Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المطلوب رقم 35" يفتح الصندوق الأسود لحسين كامل (3-3)

يتذكر صالح الراوي تفاصيل من العلاقة المتوترة بين "الرئيس الراحل" صدام وصهره

عائلة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويظهر حسين كامل في يمين الصورة (غيتي)

من العناوين الساخنة في كتاب "درء المجاعة عن العراق" لمحمد مهدي صالح الراوي، ملف حسين كامل، صهر الرئيس الراحل صدام حسين وابن عمه. ويتجاوز صالح الراوي في هذا الملف الإخلاص لـ"الرئيس الراحل" و"تسجيل الأحداث كما حصلت وبحسب أوقاتها من دون التعليق على صحّتها أو أخطائها" (22) نحو توجيه الاتهام إلى حسين كامل بالإضرار بالعراق إلى حد التآمر عليه. وإذ يعتبر صالح أن ذروة ما ارتكبه حسين كامل هو هروبه من العراق والإدلاء بمعلومات سرية، يفتح سيرته منذ انتهاء الحرب مع إيران.

ويبدأ: "تقلص الإنفاق الحربي، وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً تدريجياً مما أدى إلى تحسّن ملحوظ في إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، إذ ارتفعت الإيرادات إلى 9.3 مليار دولار و11.8 مليار دولار للسنتين 1988 و1989. وأعيد رسم الأولويات لتشمل زيادة استيرادات السلع الاستهلاكية ومستلزمات البناء ومستلزمات الإنتاج والسلع الرأسمالية لتنفيذ مشاريع جديدة وإكمال مشاريع متوقفة بسبب الحرب، وكذلك لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي انحسرت خلال الفترة المذكورة... بالإضافة إلى ذلك، تبنّت قيادة التصنيع العسكري المتمثّلة بالفريق حسين كامل وكوادر التصنيع وبموافقة الرئيس، سياسة التوسّع في بناء القاعدة الصناعية الحربية، وإنتاج السلع الحربية المتطورة، والوصول إلى حلقات متقدمة من تكنولوجيا الإنتاج الحربي، والعمل على استكمال برنامج الطاقة الذرية السلمي والحربي بعد أن تم نقل مهمة ذلك من هيئة الطاقة الذرية إلى هيئة التصنيع العسكري. ومع ذلك كله أعطى الرئيس الراحل أولوية لسداد ديون العراق" (45).

يتابع "ولقد ذكر لي في المعتقل الدكتور عامر محمد رشيد العبيدي، الذي كان مديراً لهيئة التصنيع العسكري قبل أن يصبح وزيراً للنفط، بأن الهيئة تبنّت برامج وخططاً طموحة لبناء قاعدة صناعية حربية متطورة بعد توقف الحرب مع إيران. وباشرت بالتفاوض مع الاتحاد السوفياتي والصين وفرنسا لإبرام اتفاقيات واسعة لتوسيع القاعدة الصناعية الحربية في العراق. وتم التوقيع مع الاتحاد السوفياتي، إلا أن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على فرنسا والصين عطّلت التوقيع على تلك الاتفاقيات. وتم الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي على البدء بتصنيع طائرات الميغ الحربية. وتم تحديد موقع المصنع، وتخصيص قطعة الأرض المطلوبة لبنائه في منطقة تتوسط مدينتي بيجي وتكريت. وتم ربط برنامج الطاقة الذرية الحربي في هيئة التصنيع العسكري. وبالإضافة إلى ذلك بدأت الهيئة بتصنيع المدفع العملاق الذي أطلقت عليه بعض الصحف الدولية مدفع يوم القيامة الذي كان يطمح مصممه الكندي الجنسية الذي اغتيل قبل إكمال تصنيعه وتركيبه على جبل مكحول في محافظة صلاح الدين. وأنجزت الهيئة تصنيع طائرة الأواكس التي وجه الرئيس الراحل بتصنيعها ليلة البدء بتحرير مدينة الفاو في أبريل (نيسان) 1988 وفقاً لما ذكره لي الدكتور عامر محمد رشيد العبيدي الذي أفاد بأن طائرة الأواكس تم ترحيلها إلى إيران بعد بدء العمليات العسكرية في عدوان 1991 وهبوطها في مطار طهران الدولي بإشرافه. بالإضافة إلى تصنيع وإطلاق صاروخ العابد إلى الفضاء. كل هذه البرامج والمنجزات كانت محط مراقبة ومتابعة من الولايات المتحدة وإسرائيل".

