Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحق للاجئ البحث عن مكان أفضل من "بلد اللجوء"؟

مبادرات "إعادة التوطين" تعتمد على الاستقبال الطوعي وتوجه إلى الفئات الضعيفة

يعيش في الإمارات العربية المتحدة مئات اللاجئين الأفغان (رويترز)

على مدار 10 أعوام تضاعف عدد اللاجئين والمهجرين على مستوى العالم وشكلت عشرات الملايين من الفارين من الكوارث الطبيعية والحروب والاشتباكات الأهلية عبئاً كبيراً على دول العالم، سواء دول المرور أو دول المقصد التي غالباً ما تكون دول الشمال، بخاصة في غرب أوروبا والولايات المتحدة، وصاحبت تلك الزيادة الكبيرة في حركة البشر تساؤلات لم تكن مطروحة قبل سنوات، ومن بينها مدى أحقية الإنسان في التنقل من بلد لآخر بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، طالما كان قد نجا بحياته من الخطر الذي داهمه في وطنه الأصلي.

في القارة الأوروبية تتركز أنظار طالبي اللجوء صوب ألمانيا والسويد، إذ بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء فيهما أكثر من مليون ونصف المليون حتى نهاية عام 2017، بحسب موقع البرلمان الأوروبي، وهو ما يرجع لعوامل عدة أبرزها سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل عقب أزمة اللاجئين عام 2015، كما أن نسب قبول طلبات اللجوء تؤثر على قرار اللاجئ في المكوث وتقديم طلب اللجوء أو استمراره في رحلة التنقل عبر القارة الأوروبية.

وبحسب اتفاقية "دبلن" التي وقعت عليها دول الاتحاد الأوروبي عام 1990 تقع مسؤولية البت في طلب اللجوء على أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يصل إليها طالب اللجوء وتسجله السلطات رسمياً كطالب لجوء بما في ذلك أخذ بصماته، بالتالي إذا انتقل لدولة أخرى داخل إطار الاتحاد فإن من حق تلك الدولة أن تطلب من البلد الأول استعادته، وبسبب رفض دول شرق أوروبا مثل المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا استقبال طالبي اللجوء أو منعهم من تقديم طلبات اللجوء في كرواتيا يغادر اللاجئون صوب دول توصف بأنها "أكثر ديمقراطية" في غرب أوروبا. ويؤثر العامل الاقتصادي على اختيار اللاجئ وجهته داخل أوروبا، إذ يقصد كثيرون ألمانيا بسبب اقتصادها القوي وتوافر فرص العمل التي وصلت إلى مليون فرصة عمل شاغرة عام 2017.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يعيش مئات اللاجئين الأفغان بعد أن أجلتهم الولايات المتحدة ودول "الناتو" التي أنهت وجودها العسكري بالكامل في أفغانستان في 31 أغسطس (آب) من العام الماضي، ومعظم هؤلاء من العاملين السابقين مع القوات الدولية، وعلى رغم توفير السلطات الإماراتية منشأة لإقامة طالبي اللجوء الأفغان وتعهدها ضمان أن يعيشوا بأمان وكرامة، فإنهم يتظاهرون بشكل متقطع منذ فبراير (شباط) الماضي للمطالبة بنقلهم إلى الولايات المتحدة أو دول أخرى، مؤكدين أن تلك الخطوة ينتظرها الآلاف من الأفغان الموجودين في الإمارات منذ نقلهم قبل نحو عام.

"إعادة التوطين"

ونقلت تقارير إخبارية، الشهر الماضي، عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله إن واشنطن تعمل على تحديد من ستتم "إعادة توطينه" في الولايات المتحدة من بين الأفغان الموجودين في الإمارات، كما تعمل مع دول أخرى من بينها الإمارات لتوطين من يتضح أنهم "غير مؤهلين" للانتقال إلى أميركا التي استقبلت منذ أغسطس 2021 أكثر من 85 ألف لاجئ أفغاني، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر قولها إن كندا وافقت على إعادة توطين نحو 1000 أفغاني من الموجودين في مركز الإيواء الموقت في الإمارات بأراضيها تلبية لطلب أميركي. وأشارت المصادر إلى أن معايير قبول من ستستضيفهم تشمل الأقليات الدينية والنساء العازبات وموظفي الحكومة ونشطاء في العمل الاجتماعي وصحافيين.

