قطع الجنيه المصري خطوة جديدة نحو التحرير الكامل في مقابل الدولار الأميركي، إذ بلغ سعر صرف العملة المصرية نحو 23 جنيهاً في مقابل كل دولار في البنوك المحلية، سواء المملوكة للدولة أو الخاصة.
واختلف المحللون والمتخصصون في تقييم تحركات الجنيه المصري هبوطاً، وحول كونه تحريراً كاملاً أو مداراً يخضع لسيطرة البنك المركزي، في وقت اتفقوا على انخفاض مستمر في قيمة العملة المصرية.
وأعلنت القاهرة الخميس، 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء للحصول على تمويلات تصل قيمتها إلى نحو 9 مليارات دولار، بينها 3 مليارات دولار بشكل مباشر من الصندوق، إضافة إلى مليار دولار من صندوق الاستدانة التابع لصندوق النقد، و5 مليارات دولار من دول شريكة في التنمية ومؤسسات تمويلية مختلفة.
أمر متوقع
وتعقيباً على ما حدث ترى المتخصصة في أسواق المال المصرية رانيا يعقوب أن هبوط الجنيه المصري أمام نظيره الأميركي أمر متوقع، خصوصاً مع إنهاء الحكومة المصرية اتفاق القرض، موضحة أن "العلاقة بين الجنيه والدولار هبوطاً وصعوداً ستظل وفقاً لقوى العرض والطلب حتى نهاية الأسبوع المقبل".
وأرجعت يعقوب ذلك إلى حال الارتباك التي شهدتها الأجواء الاقتصادية اليوم، إذ تضمنت أحداثاً متتابعة بين تحريك أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس وهو ما يعادل اثنين في المئة، أو تعويم العملة المحلية بتحرير سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار، وأخيراً إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وتوقعت يعقوب أن تشهد أسعار السلع ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة المقبلة عقب قرار التعويم، لافتة إلى أن "الأسعار خلال الفترة الماضية كانت متضخمة بالفعل نظراً إلى أن المستوردين كانوا يعقدون صفقاتهم الآجلة بسعر الدولار الذي يتراوح بين 22 و24 جنيهاً في مقابل كل دولار".
وكانت تقارير لوكالة "بلومبيرغ" الأسبوع الماضي أشارت إلى أن سعر الدولار الأميركي قد يصل إلى مستوى 24 جنيهاً في مقابل كل دولار حال قيام القاهرة بتنفيذ تحرير كامل على أسعار الصرف.
تعويم مدار
من جانبها، قالت نائب رئيس بنك مصر السابق سهر الدماطي إن "إعلان البنك المركزي المصري سعر صرف مرن للعملة المصرية في مقابل العملات الأجنبية وفقاً لقوى العرض والطلب جاء نتيجة مطالبات المستثمرين والمتخصصين كأحد توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد هذا الأسبوع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت الدماطي أن "اتجاه البنك المركزي للتعامل بسعر صرف مرن بحسب العرض والطلب سيكون تحريراً مداراً يخضع لسيطرة البنك المركزي، لتجنب الآثار والصدمات التضخمية، إذ إنه يستهدف استقرار الأسعار"، معتبرة أن تحركات سعر الصرف اليوم "لا تعد تحريراً كاملاً"، ومشيرة إلى أن "ما يدعم ذلك هو رفع أسعار الفائدة بمقدار اثنين في المئة لمحاربة التضخم، ثم أعقبته البنوك الحكومية بإصدار شهادات ادخار بسعر فائدة 17.25 في المئة لكبح السيولة وتقديم دعم مالي غير مباشر لأصحاب شهادات الادخار، إذ يمثل أصحاب المعاشات والقطاع العائلي أبرز المستثمرين في تلك الشهادات".
وحرك البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار خمسة في المئة منذ مارس (آذار) الماضي خلال ثلاثة اجتماعات بدأت خلال جلسة استثنائية في الـ 21 من مارس برفع أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة، ثم قرار آخر في مايو (أيار) بتحريك قدره اثنين في المئة، ثم ثبتت مستويات الأسعار على مدى ثلاثة اجتماعات متتالية قبل أن يرفع أسعار الفائدة مجدداً اليوم الخميس لتصل مستويات أسعار الفائدة إلى 13.25 في المئة و14.25 في المئة و13.75 في المئة على الترتيب.
ووصلت مستويات التضخم في مصر إلى مستوى قياسي للمرة الأولى منذ عام 2018، بعدما سجلت في سبتمبر (أيلول) الماضي نحو 15 في المئة مقابل نحو 14.6 في المئة خلال أغسطس (آب).
زيادة سعر العائد على شهادات الادخار
وفي الأثناء أصدرت البنوك التابعة للحكومة شهادات ادخار لمدة ثلاث سنوات بعائد سنوي 17.25 في المئة، كما قررت لجنة الأصول والخصوم في البنك زيادة سعر العائد على الشهادة البلاتينية ذات العائد الشهري لتصبح بعائد 16 في المئة سنوياً بدلاً من 14 في المئة اعتباراً من اليوم للشهادات الجديدة أو المجددة تلقائياً، كما رفع بنك مصر اليوم الخميس سعر عائد إصدار شهادة القمة لمدة ثلاث سنوات بعائد سنوي 17.25 في المئة.
