لن تكون الجلسة التالية المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان حاسمة، وقد يتكرر مشهد تطيير النصاب في دورة الاقتراع الثانية مع دخول المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الأيام الـ 10 الأخيرة قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في الـ 31 من أكتوبر (تشرين الأول).
حتى الآن لم تنجح كل المحاولات في الاتفاق على اسم يمكن أن يؤمن 86 صوتاً خلال الدورة الأولى أو 65 صوتاً في الدورة الثانية التي تحتاج أيضاً إلى حضور ثلثي أعضاء المجلس لتكون دستورية، فالمعارضة المؤلفة من "أحزاب سيادية" و"مستقلين" و"تغييريين" لا تزال معارضات، وهي فشلت في توحيد الموقف وانقسمت بين كتلة صوتت للنائب ميشال معوض وكتلة اقترعت بورقة كتب عليها "لبنان"، وكتلة ثالثة تطلق على نفسها تسمية "كتلة التغييريين" اختارت التصويت لسليم إده رغماً عنه، أما "حزب الله" الذي تتحدث أوساطه عن شغور رئاسي قد يمتد إلى مارس (آذار) المقبل، فلا يزال يختبئ خلف الورقة البيضاء لعدم تمكنه من جمع حليفيه اللدودين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية المتنافسين على رئاسة الجمهورية.
ويراهن الحزب على الوقت لإيصال مرشح قريب منه يحظى أيضاً برضى باسيل، ويمكن أن يؤمن دعم الـ 65 نائباً. وسط هذه المعادلة السلبية التي تفرض عدم قدرة أي فريق على تأمين نصاب الجلسة المطلوب لانتخاب الرئيس، برز كلام عن تشكيل "كتلة وسطية" تجمع نواب "كتلة الاعتدال" ذات الأغلبية السنيّة مع "التغييريين" أو "النواب الجدد"، هدفها المعلن خلق حال وسطية تنتهي بانتخاب "رئيس صنع في لبنان"، فيما يسعى أعضاؤها إلى تحسين شروطهم في المفاوضات لتصبح كتلتهم الوسطية التي قد يتراوح عددها بين 26 و30 نائباً كما يقولون، إلى حاجة مشتركة للفريقين المتنافسين لتأمين النصاب، فريق "الورقة البيضاء" المتمثل في "حزب الله" وحلفائه، وفريق المرشح الرئاسي النائب ميشال معوض المتمثل في أحزاب "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"التقدمي الاشتراكي".
لماذا الكتلة الوسطية؟
إذا نجحت الاتصالات بين نواب التغيير و"كتلة الاعتدال" ومعهم النواب الذين اقترعوا بورقة كتب عليها "لبنان"، يصبح المجلس النيابي منقسماً بين كتل ثلاث، احتمال الاتفاق بين اثنتين منها لتأمين النصاب يبقى رهن تخطي كل فريق منهما حساباته الضيقة للمصلحة الوطنية. ونفى عضو "كتلة الاعتدال" النائب سجيع عطية أن تكون "الكتلة الوسطية المنوي إنشاؤها موجهة ضد الكتل الحزبية السيادية، وأن الهدف ليس قيام جبهة ثالثة أو التسبب بشرذمة إضافية بقدر ما هو خلق حوار داخلي بدلاً من انتظار التسويات وكلمة السر من الخارج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عطية أن "كتلة الاعتدال التقت مع التغييريين على خلق مساحة مشتركة يمكن أن تلتقي فيها المجموعتان الكبيرتان، أي مجموعة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" وحلفاؤهم من جهة، والمجموعة السيادية التي تضم أحزاب "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الأحرار" و"التقدمي الاشتراكي" من جهة أخرى، على مرشح يكون موضع قبول من الطرفين مع الحفاظ على عناوين السيادة والإصلاح"، فالهدف يقول عطية لـ "اندبندنت عربية"، هو "خلق حال وسطية تنتهي برئيس صنع في لبنان، خصوصاً أن القانون يحكمنا بالتوافق وبأن انتخاب الرئيس لا يمكن أن يتم إلا بنصاب 86 نائباً في الدورتين".
يذكر أنه خلال الاجتماع الذي عقد بعد جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة في الـ 13 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي والتي لم تحصل بسبب تطيير النصاب، شارك 12 نائباً من نواب الاعتدال والتغييريين وحصل اتفاق على العناوين الأساس التي يجب أن يلتقي حولها أي مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، ومنها الانفتاح على الدول العربية والمجتمع الدولي والأمن والسيادة واستكمال تطبيق "اتفاق الطائف" ومعالجة ملف النازحين السوريين وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وحول هذه العناوين قال النائب عطية "ستسعى اللجنة المصغرة التي انبثقت عن الاجتماع الموسع إلى توسيع الكتلة الوسطية لتشمل النواب السنّة المستقلين وربما أحزاباً سيادية"، معتبراً أن "لقاءات جس النبض حتى الآن والتي ستستكمل قبل الخميس، موعد جلسة انتخاب الرئيس، كانت كلها إيجابية"، معبراً عن التفاؤل بأن يصل عدد النواب في الكتلة الوسطية إلى 30 نائباً، بحيث تضم النواب الـ 10 الذين صوتوا بورقة كتب عليها لبنان، ومن بينهم كتلة نواب صيدا والتغييريين الـ 13 ونواب مستقلون من بينهم نائبا "اللقاء المستقل" نبيل بدر وعماد الحوت، كاشفاً عن أن "التواصل مع حزب الكتائب قطع شوطاً كبيراً، وستتكثف اللقاءات قبل الخميس موعد الجلسة، لتشمل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"كتلة التنمية والتحرير" (كتلة حركة أمل)".
