Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محنة الليبرالية وموجة السلطوية

العالم تجاوز المفترق بين نظامين عالميين

صورة التقطت في 28 يونيو 2019 تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا (أ.ف.ب)

ليس في قمة العشرين في "أوساكا" ما يوحي أن العالم تجاوز المفترق بين نظامين عالميين، نظام أحادي القطب ساد بعد نهاية الحرب الباردة وتخلى قائده عن موجباته، ونظام متعدد الأقطاب لم يكتمل بعد. عولمة فتحت كل الحدود والأبواب أمام حرية التجارة. وعودة إلى الحمائية وفرض الرسوم على الواردات رمزها شعار "أميركا أولاً" الذي قاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. لكن ما بدا واضحاً هو التسليم النهائي بانتقال مركز الثروة والقوة إلى الشرق الأقصى، وبالتالي الصراع على "أوراسيا". فالقرن الـ 20 كان "القرن الأميركي" والقرن الـ 21 الذي أريد له أن يبقى أميركياً، صار "القرن الباسيفيكي"، الصين واليابان وسواهما.

ولم يكن من المفاجآت أن يستبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حضور قمة "أوساكا" بحديث نشرته "فاينانشال تايمز" البريطانية ولقي ردود فعل قوية في الغرب. كان أبرز ما قاله الرئيس الروسي المتهم بأنه جعل بلاده "قوة ثأر" هو إن "الفكرة الليبرالية عاشت أكثر من عمرها وصارت متقادمة". ففي أميركا وأوروبا من لا يزال يرى أن النظام الليبرالي الديمقراطي العالمي الذي أقامته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية هو النظام الأنسب. وقوامه ثلاثة "ديمقراطية سياسية، حرية تجارة، وحكم القانون". وعلى العكس، فإن ترمب قرر الخروج على هذا النظام سياسياً وتجارياً. حتى وهو في "أوساكا"، انتقد التزام أميركا الدفاع عسكرياً عن اليابان منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، قائلًا "إذا هوجمت أميركا، فإن اليابانيين سيتفرجون على الحرب عبر أجهزة سوني". وليست الحرب التجارية مع الصين سوى واحدة من الجبهات التي فتحها ترمب مع الحلفاء والخصوم. وهذا ما عبّر عنه الدبلوماسي المخضرم وليم بيرنز، في كتاب "القناة الخلفية" بالقول إن "سياسة ترامب جعلت الدبلوماسية الأميركية همجية تركت أصدقاءنا مرتبكين مشوشين وخصومنا متجرئين، وأسس النظام العالمي الذي بنيناه وحافظنا عليه سبعة عقود، هشة".

لكن الباحثتين ميرا راب-هوبر وريبيكا فريدمان ليسنر قالتا في مقال نشرته "فورين أفيرز" إن "النظام العالمي الذي ساد بقيادة أميركا هو شذوذ تاريخي جاء خلال تركيبة من شروط وظروف ملائمة لا يمكن الحصول عليها ثانية، ولن يستعاد بعد رحيل ترمب".

والفارق بين اليوم وأيام الحرب الباردة أن الاتحاد السوفياتي كان خارج النظام الليبرالي العالمي في حين أن الصين وروسيا مشاركتان فيه، ولو ضمن التحديات الليبرالية. فضلاً عن أن الخروج عن الليبرالية صار موجة عالمية واسعة.

ففي استطلاع للرأي أجرته "بيو"، عبّر نصف الأميركيين عن اعتقادهم بأن هناك خطراً حقيقياً في أن تصبح أميركا بلداً سلطوياً غير ديمقراطي.

وإذا كان الصف الأول من خصوم الليبرالية يضم ترمب وبوتين وشي جينبينغ، الذي أثبت أنه تلميذ متفوق في مدرسة ماكيافيللي، فإن الصف الثاني يضم مروحة واسعة "أوربان في المجر، وأردوغان في تركيا، وكازينسكي في بولندا، ديوتيرتي في الفيليبين وسواهم". حتى الاقتصادي النمسوي الليبرالي فريدريك هايك، فقد قال عندما زار ديكتاتور تشيلي الجنرال بينوشه "ديكتاتور ليبرالي أفضل من حكومة ديمقراطية تنقصها الليبرالية".

ومن المفارقات أن العولمة قادت إلى تنامي الشعبوية والتطرّف اليميني والقومية والإتنية والقبلية حتى في أوروبا قبل أميركا. والمفارقة الأكبر أن هجوم اليسار على العولمة أخذ مكانه هجوم اليمين الشعبوي. فاليسار في العالم، رأى في العولمة "خدمة للامبريالية" والدول الصناعية السبع وعلى رأسها أميركا. وكانت قوى اليسار تجتمع كل عام في البرازيل في "منتدى اجتماعي" رداً على "المنتدى الاقتصادي العالمي" في "دافوس" السويسرية، الذي يحضره أهل السلطة والمال. أما اليوم، فإن من ينتقد العولمة هو ترمب واليمين المتطرف الأميركي والأوروبي، بحجة أن العولمة ضربت الطبقة الوسطى والطبقة العاملة في بلدان "المتروبول" وأفادت الشركات الكبرى وأطرافاً في البلدان التي تشكل "ريف العالم". حتى الرئيس الفرنسي ماكرون، فإنه يعتبر "القومية في الغرب أيديولوجية خطيرة وخيانة للوطنية."

إلا أن العولمة حدثت أكثر من مرة في التاريخ. ومن الصعب الخروج منها ما لم تتغير الظروف التي فرضتها. والارتداد عن الليبرالية ليس وصفة لتحسين أوضاع الدول والشعوب، وإن أفاد الحكام الجائعين إلى المال والسلطة. وليس غريباً في مثل هذه الحال من الارتباك السياسي والحروب الاقتصادية والوقوف على المفترق بين نظامين، أن نقرأ كتاباً جديداً عنوانه "شيوعية مترفة كاملة الأتمتة"، مؤلف الكتاب آرون باستاني يرى أننا في حاجة إلى "شيوعية مترفة"، لماذا؟

لأن هدف الرأسمالية هو "الفائدة" في حين أن الهدف يجب أن يكون خدمة "الشعب".

من عجائب أميركا المحافظة أن بين المرشحين الديمقراطيين للرئاسة ثلاثة لديهم برامج جريئة ويصفون نفسهم بأنهم "اشتراكيون".

المزيد من آراء