ويعني مصطلح "إعادة التوطين" اختيار بعض اللاجئين نقلهم من الدولة التي لجأوا فيها إذا كانت أوضاعهم غير آمنة إلى دولة ثالثة توافق على قبولهم كلاجئين، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي تؤكد أنه "لا يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم طالما أن الصراع أو الاضطهاد يعرضان حياتهم للخطر"، في وقت تمنح فيه الدولة الثالثة التي تقبل اللاجئين المعاد توطينهم وضع الإقامة الدائمة لهم بما يحمي اللاجئ من الإعادة القسرية إلى وطنه ويمنحه فرصة الوصول إلى حقوق مماثلة لتلك التي يتمتع بها المواطنون، كما قد تمنح تلك العملية لاحقاً الحق للاجئ في التقدم للحصول على جنسية البلد المستضيف بحسب اللوائح والقوانين التي تختلف من دولة لأخرى.

حلول

وأكد المتخصص في دراسات الهجرة أيمن زهري أنه ليس من حق اللاجئ الذي حصل على حق اللجوء في دولة ما خارج منطقة الصراع التي فر منها أن يسعى للرحيل إلى دولة ثالثة بغرض تحسين الظروف المعيشية أو الاقتصادية، مضيفاً أنه "لا يتخيل في أحكام القانون الدولي أن ينتقي اللاجئ الدولة التي يقيم بها وفق ظروف تلك الدولة" طالما أنه مقيم في بلد يأمن فيه على حياته. وأوضح زهري أن الحلول التي ارتضاها المجتمع الدولي في شأن اللاجئين ثلاثة، أولها العودة الطوعية إلى بلده الأصلي إذا ما توافرت الشروط اللازمة وتهيأت الظروف بضمان أمن اللاجئ حال عودته، مشيراً إلى أن هذا الحل على رغم كونه الأمثل فإنه لا يتحقق لأسباب لها علاقة باستمرار الصراع أو ولادة جيل ثان في بلد اللجوء لا يعلم كثيراً عن وطن آبائه، أما الحل الثاني فهو توطين اللاجئ داخل البلد الذي استقبله كلاجئ، بمعنى إعطائه الجنسية بعد سنوات من وجوده مع سجل خال من المخالفات، وهو أيضاً نادراً ما يتحقق، ويتمثل الحل الثالث في تطوع دولة ثالثة بتوطين أشخاص خرجوا من بلدهم الأصلي ولجأوا إلى دولة أخرى، مضيفاً أن هذا الحل يحدث مع عدد قليل من اللاجئين، وبلغ عدد المعاد توطينهم في بلد ثالث، العام الماضي، أقل من أربعة آلاف لاجئ على مستوى العالم. وأوضح أن ذلك الحل يتبع مع من يرفض طلب لجوئهم في دولة ما بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة وبعض السفارات، ومن أبرز الدول التي تقبل استقبال هؤلاء اللاجئين ومنحهم الجنسية الولايات المتحدة وبلجيكا وهولندا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي شأن اللاجئين أصحاب الوضع المعلق مثل الأفغان في الإمارات قال زهري إن عليهم التقدم بطلب لجوء داخل الدولة وفي حال رفضه يمكنهم التقدم بطلب لجوء في سفارة أي دولة أخرى التي تتلقى طلبات لجوء، ولكن من الممنوع ترحيل هؤلاء مرة أخرى إلى وطنهم.