 

 

ويذكر صالح الراوي أن "عائدات النفط كانت لا تلبي الأهداف هذه. وبدأ التنافس الحاد بين هيئة التصنيع العسكري، وبين بقية الوزارات والجهات المسؤولة عن تنفيذ خططها المدرجة في المنهاج الاستثماري، والموازنة الجارية. ولقد أصبح الفريق حسين كامل بحكم السمعة التي اكتسبها في تطوير الإنتاج الحربي في السنوات الأخيرة من الحرب مع إيران، وصلة القرابة والمصاهرة مع الرئيس الراحل، صاحب الكلمة الأولى في الدولة بعد الرئيس الراحل صدام حسين الذي كان بالإضافة إلى كونه رئيساً للجمهورية، رئيساً لمجلس الوزراء في الوقت ذاته. وتم تعيين الفريق حسين كامل نائباً لرئيس اللجنة الاقتصادية (غرفة العمليات الاقتصادية سابقاً)" (47).

وتعليقاً على هذا الوضع الذي جعل حسين كامل "صاحب الكلمة الأولى في الدولة مقدماً هيئة التصنيع العسكري على الوزارات والجهات المسؤولة، يقول الراوي: "على الرغم من اعتراضي المتواصل في اللجنة الاقتصادية ولجنة الموارد المالية على هذا الموقف الجديد فإن رئيس اللجنة وأعضاءها الآخرين لم يكونوا قادرين على معارضة نائب رئيس اللجنة (حسين كامل). وحينما علم الرئيس الراحل بالأمر اتصل بي هاتفياً وطلبني على عجل وأن أجلب معي الحاسبة التي يعلم بأنها لا تفارقني وذلك لشرح الموضوع. وكان حاضراً في اللقاء لطيف نصيف جاسم عضو القيادة القطرية ووزير الثقافة والإعلام. على أثر اللقاء ألغى قرارات اللجنة الاقتصادية في ما يتعلق بجميع تخصصات وزارة التجارة في المنهاج الاستيرادي المقترح لعام 1990، والتي تم تقليصها من قبل اللجنة الاقتصادية، وأضاف خمسمئة مليون دولار لفقرة الغذاء، وطلب مني الظهور في ندوة تلفزيونية مع رئيس المؤسسات العامة للإذاعة والتلفزيون ماجد السامرائي للإعلان عن تخصيص نصف مليار دولار لشراء لحوم وحليب كبار وأجبان للشعب العراقي بسبب التحسّن في أسعار النفط. وأبلغ الرئيس الراحل الفريق حسين كمال بحضوري وحضور عضو القيادة القطرية لطيف الدليمي بأن صواريخك لا قيمة لها إذا جاع الشعب العراقي" (48).

فضيحة بنك دي لافور

تجدد السطور هذه، التي يريد منها صالح الراوي نقد حسين كامل من جهة ومديح صدام حسين الذي يمنح الأولوية للشعب وليس للتسلح من جهة ثانية، السؤال عن لغز "المطلوب رقم 35" ومصدر قوته لدى "الرئيس الراحل". فكيف أن الآخرين لا يقدرون على الاعتراض على حسين كامل فيما يعترض الوزير الذي لا تفارقه الحاسبة، ويوصل ذلك إلى صدام حسين واثقاً من استجابته؟

