هيمنت قضايا الحرب والتجارة والمستقبل على أجواء قمة العشرين التي اختتمت أعمالها اليوم في مدينة أوساكا اليابانية بمشاركة 36 دولة. القمة التي شهدت عقد لقاءات ثنائية بين قادة الدول العشرين الأكثر هيمنة على اقتصادات العالم، اختتمت أعمالها على وقع اللقاء الأكثر ترقبا في هذه القمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولَم تسبق القمة مؤشرات إيجابية، إلا أن التوقعات جرت باتجاه هدنة كالتي تمت العام الماضي في قمة العشرين بالأرجنتين بين البلدين لكنها لم تصمد أكثر من 6 أشهر.
السيناريو يتكرر بالفعل بإعلان الرئيس الأميركي هذه الهدنة إثر لقائه نظيره الصيني. إذ اتفق الرئيسان الأميركي والصيني على استئناف المفاوضات التجارية بين بلديهما. وقال ترمب "عقدنا لقاء جيداً جداً مع الرئيس شي، يمكن أن أقول (لقاء) ممتازاً".
وأفادت وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية "بأن المفاوضات، التي توقفت بشكل مفاجئ في مايو (أيار) ستُستأنف". ووافقت واشنطن على وقف تهديدها بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات، بعد أن استهدفت سلعا صينية تزيد قيمتها على 500 مليار دولار تشتريها الولايات المتحدة سنوياً.
وبعد وقت قصير، أكد ترمب أنه لا ينوي "زيادة" الرسوم الجمركية على الواردات الصينية ولا إلغاءها "على الأقلّ في الوقت الراهن". وسبق هذه القمة المصغرة فشل في مايو (أيار) الماضي لجهود البلدين للتوصل إلى اتفاق تجاري. وقبل وصوله إلى اليابان أعلن ترمب أن "اقتصاد الصين ينهار".
وقبيل عقد اللقاء، قال ترمب "إنه مستعد لإبرام اتفاق تجاري سيكون هائلا مع نظيره الصيني شي جين بينغ".
وأضاف على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين "سيكون شيئا تاريخيا إذا استطعنا التوصل لاتفاق تجاري عادل. إننا مستعدون تماما لذلك كما أنكم مستعدون تماما له". في إشارة إلى الجانب الصيني.
الاقتصاد العالمي على مفترق طرق
وسبق اللقاء أيضا دعوة الرئيس الصيني الولايات المتحدة إلى تجاوز الخلافات متعهدا "بأن تواصل بلاده فتح أسواقها، وتوسيع الواردات بشكل استباقي، وتحسين بيئة أعمالها أمام الشركات الأجنبية بشكل مستمر". وحذر، في كلمة له أمام القمة العشرين، من "أن الاقتصاد العالمي يقف مرة أخرى أمام مفترق طرق بعد عشر سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية".
إلى ذلك يؤكد أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية في لندن د.ناصر قلاوون "وجود فرصة لإعادة الانتعاش للاقتصاد إذا ما تخلت بكين عن تعنتها ودفعها شركاؤها إلى شيء من التنازل". وأضاف "أنه يعوّل رمزيا على هذا اللقاء الذي اختتم بهدنة تجارية لاسيما أن لقاءً سابقاً بين الزعيمين جمّد العقوبات الأميركية 6 أشهر". وذكر "أن تقديم الصين شيئا من التنازل للرئيس الأميركي يعد انتصارا انتخابيا"، وأوضح "أن الهدنة التجارية بين البلدين قد تنجح وهناك أمل بتجميد الحرب الاقتصادية بين البلدين".
وحث قلاوون الصين على "تصحيح رؤيتها التجارية مع الآخر، سواء في تقديم فرص استثمارية في الداخل وحل مشكلة النزاعات القانونية التجارية فيها".
أما الرئيس التنفيذي لمركز كورم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، فيرى "أن المؤشرات الإيجابية التي ظهرت في لقاء الزعيمين الأميركي والصيني، كانت بمثابة إشارات إلى هدنة اقتصادية، متوقعا لها النجاح، لكن استمرار الحرب التجارية بين البلدين قد يتجدد".
وبسؤاله عن تداعيات ذلك الاتفاق على أسواق المال، أجاب الخبير الرفاعي "إن أسواق المال في العالم تتمنى سماع شيء إيجابي رغم صعوبة المرحلة والخلافات السياسية العميقة بين الدول الكبرى".
وأشار إلى "أن معظم المشاكل الجيوسياسية باتت تلقي بظلالها على مسار النفط والمال والتبادل التجاري".
وكانت القمة الاقتصادية التي عقدت في ظروف عالمية معقدة، افتتحها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الجمعة بحضور قادة دول المجموعة.
وشهدت القمة مناقشات مثيرة للجدل تتعلق بالتجارة والتوترات الجيوسياسية وتغير المناخ، إلى جانب تعزيز التعاون وإيجاد توافق دولي حول عدد من القضايا الاقتصادية لضمان نموّ واستقرار الاقتصاد العالمي وتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة على أمل رفع مستوى معيشة شعوب العالم.
وهيمنت على القمة قضايا التجارة وسبل تعزيز حرية التجارة العالمية والاقتصاد والابتكار، فضلا عن الموضوعات المتعلقة بالطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد الرقمي والتجارة والزراعة والرعاية الصحية والتعليم، والعمل والمسائل التي تشغل منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إلا أن البيان الختامي للقمة شهد إحجام قادة مجموعة العشرين عن التنديد بالحماية التجارية ودعوا بدلا من ذلك إلى توفير مناخ تجاري "حر ونزيه وغير منحاز".
وحذر بيان القادة من ضعف نمو الاقتصاد العالمي في مقابل زيادة حدة التوترات التجارية والجيوسياسية، واكتفى بالقول، "نسعى جاهدين لتوفير مناخ تجاري استثماري حر نزيه غير منحاز وشفاف ومستقر يمكن التكهن به وإبقاء أسواقنا مفتوحة".
مشاركة سعودية فعالة في القمة
وعربيا تعتبر السعودية، الممثل الوحيد للعرب في هذه القمة، بالإضافة إلى المشاركة المصرية بصفة ضيف، إلا أن مشاركة السعودية قد عزز مكانتها الدولية بوفد رفيع ترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث يمثل ذلك منصة مهمة تمهيدا للقمة المقبلة التي ستعقد في الرياض 2020.
ويشير طارق الرفاعي إلى أهمية الدور السعودي في القمة بقوله "البلد الذي يمتلك استراتيجية طموحة 2030، متوقعا أن تحظى هذه المشاركة بأهمية على كافة الأصعدة".
بدوره يرى الخبير قلاوون "أن مشاركة السعودية تحظى بأهمية لعدة اعتبارات منها الاستفادة من التجارب المتقدمة لليابان فضلا عن تبادل الفرص الاستثمارية، والتجارية مع الدول الكبرى".
وشدد على أن "الحضور السعودي كأكبر سوق في العالم العربي، نقلة استراتيجية نظرا لما تمثله من هيمنة على سوق النفط العالمية".
وأضاف: "لقد بدا خلال القمة أن المشاركين هم من يريدون سماع رأي السعودية، إذ تسابقت الدول الكبرى على أخذ عقود مستقبلية في السعودية التي بدأت فتح أبوابها أمام الاستثمار الأجنبي".