لا اتفاق قبل الخميس
ويلتقي النائب التغييري مارك ضو مع زميله عطية في أن "تأمين نصاب الـ 86 نائباً لانعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يحتم التوافق"، وشدد ضو لـ "اندبندنت عربية" على "أهمية مبادرتهم المشتركة في خلق كتلة وسطية قادرة على أن تكون قوة دفع أساس لإنجاز الاستحقاق، ولكن حول برنامج سياسي واضح وأسماء مناسبة".
وقال ضو إن "الهدف هو الوصول إلى رئيس يرضي السياديين و ’حزب الله‘ لتجنب العودة لسيناريو عام 2014 حين استمر الشغور الرئاسي حتى العام 2016".
ورفض ضو كما عطية، تصوير الأمر وكأنه موجه ضد أحد، مؤكداً أن "نواب التغيير يلتقون مع ’القوات اللبنانية‘ و ’الكتائب‘ و ’الحزب التقدمي الاشتراكي‘ على الاستراتيجية السياسية، لكنهم يختلفون معهم حول استراتيجية انتخاب الرئيس"، ملمحاً إلى أن مواقفهم من العناوين السياسية مثل "الطائف" والسيادة والأمن معروفة وقريبة من النواب السياديين.
وجزم عضو كتلة التغيير بأن النواب الـ 26 للكتلة الوسطية لن يذهبوا باتجاه الـ 40 نائباً الذين يجمعون على ترشيح النائب ميشال معوض، لكنه أكد أيضاً أنهم لن يسهموا في تأمين النصاب الذي يحتاجه فريق "حزب الله" المؤلف من 60 نائباً.
واستبعد ضو أن تثمر الاتصالات لتشكيل الكتلة الوسطية قبل الخميس، كاشفاً عن أن "لقاء الإثنين مع نواب الاعتدال سيخصص للبحث في باقي التفاصيل المتعلقة بالمشروع السياسي لأي مرشح قبل وضع سلة أسماء يمكن عرضها على باقي الكتل".
وأكد ضو استعداد "النواب التغييريين" للنزول إلى المجلس النيابي في أية لحظة بعد الـ 21 من الشهر الحالي، إذ سيصبح المجلس هيئة ناخبة، أما إذا كان المرشح المطروح "مرشح تحد" فتعطيل النصاب خيار وارد لدى "التغييريين".
في مقلب السياديين
وفي انتظار معرفة ما إذا كانت جلسة الخميس المقبل ستشهد ولادة كتلة جديدة وسطية قد لا تترجم بالاقتراع لمرشح واحد بل بورقة موحدة وعبارة لها رمزيتها كـ "لبنان" أو "17 تشرين"، يبقى موقف النواب السنّة المستقلين والمقرر عددهم بثمانية، المؤشر الأساس لمدى قابلية هذه الكتلة وقدرتها على استرجاع المبادرة من الأحزاب السيادية داخل المعارضة، وفي أي حال فإن تكتل "القوات اللبنانية" و"الاشتراكي" و"الكتائب" و"الأحرار" و"التجدد" ذاهب نحو انتخاب النائب ميشال معوض خلال الجلسة المقررة في الـ 20 من الشهر الحالي.
وكشف نائب رئيس "حزب الكتائب" النائب سليم الصايغ لـ "اندبندنت عربية" أن "كتلة الكتائب ستصوت لمعوض خلال الجلسة المقبلة، وكل كلام عن انضمام الكتلة إلى كتلة وسطية هو محض اجتهادات".
وأضاف الصايغ أن "الكلام عن الكتلة الوسطية ليس جديداً"، كاشفاً عن محاولة حثيثة بين المستقلين ونواب الاعتدال وبعض النواب السنّة للانتظام في كتلة وسطية، نافياً علمه بالموقف النهائي لكتلة النواب الـ 13 المعروفة بـ "كتلة التغييريين" من هذا الأمر.
وبحسب النائب الكتائبي "فلا قيمة للكتلة الوسطية إن لم تحصد بعض التأييد من الجهة المقابلة" أي في مقلب "حزب الله" وحلفائه، معتبراً أن "بقاء هكذا كتلة ضمن خط المعارضة لن يؤدي إلا إلى التجزئة".
من جهته، أكد نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان أن كتلة الجمهورية القوية (كتلة حزب القوات) ستشارك الخميس المقبل في جلسة انتخاب الرئيس، وستصوت لمرشحها النائب ميشال معوض.
وفي تعليق على تشكيل كتلة وسطية اكتفى عدوان بالقول لـ "اندبندنت عربية" إن "أي عمل يفتت المعارضة سيصب في خانة الممانعة والمنظومة السياسية الحالية ويكون صاحبه من حيث يدري أو لا يدري يخدم استمرارية الأزمة الحالية، والمشهد المتوقع في مجلس النواب المنقسم إلى ثلاث مجموعات لا يخدم إلا فريق الممانعة المتمثل في ’حزب الله‘ وحلفائه".