Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة بين موسكو وواشنطن فوق "حياد" الجزائر

لاعتبارات عدة باتت محل اهتمام من القوى الدولية التي تشهد تناحراً سياسياً من أجل استمالتها إلى صفها

الحرب الروسية الأوكرانية وضعت الجزائر بين مطرقة موسكو وسندان واشنطن (مواقع التواصل الاجتماعي)

تتزايد على الجزائر تصريحات الدعم من الشرق ومن الغرب بشكل غير معهود، وإن كان الأمر عادياً من روسيا الحليف التاريخي، يبقى وصفها بالشريك القوي للسلام في المنطقة من قبل واشنطن له تساؤلات عدة، وبقدر ما رحبت جهات بالحاصل، أبدت أخرى تخوفاً من تحويل الجزائر إلى ساحة معركة.

موسكو تشيد 
في المقابل أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجزائر خلال مراسم تسلمه أوراق سفيرها الجديد بموسكو، إسماعيل بن عمارة، بقوله إن روسيا تدعم الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشؤون الإقليمية والدولية، مشدداً على مواصلة العمل معاً لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل.
وجدد دعوة الرئيس تبون لزيارة موسكو، معتبراً أن الجزائر ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا من حيث حجم التجارة، مشيراً إلى أن التعاون التجاري والاقتصادي آخذ في التطور بنشاط كما هو في مجالات أخرى، بما في ذلك المجالات العسكرية والإنسانية.
واشنطن تثني
لم تمضِ ساعات على التصريح الروسي حتى خرجت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى السفيرة باربرا ليف تثني على الدبلوماسية الجزائرية، موضحة أن الجزائر شريك قوي للسلام والاستقرار في المنطقة وفي القارة، وذلك بعد لقائها وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

واستمر الثناء الأميركي بعد دقائق مع نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان التي وصفت علاقات بلادها مع الجزائر بـ "المتينة والدائمة".

