وجه القضاء الإيراني الاتهام لأكثر من 300 شخص في طهران بسبب الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ وفاة الشابة مهسا أميني، ويواجه أربعة منهم تهماً قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وفق الإعلام المحلي.
وأفاد المدعي العام لطهران علي صالحي بصدور لائحة الاتهام بحق 315 شخصاً، تشمل "التواطؤ ضد أمن البلاد" و"الدعاية ضد النظام" و"الإخلال بالنظام العام"، وفق ما نقل عنه موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية.
وأشار إلى صدور أربع لوائح اتهام بحق "أربعة من مثيري الشغب بتهمة المحاربة" التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وأوضح صالحي أن الأربعة متهمون "بحمل سلاح لترهيب المجتمع والناس، وجرح عناصر من قوات الأمن، وإضرام النيران في الممتلكات العامة وتدميرها بنية الإخلال بأمن البلاد، ومواجهة النظام المقدس للجمهورية الإيرانية".
من جهته أكد رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي أن مسار متابعة القضايا المرتبطة بالاحتجاجات "قد بدأ"، وفق ما نقل عنه "ميزان أونلاين".
وأكد أن "محاكمة الذين ارتكبوا جرائم وارتبطوا بأفراد مناهضين للثورة داخل البلاد وخارجها والأجانب ستجري بعناية، وستتم معاقبة هؤلاء الأشخاص وفق القانون".
وكانت السلطة القضائية أعلنت في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي توجيه الاتهام إلى أكثر من 100 شخص من "مثيري الشغب" على خلفية الاحتجاجات في طهران ومحافظة هرمزكان جنوب البلاد.
وأفاد "ميزان أونلاين" هذا الشهر بأن القضاة تلقوا تعليمات بعدم التساهل في الأحكام التي سيصدرونها بحق من يظهر أنهم "العناصر الأساسيون للشغب".
وذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية أن إيران ألقت القبض على عشرة "عملاء يعملون لحساب إسرائيل" في غرب أذربيجان. وقالت الوكالة من دون الخوض في تفاصيل "أضرموا النار في سيارات أشخاص مرتبطين بالأجهزة الأمنية ومنازلهم وتلقوا أموالاً مقابل التقاط صور أرسلوها لضباط الموساد".
ومع استمرار الانتفاضة الإيرانية شهدت معظم المدارس في إيران، الأحد، إضراباً عاماً للمعلمين، تنديدا بعمليات القتل في الأسابيع الماضية خاصة استهداف التلاميذ.
في هذا الإضراب الذي يستمر ليومين، والذي بدأ بدعوة من المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين، يعتصم المعلمون في المدارس ويمتنعون عن دخول الفصول الدراسية.
وأفادت شبكة "إيران إنترناشيونال"، أن الاعتصام شمل مدن سقز، وكامياران، ومريوان، وحمل المعلمون لافتات كتب عليها: "لا تجعلوا المدرسة معسكرا"، و"مكان التلميذ ليس في السجن"، و"لا لسجن المعلمين".
وطلب المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين الإيرانيين من أولياء الأمور مرافقة أبنائهم إلى المدارس خلال هذين اليومين، أو عدم إرسالهم من الأساس.
تظاهرات في واشنطن
في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات في إيران، تشهد عواصم عدة تحركات تضامنية. فقد شارك آلاف الأشخاص بينهم كثير من الإيرانيين والإيرانيات في مسيرة بالعاصمة الأميركية واشنطن، السبت 22 أكتوبر (تشرين الأول)، دعماً للاحتجاجات في إيران وساروا وصولاً إلى البيت الأبيض حاملين شعار "نساء حياة حرية".
وانطلقت المسيرة في نهاية فترة بعد الظهر من ناشيونال مول وهي ساحة كبيرة في وسط المدينة، وتوجهت حاملة ألوان العلم الإيراني تحت أشعة الشمس نحو البيت الأبيض وردد المشاركون فيها "نريد الحرية" و"العدالة لإيران".
وقال سياماك أرام أحد المنظمين لوكالة الصحافة الفرنسية "هذا الاحتجاج الأسبوعي الخامس الذي نقوم به في واشنطن وأعتقد أنه الأكبر"، مرجحاً أن يكون عدد المشاركين "أكثر من 10 آلاف شخص".