وفي غضون ذلك تراجعت العقود غير القابلة للتسليم للعملة المصرية لأجل ثلاثة أشهر بدرجة أكبر بعد أن التزمت الحكومة بنظام سعر صرف مرن في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وارتفعت أسعار العقود الآجلة للجنيه المصري غير القابلة للتسليم لأجل ثلاثة أشهر إلى ما فوق 25 جنيهاً في مقابل كل دولار، بينما لم يطرأ تغير يذكر اليوم على أسعار السندات الحكومية المصرية بالدولار وفقاً لـ "رويترز".
معدلات التضخم
من جهته، قال المتخصص في شؤون المصارف هاني أبو الفتوح إن "قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة، بمقدار 200 نقطة أساس كان خطوة مفاجئة وغير متوقعة خلال اجتماع استثنائي وفاجأ الأسواق والمحللين"، موضحاً أن "التوصيات أكدت مرونة سعر الصرف ليعكس ديناميكيات السوق من العرض والطلب كأداة لامتصاص الصدمات الخارجية، والعمل على تفعيل سوق المشتقات للعملة والعقود الآجلة كأداة تحوط ضد أخطار تذبذب سعر الصرف، وإصدار مؤشر للجنيه المصري مقوم ببعض العملات لأهم الشركاء التجاريين والذهب".
وتابع أبو الفتوح أن "معدل السيولة المحلية مرتفع، إذ بلغ حجم السيولة نحو 6.708 تريليون جنيه (289 مليار دولار) بنهاية يوليو (تموز) الماضي، إضافة إلى التوقعات باستمرار ارتفاع معدل التضخم عالمياً ومحلياً مع الآثار الثانوية لصدمات العرض"، مشيراً إلى أنه قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
ارتفاع أسعار السلع
من جهته، قال المحلل في أسواق المال المصرية وائل النحاس إن "أسعار الجنيه المصري في مقابل الدولار ستواصل الهبوط حتى تصل إلى نحو 27 جنيهاً في مقابل كل دولار"، موضحاً أن "قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار لن يلبي حاجات المستوردين والمستثمرين في السوق المحلية"، ومشيراً إلى أن "قيمة البضائع العالقة في الموانئ المصرية نتيجة شح الدولار وصلت إلى 20 مليار دولار".
وحول تأثير تراجع العملة ورفع أسعار الفائدة اليوم في الأسواق وأسعار السلع والمنتجات، قال النحاس إن "الأسواق المصرية تعتمد منذ أشهر على المخزون الاستراتيجي من السلع التي قاربت على النفاد نتيجة البضائع العالقة في الموانئ بسبب استمرار نظام الاعتمادات المستندية من قبل البنك المركزي، قبل أن يعلن تخفيف حدتها اليوم".
وفي مطلع مارس الماضي أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد والعمل بنظام الاعتماد المستندي بدلاً منها باستثناء 15 سلعة من السلع الأساس، مما خلق أزمة لدى المستوردين لعدم قدرتهم على توفير العملة الأجنبية.
وتسبب القرار في تكدس البضائع داخل الموانئ المصرية، وبدأت آثاره تنعكس على السوق المحلية، بخاصة في ما يتعلق بندرة بعض السلع واتجاه التجار إلى رفع أسعارها بنسب قياسية عبر القطاعات التجارية، قبل أن يعلن البنك المركزي اليوم تخفيف حدة القرار بعد إلغائه التدريجي للتعليمات الصادرة في الـ 13 من فبراير (شباط) 2022 والخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد حتى إتمام الإلغاء الكامل لها في ديسمبر 2022.
واستثنى "المركزي" في بيان رسمي الشحنات التي تصل قيمتها إلى 500 ألف دولار بدلاً من 5 آلاف دولار من قرار الاعتمادات المستندية.
وتعليقاً على ذلك قال سكرتير شعبة النقل الدولي واللوجستيات بالغرفة التجارية بالقاهرة عمرو السمدوني إن "قرار العمل بالاعتمادات المستندية حتى 500 ألف دولار بدلاً من 5 آلاف دولار سيؤدي إلى انفراجة كبيرة في خروج البضائع المكدسة في الموانئ وبالتالي تنشيط الأسواق".
وأضاف السمدوني أن "كل من لديه الآن حاوية أقل من 500 ألف دولار سيتمكن من إخراجها من الموانئ وطرحها في الأسواق"، مشيراً إلى أنه "كانت هناك حاويات بـ 10 آلاف دولار و50 ألف دولار معطلة ومخزنة في الموانئ نتيجة عدم فتح اعتماد مستندي لها، وبالتالي فكل بضاعة دون 500 ألف دولار ستخرج من الموانئ".
وحول الأسعار أوضح "قد تحدث زيادات في نتيجة ارتفاع سعر الصرف، لكن لن تكون بنسب كبيرة"، مؤكداً أن ارتفاع أسعار السلع خلال الفترة الماضية "لم يخضع لمعايير اقتصادية ولكن لجشع التجار".