الأولوية للمهددين

وبحسب منظمة العفو الدولية فإن الأولوية في إعادة التوطين تكون للناجين من التعذيب والعنف الشديد والمحتاجين لرعاية طبية خاصة أو مرض مزمن وخطر والسيدات المعرضات لاعتداء أو استغلال والطفل غير المصحوب بفرد من أسرته والمضطهدين بسبب الميول الجنسية ومن يواجهون احتمال الترحيل إلى بلد قد يتعرضون فيه للتعذيب أو القتل ومن ظل يتنقل من بلد إلى آخر لمدة طويلة ولا يمكن أن يعود إلى وطنه. وتعد المنظمة جهود "إعادة التوطين" مثل الفارق بين الحياة والموت للاجئين لأنها توفر عليهم الذهاب بطريق التهريب لدول المقصد وضياع مدخراتهم لصالح المهربين وتعرضهم للاستغلال أو الاعتداء البدني أو الجنسي، كما توفر فرصة للاجئين في دول فقيرة مثل السوريين في لبنان، مؤكدة أن على حكومات الدول القادرة على استيعاب اللاجئين القيام بذلك احتراماً لحقوق الإنسان المتعلقة باللاجئين.

أمل يتضاءل

وسردت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2015 قصة عائلة سورية أنقذها برنامج إعادة التوطين، إذ لجأ الأبوان وابنهما الذي لم يكن قد أتم عاماً واحداً إلى تركيا عام 2014 سعياً إلى الحصول على رعاية طبية للطفل الذي قال الأطباء في سوريا إنه ولد أعمى، وتؤكد الأم شريهان أن الأشهر التي قضوها في تركيا كانت صعبة ولم يستطع الطفل كهرمان الحصول على رعاية طبية، لكن الأمل جاء بمكالمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأن طلبهم لإعادة التوطين تنطبق عليه الشروط، ولاحقاً انتقلت الأسرة إلى النرويج، وهناك التحق كهرمان بحضانة ويتابع مشكلات ضعف البصر مع الطبيب. وأوضحت الفحوص أنه ليس أعمى بالكامل مثلما قال الأطباء السوريون، لكن قصة الأمل هذه لم تتكرر كثيراً في السنوات اللاحقة، إذ تراجع عدد اللاجئين المعاد توطينهم من نحو 82 ألف عام 2015 إلى أقل من 23 ألف لاجئ حول العالم عام 2019 وفق أرقام مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي أشارت إلى أن أقل من واحد في المئة من اللاجئين المسجلين لديها، على رغم أن الاستقبال والإدماج الفعالين لهؤلاء من شأنه أن يعود بالنفع على كل من اللاجئين المعاد توطينهم والبلد الذي استقبلهم.

الحراك البشري

وأشار المتخصص في مجال دراسات الهجرة إلى زيادة الحراك البشري خلال السنوات الماضية، إذ وصل عدد المهاجرين على مستوى العالم إلى 281 مليوناً عام 2020، ويشمل العدد 26 مليون لاجئ ونحو 65 مليون نازح، والباقون (نحو 190 مليوناً) نتاج الهجرة الطوعية، لافتاً إلى وصول نسبة الحراك البشري على مستوى العالم إلى 3.6 في المئة من سكان العالم ارتفاعاً من 2.8 في المئة قبل نحو 20 عاماً، كما زادت نسبة "الهجرة العابرة" في السنوات الأخيرة، بحسب زهري، الذي أرجعها إلى المواءمات السياسية التي تقف حجر عثرة أمام وصول المهاجر أو اللاجئ إلى وجهته النهائية التي يبتغيها. وفي شأن البحث عن حلول عالمية جديدة لأزمات اللاجئين بعد أن تزايدت أعدادهم، قال زهري إن من الواجب على الأطراف الدولية كافة إيجاد حلول جذرية للأزمات السياسية والعسكرية التي تؤدي إلى فرار السكان من بلادهم.

المزيد من تحقيقات ومطولات