Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة أم وكلاؤها... من يسرق "نور" لبنان؟

1.8 مليار دولار مديونية الكهرباء سنوياً وشبهات فساد بين مستوردي المحروقات وواضعي سياسات إنتاج الطاقة

منذ بداية الأزمة ومع توقف قروض شركة كهرباء لبنان دخلت البلاد في عجز كهربائي غير مسبوق (أ ف ب)

يختزل ملف الكهرباء تركيبة الفساد في لبنان، إذ يرى كثيرون أن الصفقات المشبوهة دمرت المؤسسات وراكمت مديونية هائلة على خزانة الدولة. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية تولى 17 وزيراً حقيبة الطاقة والمياه معظمهم من "التيار الوطني الحر" الذي أدار الوزارة طيلة الـ14 عاماً الأخيرة، بالتالي بات هو الشاهد الوحيد على خفايا أسرار ملف الكهرباء.

يعتمد لبنان في توليد الطاقة الكهربائية على سبعة معامل حرارية لإنتاج 1700 ميغاواط من حاجة الاستهلاك المقدرة بـ3500 ميغاواط، وتستخدم هذه المعامل المحروقات مثل "الفيول أويل" أو "الديزل أويل" أو "الغاز أويل" عبر استيرادها، الأمر الذي يرتب عجزاً سنوياً يقارب 1.8 مليار دولار وفق أرقام شركة كهرباء لبنان.

وعلى رغم الكلفة الباهظة لاستيراد المحروقات، استمرت خطط وزارة الطاقة في حصر خيارات الإنتاج وسد العجز الكهربائي عبر إنشاء محطات حرارية إضافية، من دون اعتماد مصادر متنوعة، ما رسم شبهات حول أهداف هذه الخطط التي رتبت خسائر بمليارات الدولارات على الخزانة اللبنانية.

توقف قسري

منذ بداية الأزمة، ومع توقف مجلس النواب اللبناني عن الموافقة على قروض شركة كهرباء لبنان، دخلت البلاد في عجز كهربائي غير مسبوق، وبات الاعتماد فقط على الهبة العراقية التي أمنت تغذية بمعدل ساعتين في اليوم للمناطق اللبنانية، لكن وسط الظلام الذي يخيم على لبنان برز دور بعض المعامل الكهرومائية التي استطاعت تأمين تغذية لمدة 21 ساعة لبعض الأقضية، الأمر الذي فتح تساؤلات حول سبب تغييب هذه المعامل، إذ تكشف المعلومات أن لبنان يمتلك 16 معملاً منها تم إنشاؤها على الأنهار في عهد الانتداب الفرنسي، وتوقفت تباعاً نتيجة الإهمال وعدم تخصيص مبالغ لصيانتها.

ووفقاً لتقرير سابق أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، استحوذت الطاقة الكهرومائية على 43 في المئة من سعة الطاقة المتجددة المركبة عالمياً، وعليه طالبت بمضاعفة السعة بحلول عام 2050، لكن في لبنان لا تتجاوز الطاقة المتجددة المولدة نسبة خمسة في المئة من إجمالي الطاقة المطلوبة.

الطاقة المسروقة

في السياق يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الطاقة (رفض الكشف عن اسمه) أن كلفة صيانة وإعادة تشغيل المعامل الكهرومائية لا يتجاوز في حده الأقصى 50 مليون دولار، وتستطيع تأمين تغذية كهربائية بمعدل تسع إلى 10 ساعات يومياً بصفر كلفة محروقات، مشدداً على سهولة تأمين قروض من الجهات الدولية لإعادة تفعيلها، لكن القرار السياسي لدى الوزارة يأتي معاكساً، ويصر على شراء "الفيول" للمعامل الحرارية بنحو مليار دولار كل ثلاثة أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "لو كانت هناك محاسبة في لبنان لشكل هذا الأمر وحده فضيحة مدوية، إذ من الواضح أن هناك شبهات فساد بين مستوردي المحروقات وواضعي سياسة إنتاج الطاقة في لبنان"، موضحاً أنه تم هدر نحو 40 مليار دولار من أموال اللبنانيين عبثاً.