وانتقل بعض المتظاهرين من مدن أميركية أخرى مثل بوسطن.
وقالت مهشِد (28 عاماً) التي ارتدت قميصاً أخضر "ساعدوا في تحرير إيران". وأضافت المهندسة الشابة التي غادرت إيران قبل ثلاث سنوات ولم ترغب مثل كثيرين في كشف اسمها الكامل لأن عائلتها لا تزال في البلاد "لم نعد نريد هذا النظام المستبد الذي يمنعنا من الاستفادة من حقوقنا الإنسانية ومن حريتنا".
وعلى لافتة تحملها شابة أخرى، عُلقت خصلة شعر إلى جانب عبارة "شعرنا قد يزعجكم لكن عقلنا سينهيكم".
برلين تتضامن
كذلك، شهدت العاصمة الألمانية السبت مسيرة شارك فيها نحو 80 ألف شخص دعماً للاحتجاجات الإيرانية، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الشرطة وكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت وزيرة الأسرة الألمانية ليزا باوس عبر "تويتر"، "اليوم يظهر الآلاف تضامنهم مع النساء الشجاعات والمحتجين في إيران". وأضافت "نحن إلى جانبكم".
ومن بين المشاركين في هذه التظاهرة التي نظمتها مجموعة من النساء، لوح البعض بملصقات كتب عليها "نساء، حياة، حرية"، فيما رفع الآخر أعلاماً كردية.
وسار المتظاهرون في قلب المدينة بهدوء تحت الشمس، وفقاً للشرطة التي أحصت عدد المتظاهرين من على متن مروحية.
منذ أكثر من شهر، تشهد إيران احتجاجات واسعة النطاق أشعلتها وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد توقيفها، وفقاً لمنظمات غير حكومية.
وتوفيت مهسا أميني عن 22 عاماً بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية، التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وأدت حملة قمع الاحتجاجات، التي تعد الأوسع منذ تلك التي شهدتها إيران في عام 2019 على ارتفاع أسعار الوقود، إلى مقتل 122 شخصاً على الأقل بينهم أطفال، وفق منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ في أوسلو مقراً.
قراصنة يخترقون شركة طاقة ذرية
وفي السياق، أعلنت مجموعة قراصنة إلكترونية، السبت، أنها تمكنت من اختراق صناديق البريد الإلكتروني لشركة إنتاج وتنمية الطاقة الذرية في إيران.
وذكرت مجموعة "بلك ريفارد"، على حسابها على "تويتر"، أنها تمهل المسؤولين الإيرانيين يوماً واحداً لإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي والمحتجين وهددت بنشر محتوى الرسائل الإلكترونية لهذه المؤسسة المعنية بالبرنامج النووي المثير للجدل.
وأكدت المجموعة أن المعلومات التي حصلت عليها تؤثر بشكل كبير في المشروع النووي الإيراني.
وكانت "بلاك ريفارد" اخترقت صناديق البريد الإلكتروني للتلفزيون الحكومي "بيرس تي في" ونشرت كثيراً منها.
تظاهرات وإضرابات مستمرة
نفذ تجار وعمال في مدن إيرانية عدة إضراباً، السبت، فيما دعا ناشطون إلى تظاهرات جديدة، السبت، وهو اليوم الأول من الأسبوع في إيران، لكن من الصعب تقييم حجم هذه التحركات بسبب القيود التي تفرضها السلطات على الوصول إلى الإنترنت.
وقالت الناشطة أتينا دائمي في رسالة عبر "تويتر" مرفقة بصورة امرأة من دون حجاب ترفع قبضتها "السبت، سنكون معاً من أجل الحرية".
ووفق قناة "1500 تصوير"، فقد "نفذت إضرابات في مدن من بينها سنندج وبوكان وسقز"، وهذه الأخيرة مسقط رأس مهسا أميني.
وأشارت منظمة "هينغاو" الحقوقية ومقرها النرويج إلى إضراب للتجار في بوكان (شمال شرق) وسنندج وسقز (شمال غرب)، وأيضاً في مريوان (غرب).
تفاعل طلابي
وفي أماكن أخرى، صفق عشرات الطلاب وهتفوا خلال تظاهرة بجامعة شهيد بهشتي في طهران، بحسب ما أظهر مقطع فيديو نشرته قناة "1500 تصوير" على "تويتر" السبت.
