شالة.
ازدهار وأفول
عرفت مدينة سلا القديمة (شالة) طابعاً حضارياً منذ العهد الملكي الموري (حضارة أمازيغية) خصوصاً في عهد يوبا الثاني
(52 - 23 ق.م) وابنه بطليموس (السنة الأولى ق.م -40 م)، كما عرفت المدينة ازدهاراً خلال الاحتلال الروماني، وذلك حينما كانت تضم الميناء الوحيد في المنطقة للمراكب الرومانية في أوائل القرن الثالث الميلادي، حيث كانت تحمل المحاصيل الزراعية إلى الإمبراطورية الرومانية، ويتم تصدير مصنوعاتهم المختلفة عبرها إلى شالة.
تواجد الرومان بمنطقة المغرب خلال القرن الثاني قبل الميلاد، والتي كانت تسمى آنذاك "موريتانيا" او المملكة المورية، وتضم الجزائر الحالية وجزءاً كبيرا من المغرب، وكان اهتمام الرومان استغلال الأراضي الصالحة للزراعة، واستغلال وفرة المياه القريبة من الموقع.
بحسب دراسة تاريخية لوزارة الثقافة المغربية فان الموقع ظل مهجوراً ما بين القرن الخامس والعاشر الميلادي، حيث أصبح رباطاً يتجمع فيه المجاهدون لمواجهة قبيلة برغواطة، فيما حظيت شالة في عهد السلطان أبي الحسن المريني (فترة حكمه 1331-1351) باهتمام بالغ، أما ابنه السلطان أبو عنان فترة حكمه (749-759) فقد أتم المشروع، وبنى المدرسة شمال المسجد والحمام والنزل، وزين أضرحة أجداده بقبب مزخرفة تعتبر نموذجاً حياً للفن المعماري المتميز لدولة بني مرين.
تراجعت شالة مباشرة بعد قرار المرينيين بإعادة فتح مقبرة القلة بفاس، فأهملت بناياتها، بل وتعرضت في بداية القرن الخامس عشر الميلادي للنهب والتدمير، لتحتفظ بقدسيتها العريقة وتعيش بفضل ذكريات تاريخها القديم على هامش مدينة رباط الفتح، وتصبح تدريجاً مقبرة ومحجاً لسكان المنطقة، ومعلماً تاريخياً يجتذب الأنظار.
المملكة المورية
في تعريفه للمملكة المورية أو الموريتانية يقول المؤرخ والباحث الاركيولوجي محمد شكيب الأنجري في أحد أبحاثه "نقصد بالمملكة المورية تلك التي حكمت المغرب خلال فترة العهد القديم، أي من القرن الثالث قبل الميلاد إلى حدود عام 40 للميلاد تاريخ إجهاز روما على أخر الملوك الموريين بطليموس، وتحول أراضي هذا الأخير لما عرف بموريطانيا الطنجية، تمييزاً لها عن موريطانيا القيصرية التي شملت الأراضي الجزائرية حالياً، إن المملكة المورية كانت محدودة آنذاك شمالا بالبحر الأبيض المتوسط أو ما عرف عند الرومان ب "بحرنا" (Mare Nostrom) والذي أصبح يعرف بعد السيطرة التامة على الأراضي المطلة عليه ب'البحر الرومي'، غربا المحيط الأطلسي (بحر الظلمات)، شرقا نهر ملوية (مولوشا) وجنوبا أراضي "الجيتوليين" وهي منطقة سوس حاليا".
ويضيف ان كل الدراسات التاريخية التي اتخذت من المملكة المورية والأراضي الموريتانية موضوعاً لها تؤكد الغموض الذي يخيم على تاريخ هذه المملكة خلال القرن الثاني قبل الميلاد، ولا نجد لها ظهورا في المصادر الكلاسيكية، إلا عند بداية الصراع النوميدي - الروماني فيما عرف بحرب يوغرطة ابتداء من الربع الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد.
تخريب وترميم
ضرب زلزال ضخم مدينة لشبونة عام 1755 وصل صداه الى بعض مناطق المغرب من بينها العاصمة الرباط، حيث فقدت شالة على اثره جزءًا كبيرًا من مكوناتها، حيث انهارت الأرضيات والأعمدة الكبيرة، وتحطمت التماثيل الرومانية، وسقطت الأعمدة الكبيرة وقوس النصر، بالاضافة إلى تضرر المئذنة، ثم شهدت المدينة العتيقة المهجورة موجة نهب دامت لعقود، فيما قامت السلطات الفرنسية خلال استعمارها للمغرب ( 1956-1912) بأعمال ترميم وتنظيف وزرع نباتات بشالة في عام 1930 وقامت خلال العملية تلك بأعمال حفر لكشف المدينة التي طُمرت تحت الأرض، الى ان قامت منظمة اليونسكو بعملية ترميم اخرى كبيرة وشاملة في عام 1960.
مكونات الموقع
ما زال بإمكان الزائر لموقع شالة ان يشاهد بعد أطلال المدينة القديمة، بوجود مطحنة كانت تستخدم لصنع زيت الزيتون، وآثار الحي التجاري من أقبية وأكشاك، بالاضافة الى الأعمدة وقوس النصر والألواح الرومانية، وبقايا التماثيل التي ما زالت الكتابات عليها عبارات باللاتينية. واستقدم الرومان الرخام الذي استخدم في توسعة المدينة من إيطاليا، وعرف الحي العمومي بالمدينة مجموعة من البنايات كالمعبد الرئيسي (الكابيتول)، والساحة العمومية (الفوروم) والحمامات والبازيلكا وقاعة المجلس البلدي.
وبحسب دراسة وزارة الثقافة المغربية أضيف خلال الحكم الإسلامي قصبة عودة، وجدار رباط الفتح (أو معسكر النصر للموحدين)، وبرج الحسن وفي الخلفية، مقبرة شالة الملكية، حيث اتخذها السلطان المريني أبو يوسف يعقوب لدفن ملوك وأعيان بني مرين. في عام 1284 شيدت النواة الأولى لمجمع ضم مسجداً وداراً للوضوء وقبة دفنت بها زوجته أم العز. وأحيط الموقع في عام 1339 بسور خماسي الأضلاع مدعم بعشرين برجاً مربعا وثلاث بوابات. أما داخل الموقع فقد تم تشييد أربع مجموعات معمارية مستقلة ومتكاملة تجسد كلها عظمة ومكانة مقبرة شالة على العهد المريني".
ففي الزاوية الغربية للموقع ترتفع بقايا النزالة التي كانت تأوي الحجاج والزوار. وفي الجزء السفلي تنتصب بقايا المقبرة المرينية المعروفة بالخلوة، والتي تضم مسجداً ومجموعة من القبب أهمها قبة السلطان أبي الحسن وزوجته شمس الضحى، والمدرسة التي تبقى منارتها المكسوة بزخرفة هندسية متشابكة ومتكاملة نموذجاً أصيلا للعمارة المغربية في القرن الرابع العاشر. وفي الجهة الجنوبية الشرقية للموقع يوجد الحمام المتميز بقببه النصف دائرية، التي تحتضن أربع قاعات متوازية: الأولى لخلع الملابس والثانية باردة والثالثة دافئة والرابعة أكثر سخونة. أما حوض النون، فيقع في الجهة الجنوبية الغربية للخلوة وقد كان في الأصل قاعة للوضوء لمسجد أبي يوسف، وقد نسجت حوله الذاكرة الشعبية خرافات وأساطير جعلت منه مزاراً لفئة عريضة من سكان الرباط ونواحيها، بحسب دراسة وزارة الثقافة المغربية.