وفي فضيحة أخرى، يقول المصدر "تقدمت منذ سنوات إحدى الدول الخليجية باقتراح إنشاء مزرعتين للطاقة الشمسية، واحدة في عكار (شمال لبنان) والأخرى في عرسال (شرق لبنان)، لكن تم تسويفه لحساب اقتراح آخر يقضي باستئجار بواخر حرارية"، مؤكداً أن الطاقة المائية والشمسية في لبنان توفر استيراد 120 ألف طن من الفيول، وتكفي لإنتاج 60 في المئة من الاستهلاك.

الكلفة والتعريفة

في المقابل ترفض المديرة العامة للنفط بوزارة الطاقة والمياه أورور فغالي، ربط أزمة الكهرباء بعدم تنوع مصادر إنتاجها، وتحاول حصرها بالتعريفة البالغة ثماني سنتات على الكيلوواط، وانهيار قيمتها بعد انهيار الليرة إلى أقل من نصف سنت.

وقالت فغالي إنه "لو تم السماح لكهرباء لبنان أن توازي بين سعر التعريفة وسعر الكلفة لما راكمت مديونيتها، والسبب هو السياسة التي فرضت على منع رفع التعريفة منذ عام 1994، وحينها كان سعر برميل النفط يقدر بنحو 22 دولاراً، ووصل حالياً إلى نحو 90 دولاراً".

غير أن المدير العام للاستثمار السابق بوزارة الطاقة والمياه غسان بيضون يعتبر أن الكلفة الهائلة لإنتاج الكهرباء سببها ضعف الكفاءة والهدر الداخلي، فإذا كانت المعامل القديمة تحتاج إلى نقل "الديزل" بالصهاريج، فإن كلفة تشغيلها ستكون مرتفعة، ويضيع من إنتاج الكهرباء نحو 40 في المئة بين هدر فني وسرقة، إضافة إلى نحو 10 في المئة تأخر في الجباية.

وقال إن "طاقة المعامل القديمة تبلغ أكثر من 20 سنتاً للكيلوواط في الساعة، في حين يمكن للمعامل الجديدة أن تنتج الكمية نفسها بأقل من ثلاث سنتات، أي إن كهرباء لبنان تنتج بكلفة تعادل أربعة أضعاف الكلفة الطبيعية".

تشريعات وقوانين

من جانبها رأت المحامية والمتخصصة القانونية في شؤون الطاقة كرستينا أبي حيدر أن لبنان لديه إمكانات متوفرة من المياه لتوليد الكهرباء، لكن المشكلة الأساسية أنه بلد مفلس وليست لديه إمكانات مالية بالدولار كي يقوم بإعادة تأهيل معامل الطاقة المائية ويزيد من قدرة إنتاجها، موضحة أن المشكلة الأكبر في انعدام الكهرباء هي أيضاً بسبب فقدان الدولار من السوق.

أما الحل برأيها فهو "إما بتقديم مساعدات على شكل هبات من قبل مؤسسات دولية لإعادة تأهيل المعامل الكهرومائية والعمل على تحسينها، أو انتظار عملية البدء بالإصلاحات المطلوبة التي ينادي بها صندوق النقد الدولي، وزيادة التعريفة ليصبح لدى مؤسسة كهرباء لبنان مداخيل تستطيع من خلالها إعادة تأهيل هذه المعامل".

وعلى صعيد إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية، قالت "نرى أن المواطن اللبناني بدأ يعتمد بشكل فردي على الطاقة الشمسية، نظراً إلى غياب بناء الحقول الشمسية من قبل الدولة عبر اعتماد حلول كان من الممكن أن تحسن الإنتاج والتغذية".

في المقابل، شرحت أبي حيدر أن القطاع الخاص لا يمكنه إنتاج وبيع الكهرباء، كون القانون 462 ليس مطبقاً، والقانون الحالي لا يسمح ببيع الكهرباء إذ حصرها بمؤسسة كهرباء لبنان.