وتجمع عشرات العمال أمام مصنع شوكولاتة في مدينة تبريز عاصمة إقليم أذربيجان شرقاً، وفق مقاطع فيديو أخرى لم يتسن لوكالة الصحافة الفرنسية التحقق منها على الفور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذه الأثناء، دعت إحدى نقابات المعلمين إلى إضراب وطني الأحد والإثنين للتنديد بحملة القمع التي أودت بحياة 23 طفلاً على الأقل، وفق منظمة العفو الدولية.
وقال المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين الإيرانيين، في بيان، إن "الاعتصام" سيكون رداً على "القمع المنهجي" الذي تمارسه القوات الأمنية المدارس، وعدد أسماء أربعة مراهقين قال إنهم قتلوا خلال حملة القمع، وهم نيكا شاهكرامي وسارينا إسماعيل زادة وأبو الفضل دين زادة وأسرا بناهي، كذلك أشار إلى توقيف عدد كبير من المعلمين.
وقال المجلس التنسيقي "المعلمون الإيرانيون لن يتسامحوا مع هذا الاستبداد"، مجدداً دعمه حركة الاحتجاج.
اعتقالات جماعية
في غضون ذلك، اتهم ناشطون السلطات الإيرانية بشن حملة اعتقالات جماعية وحظر سفر، وتضم القائمة رياضيين وصحافيين ومحامين ومشاهير.
الجمعة، شكرت المتسلقة الإيرانية إلناز ركابي مؤيديها بعد الاستقبال الترحيبي الذي لقيته لدى عودتها إلى طهران الأربعاء، بعد مشاركتها من دون حجاب في مسابقة أقيمت بكوريا الجنوبية.
وكانت قناتا "بي بي فارسي" و"إيران إنترناشيونال" قد أفادتا بأن ركابي وضعت قيد الإقامة الجبرية لدى عودتها إلى إيران.
واكتفت ركابي في المنافسات النهائية لمسابقة آسيوية، الأحد، بوضع عصبة على الرأس، في خطوة فسرت على أنها تأييد للاحتجاجات التي تشهدها إيران.
وعادت ركابي (33 سنة)، فجر الأربعاء، إلى مطار الإمام الخميني الدولي في طهران، حيث تجمع العشرات خارج المبنى مرحبين بها بالتصفيق والهتافات.
وأعربت منظمات حقوقية خارج إيران عن قلقها بشأن سلامة ركابي بعد عودتها.
وكانت ركابي قالت في تصريحات للإعلام الرسمي الإيراني بعيد عودتها، إن عدم وضعها للحجاب حصل عن طريق الخطأ، متوجهة باعتذار "إلى شعب إيران بسبب التوترات التي خلقتها".
والجمعة، دعا مركز حقوق الإنسان في إيران الذي يتخذ في نيويورك مقراً، "الاتحاد الدولي لرياضة التسلق" إلى القيام بمزيد لحمايتها.
الحرس الثوري يهدد
اتهم الحرس الثوري الإيراني رجل دين سنياً بالتحريض ضد الجمهورية الإسلامية، وحذره من أن ذلك قد يكلفه ثمناً باهظاً، بعد أن قال الداعية إن مسؤولين بينهم الزعيم الأعلى يتحملون المسؤولية عن مقتل العشرات في مدينة زاهدان الشهر الماضي.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن قوات الأمن قتلت 66 على الأقل في حملة قمع أعقبت صلاة الجمعة في زاهدان، جنوب شرقي البلاد يوم 30 سبتمبر (أيلول)، في أحد أعنف الاضطرابات خلال خمسة أسابيع من الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة مهسا أميني.
وقال مولاي عبدالحميد رجل الدين السني البارز في زاهدان، خلال خطبة الجمعة أمس، إن مسؤولين من بينهم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أكبر مسؤولي الدولة ذات الأغلبية الشيعية، مسؤولون أمام الله عن القتلى الذين سقطوا يوم 30 سبتمبر.
