يعتقد علماء أنهم اكتشفوا عملية كيماوية أساسية أسهمت في بدء الحياة على كوكبنا الأرض، مع ملاحظة أنها تجري كلها داخل قطرات الماء.
لطالما ساد الافتراض بأن الحياة نشأت أول الأمر في المحيط، ولكن لم يكن معروفاً كيف يمكن أن تكون "الجزيئات البدائية" التي نقلتها كويكبات إلى الأرض على شكل أحماض أمينية أولية [بروتينات أساسية تدخل في تركيب الجينات]، قد خضعت للتفاعلات المعقدة اللازمة لتكوين البروتينات.
وبصورة عامة، ينظر إلى الحياة بوصفها مرهونة بتكوين البروتينات [بما في ذلك تلك التي تكون الجينات وتراكيبها وجزيئاتها]، لكن الطريقة المحددة التي تشكلت بها تلك الجزيئات للمرة الأولى بشكل وفير، بقيت لغزاً غامضاً لم يحله المتخصصون في الكيمياء.
ومرد ذلك أن الماء شرط لازم لحدوث التفاعل الكيماوي المفضي إلى تكون البروتينات الأساسية من نوع "ببتايد"، التي تعمل على تخليق سلاسل الأحماض الأمينية اللازمة لتشكيل البروتينات [بما في ذلك تلك التي تدخل في تكوين الجينات]، ثم الكائنات الحية. في المقابل، يتطلب ذلك التفاعل أيضاً فقدان جزيء ماء، وهو أمر اعتقد العلماء سابقاً أنه صعب التحقق في عالم تغطيه البحار إلى حد كبير.
ولكن الآن، فقد عولج هذا اللغز للمرة الأولى في بحث نهض به علماء أميركيون، يرون أن الأماكن التي لا يكون فيها "الماء مجرد رطوبة"، وفق توصيفهم، هي التي شهدت حدوث ذلك التفاعل. ويقصد من ذلك أن الأماكن التي تلتقي فيها المياه السائلة بالغلاف الجوي، كقطرات الماء التي تكون على شكل رذاذ آت من مياه المحيطات، توفر الظروف المثالية لحدوث تلك التفاعلات الكيماوية الحيوية.
في ذلك الصدد، ذكر غراهام كوكس، من "جامعة بيردو" بولاية إنديانا في الولايات المتحدة، إن "هذه هي أساساً الكيمياء الكامنة وراء أصل الحياة". ووصف كوكس البحث المشار إليه آنفاً بأنه "الدليل الأول على أن قطرات الماء النقي تستضيف الجزيئات الأولية، أي الأحماض الأمينية [البروتينية] البسيطة، تشكل تلقائياً التراكيب التي تسمى "ببتايد" وهي تمثل اللبنات الأساسية للحياة. إنه اكتشاف مدهش". ويشرح الدكتور كوكس أن "المياه لا تكون مجرد رطوبة في كل مكان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على أطراف عالمنا المائي، إذ تلتقي قطرات الماء بالغلاف الجوي، "يمكن أن تحدث تفاعلات سريعة بشكل لا يصدق"، وفق فريق البحاثة، فتتحول الأحماض البروتينية الأمينية إلى المكونات الأساسية للحياة [أي الجينات].
وأوضح كوكس أن "الأماكن التي يتطاير فيها رذاذ البحر في الهواء وتضرب الأمواج الأرض، أو حيث تتدفق المياه العذبة على منحدر، شكلت مساحات طبيعية خصبة لنشوء محتمل للحياة".
أمضى الفريق في "جامعة بيردو" ما يربو على 10 سنوات في استخدام أجهزة قياس الطيف الكتلي mass spectrometers [تقنية تحليلية تحدد حجم كتل العناصر المكونة لمادة أو جزيء ما وتستخدم كذلك لتوضيح البنى الكيماوية للجزيئات مثل الببتيدات وغيرها]، بغرض دراسة تفاعلات كيماوية تشهدها قطرات تحتوي على ماء.
في الواقع، تكون "معدلات التفاعلات في القطرات أسرع بين 100 ومليون مرة مقارنة مع المواد الكيماوية نفسها التي تتفاعل في كتلة سائلة"، وفق الدكتور كوكس.
وبحسب العلماء، فمن شأن اكتشافهم أن يقود أيضاً إلى الإسراع في تطوير عقاقير لعلاج أشد الأمراض المنهكة المدمرة لصحة الإنسان.
ويشير الدكتور كوكس إلى المجهود المضني الذي يبذله العلماء، "امش في حرم أكاديمي في الليل، وستجد مبان مضاءة. هناك، يعمل الكيميائيون الصناعيون. وتسير تجاربهم بوتيرة بطيئة جداً إلى حد أنها تستمر لأيام أو أسابيع في كل مرة. هذا ليس مهماً. وباستخدام كيمياء القطرات، ابتكرنا جهازاً يستخدم الآن في "جامعة بيردو"، بغية تسريع تصنيع مواد كيماوية وعقاقير محتملة جديدة".
وفي ذلك الصدد، أشار فريق الباحثين نفسه إلى أن النتائج التي توصلوا إليها ستساعد أيضاً في تقديم معلومات للعلماء ممن يبحثون عما إذا كانت الحياة يمكن أن تتشكل على كواكب وأقمار أخرى.
نشر البحث في مجلة "بروسيدينغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" Proceedings of the National Academy of Sciences (سجلات الأكاديمية الوطنية للعلوم).
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 08 أكتوبر 2022
© The Independent