لكن الجواب عن هذا السؤال يتأجل لأن ملف حسين كامل والتصنيع العسكري الذي "يكشف عن خططه المستقبلية إعلامياً ويبالغ فيه" ما زال مهماً. يقول: "بدلاً من المنهج السري المعتمد من قبل الدول المنتجة للأسلحة وبعد الاعتراف بالمحظور منها على الرغم من إنتاجها لها، إلا أن المشرف على هيئة التصنيع العسكري وكوادره القيادية تبنّوا سياسة مغايرة، وذلك بالإعلان عن برامج التصنيع العسكري وخططه ومنتجاته من دون التحسّب لردود الفعل الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، إذ كان يتم الإعلان عن تلك البرامج قبل الوصول إلى الإنتاج الفعلي للأسلحة والمبالغة في الإعلان عنها وكشفها، خصوصاً السرية منها أمام بعض الزائرين من الرؤساء والملوك. وكان الفعل الإعلامي الأوسع نطاقاً والأكثر ضرراً على التصنيع العسكري وعلى العراق هو إقامة معرض للصناعات العسكرية على أرض معرض بغداد الدولي التابع لوزارة التجارة، ودعوة وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، ودعوة سفراء الدول المقيمين والوفود لزيارة أجنحة المعرض والاطلاع على المنتجات وعلى الخطط المستقبلية... أما المجال الثاني الذي تم من خلاله الكشف عن البرامج التفصيلية للتصنيع العسكري فهو إبرام الهيئة المذكورة قرضاً بمبلغ مليار دولار من بنك دي لافور الإيطالي فرع أتلانتا- الولايات المتحدة الأميركية لتأمين مشتريات التصنيع العسكري للمنتجات الحربية والمدنية من السوق الأميركية، ومن السوق الدولية من خلال البنك المذكور من دون التحسب بأن جميع تلك المشتريات ستكون خاضعة لرقابة وتدقيق صارمين من قبل السلطات الأميركية. ولقد كان البنك المذكور يغطي مشتريات القرض الزراعي الأميركي لتصدير المنتجات الزراعية الأميركية للعراق منذ عام 1982. وكانت وزارة التجارة تتولّى إدارة القرض المذكور ومتابعة تنفيذه مع وزارة الزراعة الأميركية إلا أن هيئة التصنيع العسكري ومن خلال ممثلها في لجنة المتابعة التي كنت أترأسها (مدير عام الاستيراد رجاء الخزرجي) تمكّن ومن دون علم وزارة التجارة، وبالاتفاق مع ممثل البنك المركزي (المدير العام صادق حسون) من إقناع بنك دي لافور بإيقاف تمويله القرض الزراعي السنوي وتحويل تمويله للتصنيع العسكري والصناعة بقرض متوسط الأجل بالمبلغ نفسه (مليار دولار) لتغطية مشتريات التصنيع العسكري والصناعة عام 1988، ومنها إنشاء مصنع تجميع سيارات ألزموبيل من قبل شركات جنرال موتوز الأميركية في معامل الإسكندرية في محافظة بابل. ولقد أدى هذا الإجراء إلى وضع وزارة التجارة ومستقبل استمرارية وصول الغذاء من السوق الأميركية إلى العراق في خطر بالغ، مما اضطرني إلى توبيخ ممثلي الصناعة والتصنيع العسكري في لجنة متابعة القرض الزراعي (رجاء الخزرجي والدكتور مهدي العبيدي المسؤول عن البرنامج النووي بأسلوب الطرد المركزي) أثناء الاجتماع قبل التهيئة للسفر إلى واشنطن لتجديد القرض" (49).

 

 

