يتلقى الإنتاج الزراعي ضربات موجعة عدة، من الجفاف والتغير المناخي وندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة وصولاً إلى وباء الكوليرا ما يزيد التخبط الذي يعيشه المزارعون سوءاً لا سيما في شمال سوريا مع تسجيل إصابات محدودة في مدن عدة كالعاصمة دمشق جنوباً واللاذقية.
تزايد الوفيات
ولم تسجل سوريا إصابات بمرض الكوليرا رسمياً إلا في عام 2009 بمحافظتي الرقة ودير الزور، شمال شرقي البلاد، وتعزو السلطات الصحية والمنظمات المختصة بالصحة ظهوره مجدداً إلى أسباب عدة في مقدمها المياه الملوثة التي تستخدم في ري المحاصيل الزراعية أو بسبب تهالك البنية التحتية لشبكات الصرف الصحي والمياه على حد سواء فضلاً عن دمار جزء كبير منها واعتماد الأهالي على مياه شرب مجهولة المصدر.
وفي آخر إحصائية لوزارة الصحة السورية، كشفت عن العدد الإجمالي التراكمي للإصابات المثبتة بالاختبار السريع وبلغ 594 مصاباً على الأقل، وتوزعت الخريطة الجغرافية للإصابات بين حلب (386 إصابة)، ودير الزور (84 إصابة)، والحسكة (45 إصابة)، والرقة (26 إصابة)، واللاذقية (21 إصابة)، وتتمدد الإصابات في محافظات جديدة جنوب البلاد لا سيما في السويداء والقنيطرة.
كما بلغ عدد الوفيات التراكمي ما لا يقل عن 39 حتى الثلاثاء الرابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقال مصدر في وزارة الصحة السورية إن "معظم الوفيات ناتجة عن تأخر في طلب المشورة الطبية المبكرة أو لأشخاص يعانون من أمراض مزمنة".
أضرار بالغة
في غضون ذلك، يتخوف القطاع الزراعي من تداعيات هذا الوباء، لا سيما مع تدني خط البيان التجاري لبلد طالما اعتمد على الزراعة بجزء كبير من اقتصاده، وقرع مصدرو الخضار والفواكه ناقوس الخطر، وقلص الأردن من حجم استقباله الشحنات المحملة بالخضار، واقتصرت البضائع على الأطعمة المعلبة، وتشير المعلومات الواردة من معبر نصيب الحدودي إلى إخضاع المنتجات الزراعية لفحوصات عدة إذ تعد عمان بلد عبور نحو منطقة الخليج العربي، ما سيؤدي إلى إحداث شلل في حجم تصدير المنتجات الزراعية السورية، وتدني مستوى التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل إلى 150 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري.
وقال أحد مصدري المنتجات الزراعية جاسم حاج حمدان من مدينة درعا، جنوب سوريا، "الخسائر كبيرة جداً، فالمزارع تحمل أعباء موسم كامل من الري في مياه الينابيع الحلوة، أو من الآبار الارتوازية، في موازاة الوقت الذي استخدمه المزارع الذي استعان بالمياه الملوثة لري محاصيله، فضلاً عن أعباء ستزداد حدة مع زيادة نفقات التخزين وأعباء الشحن والتوقف على الحدود وإجراءات الفحوص وغيرها".
كذلك، فإن العزوف عن تناول الخضار الطازجة مثل البقدونس والنعناع والملوخية والبقلوليات الخضراء وغيرها، أدى إلى ندرة توافرها بالأسواق مع التشدد بمراقبة انتشارها الأمر الذي استغله عدد من التجار لرفع أسعارها أضعافاً.
شح المياه والتلوث
في غضون ذلك، يتخوف المزارعون على امتداد الأراضي في الشمال السوري بشقيه الغربي والشرقي من جفاف نهر الفرات من جهة، ونضوب الآبار والأنهار من جهة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزداد الأوضاع الزراعية صعوبة أيضاً، إذ إنه وقبل تفشي وباء الكوليرا، وبسبب قلة الأمطار وانخفاض منسوب نهر الفرات، اتجه كثيرون من أصحاب الأراضي نحو زراعة محاصيل بعلية، وتركوا أراضيهم لتنبت أعشاباً استخدموها كعلف للماشية، بعدما كانوا يستغلونها لزراعة القطن والقمح والحبوب بمختلف أصنافها.
تجفيف البؤر
في المقابل، لم تقف اللجان الرقابية مكتوفة الأيدي لدرء مخاطر الوباء، ومنعاً لازدياد أعداد المصابين، اتخذت إجراءات رادعة في منطقة تعد بؤرة تفش للمرض في حلب بإتلاف الخضار التي تروى بمياه ملوثة من شبكات الصرف الصحي.
وبحسب معلومات وثيقة من مديرية زراعة حلب، فقد شكلت لجنة إتلاف محلية من أخصائيين، وقامت بجولات على مناطق عدة في ريف حلب، وأتلفت كامل المساحة المستهدفة.
في الأثناء، حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي المرض وانتشاره، وقال فيليب باربوسا رئيس فريق المنظمة المعني بمرض الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي، إن الوضع في المحافظات المتضررة يتطور على نحو خطير وبوتيرة مقلقة، وينتشر بمحافظات جديدة.
من جهته، قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، إنه بناء على تقييم سريع أجرته السلطات الصحية والشركاء، يعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بمياه غير آمنة وكذلك استخدام مياه ملوثة لري المحاصيل.