وقالت في تغريدة حول لقاء جمعها بوزير الخارجية لعمامرة على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة "كان شرفاً لي لقاء وزير الخارجية للحديث عن قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان وشراكتنا الاقتصادية، أتطلع إلى مواصلة تعميق علاقتنا القوية والمستدامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محور استقطاب
جاءت التصريحات الأميركية بعد مطالبة أثارت جدلاً وتوجساً صدرت من السيناتور الجمهوري ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ماركو روبيو بفرض عقوبات على الجزائر بسبب الصفقات الضخمة التي تبرمها مع موسكو وتتعلق باقتناء الأسلحة، مما يمنح تدخلات المسؤولين الأميركيين الإيجابية صفة الاستدراك.
وبالعودة لتسابق التصريحات المشيدة بين موسكو وواشنطن في ظل وضع دولي متأزم، فإن الجزائر تتجه لأن تكون محور استقطاب مفتوحاً بين روسيا والولايات المتحدة في إطار لعبة التحالفات التي تديرها القوتان، مما يجعلها في موقع صعب قد يعرقل رسم استراتيجيتها المستقبلية ويهدد سيادة خياراتها.
انقلاب روسيا على الجزائر
وفي هذا السياق تعتبر المستشارة القانونية والباحثة في العلاقات الدولية آمال لعروسي أن الجزائر تتعامل مع الأزمة الأوكرانية - الروسية بحكمة كبيرة، إذ لم تغلق على نفسها منافذ أوروبية، بل على العكس ثمة توجه لمضاعفة تزويد إيطاليا بالغاز، كما ستفعل ذلك أيضاً مع فرنسا وألمانيا، و"أعتقد أن الجزائر بدبلوماسيتها الناعمة لا تريد أن تتدخل في الصدام الأميركي - الروسي أو الحلف الأوروبي - الأميركي اتجاه روسيا".
وقالت إن الولايات المتحدة أشادت بالعلاقات الثنائية مع الجزائر رداً على مزاعم السيناتور ماركو روبيو الذي طالب بفرض عقوبات عليها إثر تعاملاتها العسكرية مع روسيا، مشيرة إلى أن روسيا ستبقى الممول التقليدي الكلاسيكي والحليف الاستراتيجي للجزائر من دون الإضرار بمصالحها مع أميركا التي تجتمع في تبادلات تجارية وتعاون أمني استراتيجي مشترك منذ سنوات طويلة، بخاصة في مجال محاربة الإرهاب.
وتابعت أن الجزائر تنأى بنفسها على أن تكون ساحة صراع دولي وإقليمي بين القوى المتضاربة، و"أعتقد أنها لن تتدخل أو تكون موقع صدام".
وعلى رغم ما سبق فإن الجزائر أبانت عن ضعف كبير في سياساتها الاقتصادية وتنوعها الاستثماري، وهي تحاول أن تتجاوز هذه المعضلة بالاستثمار في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وحاجة أوروبا إلى الطاقة، ولهذا السبب هي موضوع اهتمام القوى العظمى.
وتواصل لعروسي "تصريح بوتين أن بلاده تدعم الخط المتوازن قد يعني أن أي تغيير في هذا الخط سيتسبب في انقلاب روسيا على الجزائر لأن حياد الجزائر لن يبقى إلى الأبد، وستجد نفسها مجبرة على الاختيار، بالتالي فالجزائر مدعوة لاعتماد البرغماتية في تعاملها مع أطراف الصراع دون الضرر بمصالحها".
هل تتمسك بالحياد؟
في المقابل يعتبر أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز الجمهورية الجديدة للدراسات السياسية والاستراتيجية المصري حامد فارس أن حجم التحديات الدولية المتزايدة التي تفرض نفسها، بخاصة الحرب الروسية - الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على مجمل الأوضاع العالمية أنتجت حالة من الاستقطاب الحاد جعل الجزائر في موقف صعب في ظل كونها قوة إقليمية ولاعباً مهماً في المعادلة الدولية، لا سيما أنها ترتبط بعلاقات عسكرية واستراتيجية قوية مع روسيا في مجال الدفاع، وبشراكة اقتصادية تجارية مع أوروبا التي وجدت في الغاز الجزائري تعويضاً ولو جزئياً للضغط الروسي.
ويضيف فارس أنه ولاعتبارات عدة باتت الجزائر محل اهتمام كبير من القوى الدولية التي تشهد تناحراً سياسياً من أجل استمالتها لصفها، متسائلاً، هل تستطيع الجزائر أن تستمر وتبقى في موقف الحياد أم أن تسارع الأحداث سيجبرها على أن تكون في كفة طرف دون الآخر في ظل حالة الاستقطاب الحادة التي تتعرض لها؟".
معركة السفيرين
وفي سياق المعركة بين الشرق والغرب صرح السفير الروسي لدى الجزائر فاليريان شوفايف بأن بلاده ترحب بانضمام الجزائر إلى منظمة "بريكس" الاقتصادية إذا أرادت ذلك، وأن روسيا لن تعارض انضمام الجزائر إلى المنظمة، معتبراً أن مستوى الشراكة الاستراتيجية العميقة بين البلدين بلغ مستوى كبيراً، وأن العلاقات عرفت تقدماً وتطوراً ملحوظاً في الأعوام الخمسة الماضية.
ولفت أن البلدين يعملان حالياً على صياغة وثيقة استراتيجية جديدة تعكس جودة العلاقات الجزائرية – الروسية، وهي الوثيقة التي ستصبح أساساً لتحفيز وتكثيف التعامل بين البلدين مستقبلاً.
من جهتها قالت سفير أميركا لدى الجزائر إليزابيث مور أوبين إن العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة قوية ومهمة، و"سنستمر في تقويتها وتعميقها من خلال الحوار الاستراتيجي الثنائي". وأبرزت أنها "وجدت أوجه شبه بين الأميركيين والجزائريين وماضيهم في وجوب فهم بعضنا بشكل أفضل من خلال التبادل الثقافي واللغة الإنجليزية ومن خلال تبادلاتنا الاقتصادية والحوار بين الحكومتين".
مخاوف من السقوط في الفخ
من جهة ثانية فهمت أطراف تصريحات الرئيس الروسي بوتين رداً على الضغط الذي حاولت واشنطن ممارسته على الجزائر من خلال مطالبة السيناتور الأميركي ماركو روبيو بمطالبة الجزائر كما اعتبرت رسائل المسؤولين الأميركيين خلال لقائهم وزير الخارجية لعمامرة على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ يومين إنما هي استدراك وترتيب لمنع انفراد موسكو بأكبر دولة في أفريقيا. 
وفيما يبدو أن الجزائر مستعدة إلى حد الآن للتعاون مع جميع الأطراف بشكل متوازن يحفظ مصالحها، تبقى مخاوف السقوط في فخ الانحياز قائمة، وهو ما سيكون خطراً حقيقياً على البلاد.
اقرأ المزيد

المزيد من متابعات