يتابع صالح الراوي "ولقد اتصل بي هاتفياً أحمد حسين خضير رئيس ديوان الرئاسة بحسب توجيه الرئيس الراحل لتوضيح سبب تصرّفي مع ممثلي التصنيع العسكري في ضوء شكوى الفريق حسين كامل للرئيس، فبيّنت خطورة الإجراء- ومن دون علم وزارة التجارة- على وصول إمدادات الغذاء للعراق من خلال تحويل وجهة تمويل بنك دي لافور إلى هيئة التصنيع العسكري، وإيقاف تغطية عقود الغذاء من خلال القرض الزراعي الأميركي، والأخطر من ذلك هو احتمال انكشاف مشتريات التصنيع العسكري، بالتالي التعرف إلى برامجه الخاصة. وقد اقترحت أن يلغى الإجراء ويتم تمويل مشتريات التصنيع العسكري بالنقد الأجنبي، ومن خارج السوق الأميركية. إلا أن الوضع بقي على حاله. وبالفعل، قاد الإجراء المذكور إلى كشف برامج التصنيع التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأميركية، ومنها محاولة تهريب أجهزة القدح التي تستخدم في الرؤوس النووية، والتي أدرجت في مشروع فرض العقوبات على العراق الذي تم عرضه في مجلس النواب الأميركي في أبريل 1990. ولقد كشفت اللجنة التحقيقية الأميركية عام 1992 حول ما أسمته بفضيحة بنك دي لافور مشتريات وبرامج التصنيع العسكري من خلال تعيين سكرتيرة البنك المذكور من الاستخبارات الأميركية، والتي كانت تنقل حركة مشتريات التصنيع العسكري أولاً بأول. وصدر التقرير متضمّناً كل الفعاليات التي تمت حول العقود المبرمة من التصنيع العسكري وأسماء المعنيين بهذا الشأن" (50).

طموحات حسين كامل

بعد هذه الصفحات التي تُلمح إلى احتمال بدء حسين كامل بالتآمر على العراق في وقت مبكر، مع تبرئة "الرئيس الراحل" من مبالغات حسين كامل في الإنفاق على التسليح على حساب الشعب وأمان البلاد، يتناول صالح الراوي طموحات حسين كامل وأطماعه وصراعه مع عدي صدام حسين.

يكتب: "كان عام 1995 هو العام الأقسى في فترة الحصار. بدأ سعر صرف الدولار بـ706 دنانير للدولار كمعدل لشهر يناير (كانون الثاني)، واستمر بالارتفاع ليصل إلى 1818 ديناراً في أغسطس (آب)، ثم ارتفع إلى 2252 ديناراً لشهر سبتمبر (أيلول) بعد الإعلان عن هروب حسين كامل صهر الرئيس الراحل في أغسطس 1995، ويعلن انشقاقه عن الرئيس ويطالب بإسقاطه، ويدلي بمعلومات غير دقيقة إلى أكيوس بعد أن كان الأخير قد أعلن أن العراق أنجز 95 في المئة من تدمير الأسلحة المحظورة بموجب القرار 687، وأصبح رفع الحصار عن العراق في المنظور القريب".

يتابع: "كان العراق يأمل في أن يرفع الحصار كلياً بعد أن أوفى بالتزاماته مع لجنة التفاوض التي يرأسها أكيوس وليس القبول بتصدير جزئي محدود وفق إشراف دولي ينتقص من سيادة البلد ويسمح للأمم المتحدة بالتدخل في شؤونه الداخلية. وهذه استراتيجية صحيحة إلا أن الهروب المفاجئ لحسين كامل وتوقيته وتقديمه معلومات خاطئة إلى أكيوس، وكذلك إلى فريق الاستخبارات الأميركية الذي قابله في عمان ادعى بأنها معلومات جديدة عن الأسلحة المحظورة كانت له نتائج كارثية على العراق، مع العلم بأنه هو المسؤول المباشر عن تقديم المعلومات من الجانب العراقي في لجنة التفاوض مع أكيوس المشكّلة بإشراف نائب رئيس الوزراء طارق عزيز، وبمشاركة وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف، ومعه رئيس الفريق الفني الدكتور عامر محمد رشيد مدير هيئة التصنيع العسكري سابقاً ووزير النفط الذي استمر بمهمّته لغاية احتلال العراق. وفي تقديري بأن القيادة ناقشت الموضوع، وأعلنت موقفها بالموافقة على التفاوض مع الأمم المتحدة بعد أن فقدت الأمل في رفع الحصار كلياً ونفاد الإمكانيات المالية بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي".