وتابعت "أما على صعيد إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الرياح فقد أطلقت وزارة الطاقة عام 2014 مناقصة وأعطت بموجبها ثلاث شركات الحق بإنتاج الطاقة عبر الرياح في منطقة عكار (شمال لبنان)، وقد استحصلت هذه الشركات على الرخصة المطلوبة عام 2017، وعندها لم يكن لبنان يمر بهذه الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، ومع هذا لم يتم تفعيل هذه الشركات كي تقوم بمهامها، كون مجلس الوزراء قدم لهم الرخص قبل أن يتأكد من أن الشركات تمتلك ضمانات من المصارف والأراضي اللازمة، فضلاً عن دراسة الأثر البيئي، لهذا تأخرت هذه الشركات في تأمين جميع ضماناتها اللازمة، وعام 2019 بدأت الضائقة المالية بالظهور تباعاً، وبطبيعة الحال لم تتمكن من الصمود".

ومن الواضح وفق أبي حيدر أن الأزمة الاقتصادية وعدم توفر السيولة، هي العائق الأساس الذي يمنع لبنان من النهوض بمحطاته الحرارية عبر صيانتها وشراء الوقود لتشغيلها، وأيضاً في ما يتعلق بالطاقة المتجددة، لذا علينا أن نقر قانون الطاقة المتجددة الموزعة الذي يمكن القطاع الخاص من إنتاج وبيع الكهرباء المتجددة مباشرة.

رؤية 2030

وكان وزير الطاقة والمياه وليد فياض، أوضح في ندوة متخصصة أن وزارته كانت من أول 11 دولة قدمت تقرير "Energy Compact" إلى المؤتمر العالمي "الحوار العالي المستوى حول الطاقة"، حيث بات التقرير مرجعية يمكن الاتكال عليها من قبل المؤسسات الدولية والجهات المانحة لمساعدة الدول النامية، مؤكداً "التزام الدولة اللبنانية بتطوير سوق الطاقات المتجددة وصولاً إلى تحقيق هدف 30 في المئة طاقة متجددة بحلول عام 2030".

وأوضح أن "من أهداف وزارة الطاقة والمياه تطوير مشاريع الطاقة المتجددة بقدرة قد تزيد على 4000 ميغاواط من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030".

وأعرب عن "إرادة وزارة الطاقة والمياه وسعيها إلى تأمين آليات تمويل من المجتمع الدولي لإعادة العمل بمشاريع إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة 226 ميغاواط، والتي تم توقيع عقود شراء الطاقة العائدة لها عام 2018 وتعذر المضي قدماً بهذه المشاريع نتيجة تدهور أسعار العملة اللبنانية".

وأعاد تأكيد "أهمية متابعة استدراج العروض من القطاع الخاص لبناء محطات الطاقة الشمسية بقدرة تصل إلى 180 ميغاواط، وبمعدل 45 ميغاواط لكل محافظة، مع الأمل بالبت في الأسعار النهائية وإصدار الرخص في مجلس الوزراء بالتنسيق مع البنك الأوروبي لإعادة الأعمار".

وسلط الضوء على "قطاع توليد الطاقة من المياه الذي بدأ به لبنان منذ ما يقارب المئة عام عبر إنشاء السدود والمحطات الكهرومائية، مشيراً إلى أن إجمالي القدرة الكهرومائية المركبة في لبنان نحو 282 ميغاواط ولا تتعدى كلفة إنتاج الكيلوواط ثلاث سنتات".

وأكد أن وزارة الطاقة تولي اهتماماً كبيراً لهذا القطاع عبر إنشاء المحطات الكهرومائية في المشاريع الجديدة كـ"سد جنة" الذي يسمح بإنتاج 100 ميغاواط عبر طاقة المياه.

وأعلن عن "إطلاق الوزارة مشروعاً وطنياً ممولاً من مؤسسة التمويل الدولية لتأهيل وتطوير القطاع الكهرومائي في لبنان، مما سيسمح بزيادة 125 ميغاواط إضافية على الشبكة، علماً أن كل ميغاواط هايدرو سيسمح بالاستثمار المجدي لخمسة ميغاواط منتجة من الطاقات المتجددة الأخرى".

المزيد من تقارير