"يكلفك ثمناً باهظاً"
وأفاد بيان مقتضب على موقع "سباه نيوز" الإخباري الرسمي للحرس الثوري "السيد عبدالحميد، تشجيع الشباب وتحريضهم ضد جمهورية إيران الإسلامية المقدسة قد يكلفك ثمناً باهظاً، هذا هو التحذير الأخير".
وشكلت الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة أميني، وهي كردية إيرانية توفيت عن عمر (22 سنة) بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها بسبب "ملابسها غير اللائقة"، أحد أكثر التحديات جرأة التي تواجه سلطات الجمهورية الإسلامية منذ ثورة 1979.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لا تبدو على وشك إطاحة الحكومة، فقد اجتاحت الاضطرابات البلاد بأكملها بما في ذلك المناطق التي تضم أقليات عرقية لديها مظالم طويلة الأمد لدى الحكومة.
وزاهدان هي عاصمة إقليم سيستان-بلوشستان المضطرب جنوب شرقي إيران الواقع على الحدود مع باكستان وأفغانستان، وهو معقل أقلية البلوش العرقية.
وذكرت وسائل إعلام رسمية وقت أحداث العنف في 30 سبتمبر أن "مسلحين مجهولين" فتحوا النار على مركز للشرطة، مما دفع قوات الأمن إلى الرد بإطلاق النار.
وقال الحرس الثوري، إن خمسة من أفراده ومن متطوعي قوة الباسيج قتلوا خلال عنف 30 سبتمبر، وألقت السلطات باللوم على جماعة بلوشية متشددة، ولم تعلن هذه الجماعة ولا أي فصيل آخر الضلوع في العنف.
مزيد من الاحتجاجات
أفادت وكالة الجمهورية الإسلامية الرسمية (إرنا)، السبت، بأنه بعد اندلاع الاحتجاجات مجدداً في زاهدان، يوم الجمعة، قال نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية ماجد مير أحمدي إن الهدوء عاد. أضاف أن "150 مخرباً هاجموا ممتلكات عامة، بل ومحلات يمتلكها سنة".
ونقلت "إرنا" عن قائد الشرطة الإقليمي أحمد طاهري، أمس الجمعة، أن الشرطة اعتقلت 57 من "مثيري الشغب" على الأقل بعد أن ألقى متظاهرون الحجارة وهاجموا البنوك في مدينة زاهدان.
وقال التلفزيون الرسمي، إن ما يصل إلى 300 محتج شاركوا في مسيرة بالمدينة بعد صلاة الجمعة، وأظهرت لقطات التلفزيون بنوكاً ومتاجر محطمة النوافذ.
ووصف رجل الدين السني عبدالحميد سقوط القتلى في 30 سبتمبر بأنه مذبحة، قائلاً إنه تم إطلاق أعيرة نارية على الرؤوس والصدور.
وقال في خطبة نشرت على موقعه على الإنترنت "قتل العشرات هنا، ليس لدي العدد الدقيق، تحدث البعض عن 90. وقال البعض إن العدد أقل من ذلك، والبعض يقول إنه أكثر".
الحكومة تمارس التمييز
وتقول منظمات حقوقية، إن الحكومة مارست التمييز منذ فترة طويلة ضد الأقليات العرقية، ومن بينها الأكراد الذين احتدمت الاضطرابات في منطقتهم بشكل خاص منذ وفاة أميني.
وتنفي الدولة اتهامات التمييز، وألقت إيران اللوم في الاضطرابات على من قالت إنهم مجموعة من الأعداء من بينهم انفصاليون مسلحون، وهاجم الحرس الثوري قواعد لجماعات كردية إيرانية مسلحة في العراق.
وسعى المحتجون إلى تأكيد الوحدة الوطنية بهتافات تعبر عن التضامن بين العرقيات المختلفة.
وأفادت منظمة "هينجاو" الحقوقية بأن أصحاب المتاجر بدأوا إضراباً اليوم السبت في سنندج عاصمة إقليم كردستان الإيراني وفي سقز، مسقط رأس أميني، إضافة إلى مدينة بوكان شمال غربي البلاد.
وقالت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، أمس الجمعة، إن أكثر من 244 محتجاً قتلوا خلال الاحتجاجات على مستوى البلاد، من بينهم 32 قاصراً. وأفاد التلفزيون الرسمي بأن ما لا يقل عن 26 فرداً من قوات الأمن قتلوا خلال الاضطرابات.