 

 

يضيف: "الأكيد أن النزاع بين عدي وحسين بلغ أشدّه كما أن حسين كامل كان أقوى من عدي الذي ليس له حظوة عند والده، في حين أصبح حسين كامل فعلياً الشخص الثاني في الدولة. ومعظم القرارات التي اتخذها الرئيس الراحل قبل الحصار وبعده كانت له مشاركة فيها من خلال قربه ولقاءاته اليومية العائلية. وكان أقوى من نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم، ونائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، وكلاهما كانا يحذران منه، ويتوددان إليه، ولا يرفضان له طلباً. وفي إحدى المناسبات تجاوز بأسلوب غير لائق واستفزازي على نائب رئيس الجمهورية أثناء اجتماعنا لمناقشة إحدى القضايا الاقتصادية، ولم يرد عليه، وإنما كتب رسالة إلى الرئيس صدام الذي شكل لجنة تحقيق برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم الذي طلب مني ومن الحاضرين الإدلاء بشهاداتنا بشكل منفرد. ولم يكن هروب حسين كامل ناجماً في تقديري عن الصراع القائم بينه وبين عدي فقط، حيث كان كما ذكرت له سلطة وموقع أكبر بكثير من عدي الذي كان يشغل منصباً رياضياً كرئيس للجنة الأولمبية ورئيس مجلس إدارة جريدة وقناة تلفزيون الشباب، وليس له تأثير في قرارات الدولة كما كان يتمتع به حسين كامل. وكان أحد الأسباب (لهروب حسين كامل) فقدانه الأمل في أن يشغل منصب رئيس الوزراء الذي كان يتطلع للوصول إليه، حيث لمست ذلك من خلال العلاقة التي كانت متينة بيننا قياساً بالوزراء الآخرين والتي نمت حينما كنت أعمل في ديوان الرئاسة، ومن خلال ثقة الرئيس بي... وكانت طموحاته للوصول إلى منصب رئيس الوزراء الذي تولّاه الرئيس صدام حسين منذ تعيينه رئيساً للجمهورية، ولغاية انسحاب العراق من الكويت، حيث عين الرئيس صدام الدكتور سعدون حمادي، من مواليد كربلاء، نائباً لرئيس الوزراء عضو القيادة القطرية، رئيساً للوزراء. ولقد كان كفوءاً إلا أنه لم يستمر في منصبه لمعارضة حسين كامل وعلي حسن المجيد، إذ لم يستجب للعديد من طروحاتهما في مجلس الوزراء... وبعد ما يزيد على عام سمعت في وسائل الإعلام وأنا في زيارة إلى محافظة نينوى بتعيين أحمد حسين وزير المالية، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية وقبل ذلك منصب رئيس ديوان الرئاسة، رئيساً للوزراء إضافة إلى منصبه وزيراً للمالية. بعد ذلك زارني حسين كامل يعاتبني بأنني السبب الذي دفع الرئيس إلى اختيار أحمد حسين رئيساً للوزراء. قلت له كيف؟ أجاب بأنك كنت تأخذه معك في زياراتك الميدانية إلى المحافظات، وتظهران بشكل متكرر سوية، تناقشان مع مديري فروع وزارتي التجارة والمالية أوضاع وزارتيكما، وحيث يعرض التلفزيون الرسمي نشاطات الوزراء في أخبار الساعة السابعة مساءً، وهذا النشاط لفت انتباه الرئيس إليه كبديل من محمد حمزة الزبيدي. لم أؤيده الرأي فقلت له إن أحمد حسين صديق للرئيس وهو من حملة أوسمة ثورة 30 يوليو (تموز) وكان مشاركاً معه، وكان رئيساً لديوان الرئاسة معه لفترة طويلة. تيقنت بعد ذلك أن حسين كامل كان يطمح ليصبح رئيساً للوزراء (وكان يشعر أنه هو الأفضل من رؤساء الوزراء الثلاثة الذين عيّنهم الرئيس بعد أحداث 1991). إلا أن حسين كامل لم يتعاون مع رئيس الوزراء الجديد أحمد حسين، بل على العكس كان يضايقه وينتقده في مجلس الوزراء، ويصرّ على مضايقة وزارة التجارة كما حصل في قضية تحويل تخصيصات زيت الطعام والمساحيق والصوابين المقررة لوزارة التجارة في الاتفاقية العراقية- الأردنية إلى وزارة الصناعة والمعادن. وفي منتصف عام 1994، العام الصعب، فقد حسين كامل أمله في أن يكون رئيساً للوزراء، حيث كان الرئيس الراحل يعطي اهتماماً استثنائياً لغذاء المواطنين. وفي عام 1994 ارتفعت أسعار الطماطمة (البندورة) ارتفاعاً فاحشاً، وتدخلت تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في عملية التوزيع بأمر من الرئيس الراحل أملاً في السيطرة عليها، إلا أن المحاولة فشلت. وظهر في جريدة الجمهورية الرسمية مانشيت: من ينقذ شعب العراق من ارتفاع أسعار الطماطمة؟ اتصل بي الرئيس الراحل هاتفياً الساعة الرابعة فجر يوم 29 مايو (أيار) 1994، وقال "أنا حالياً في علوة الرشيد (سوق الجملة للخضراوات، الذي يقع في وسط طريق بغداد ومدينة المحمودية) أدقق في أسعار الطماطمة والخضراوات فهل أسعار الخضراوات من مسؤوليتك"؟ أجبته بأن تسعيرة الخضراوات أُلغيت قبل فرض الحصار، ووزارة التخطيط لديها قسم يتابع لأغراض إحصائية تلك الأسعار فهل أتولى الموضوع؟ أجاب: "لا، وإنما تأتيني الساعة العاشرة صباحاً في مكتبي"... ودخلنا الساعة العاشرة صباحاً بعد وصول حسين كامل ويحمل كالعادة مسدسه (هو وطه ياسين رمضان فحسب يدخلان على الرئيس بمسدسيهما). وبعد الانتهاء من مناقشة أسعار الخضراوات، وقبل انتهاء الاجتماع استأذنت الرئيس لإبداء رأي، وقلت إن "ظروف البلد تزداد صعوبة مع استمرار الحصار ونحن في السنة الرابعة، وبالرغم من الجهود التي يبذلها رئيس مجلس الوزراء فإنني أرى أن البلد سيواجه صعوبات كبيرة في الفترة المقبلة إذا لم تتولّ سيادتكم رئاسة المجلس". وانتهى الاجتماع. وفي الساعة التاسعة من مساء اليوم نفسه أُذيع في الأخبار الرئيسة في قناة العراق التلفزيونية الخبر الرئيس، وهو إعفاء أحمد حسين السامرائي من منصب رئيس الوزراء وإعادته إلى منصبه رئيساً لديوان رئاسة الجمهورية بدرجة نائب رئيس وزراء، وتولى صدام حسين منصب رئيس الوزراء. فقد حسين كامل أي أمل له في التعيين بعد أن عاد الرئيس الراحل رئيساً لمجلس الوزراء، ولا يمكن لأحد أن يكون قادراً على إدارة مجلس الوزراء غيره آنذاك" (201).

الانقلاب على البطاقة التموينية

وفي الصندوق الأسود عن "محاولات حسين كامل لإلغاء البطاقة التموينية"، يرد الآتي: "كانت المحاولة الأولى التي طرح فيها حسين كامل إلغاء البطاقة التموينية واستبدالها بمبلغ قدره ثلاثة آلاف دينار للموظفين حصراً نهاية عام 1994، إذ اتصل بي رئيس أمانة مجلس الوزراء الدكتور خليل المعموري لحضور اجتماع عاجل بشأن البطاقة التموينية. ترأس الاجتماع الرئيس الراحل صدام حسين، وبحضور نائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، والفريق حسين كامل... ألقى حسين كامل كلمة حول ضرورة إلغاء البطاقة التموينية، وبيع خزين وزارة التجارة من الغذاء المخصص للبطاقة التموينية بالمزايدة العلنية، ومنح الموظفين ثلاثة آلاف دينار شهرياً تمثّل قيمة فقرات البطاقة التموينية وفقاً لسعر السوق آنذاك. واعترضت على المقترح موضحاً آثاره الخطيرة في شرائح الشعب العراقي كلها، وضمنها الموظفون الذين اقترح حسين كامل منحهم ثلاثة آلاف دينار، ما سيقود حتماً إلى وقوع المجاعة الشاملة في العراق في ظل ظروف الحصار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويذكر صالح الراوي: "لم يتوقف حسين كامل في محاولاته لإلغاء البطاقة التموينية، وقد قدّم بعد فترة قصيرة في نهاية عام 1994 مقترحاً معدلاً لمقترحه السابق في مجلس الوزراء، وهو حصر البطاقة التموينية بالموظفين والقوات المسلحة والمتقاعدين. ووافق الرئيس الراحل على تقديم دراسة إلى مجلس الوزراء بعد إجراء المسح الفعلي للمشمولين بحسب مقترح حسين كامل. تم تقديم الدراسة بعد أن تم حصر المشمولين بدقة، وعقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة، والقيادة القطرية، ومجلس الوزراء برئاسة الرئيس الراحل لمناقشتها موضحاً أن المشمولين يمثّلون 78 في المئة من السكان، والمتبقّين غير المشمولين نسبتهم 22 في المئة هم من المشمولين بالرعاية الاجتماعية والفقراء والموظفين الذين تركوا العمل في الدولة بسبب قلة الراتب. وهذه النسبة الـ22 في المئة ستدخل السوق مباشرة بعد إيقاف تجهيزها بالحصة التموينية مما سيقود إلى تفاقم التضخم... وأشرت للرئيس بأن سيادتكم تعهد للشعب في بداية الحصار بأن الدولة ستوفر الأمن الغذائي للعائلة العراقية بهدف التذكير بعدم التخلّي عن التزامه، وللضغط لإبقاء البطاقة التموينية لجميع السكان كما هي عليه. اقتنع الرئيس بالإجابة، ولكن بقي حسين كامل متمسكاً برأيه، فسألني الرئيس هل لديك خزين من الحبوب يكفينا إلى الموسم المقبل؟ وأجبت بالإيجاب، فقال إذاً يبقى الوضع كما هو من دون استثناء أحد، ويعلن ذلك كخبر للاجتماع في وسائل الإعلام. عندها انبرى حسين كامل بغضب ليقول للرئيس إن "وزير التجارة يكذب علينا في اجتماع اللجنة الاقتصادية، ويقول ليس لدي خزين كافٍ". فأجبت: "وهل يصدق الفريق حسين أنني سأعطي معلومات صحيحة عن الخزين الاستراتيجي للغذاء والاستخبارات الأميركية تتابع الموضوع؟ لا يمكن أن أعطي معلومات عن الخزين الاستراتيجي إلا لسيادتكم، ولا يعرف به في العراق سوى ثلاثة أشخاص هم مدير عام الغذائية، ومدير عام الحبوب وأنا ويُرفع لسيادتكم دورياً للاطلاع". انفض الاجتماع برفض مقترح حسين كامل وبقاء جميع المواطنين مشمولين بالحصة الغذائية من دون استثناء" (358).

وهذه قصة أخرى عن حسين كامل "تتلخص بعرض وزارة التجارة مناقصة شراء سكر للبطاقة التموينية بمبلغ خمسة ملايين دولار وبسعر 420 دولاراً للطن استناداً إلى سعر البورصة في السوق الدولية على اللجنة الاقتصادية للحصول على موافقتها على تخصيص المبلغ. عند مناقشة الموضوع طلب الفريق حسين أن يحول المبلغ إلى هيئة التصنيع العسكري لشراء السكر بسعر 300 دولار للطن. وأبديت اعتراضي لأن السعر وهمي، ولا يمكن لأي جهة مجهزة للسكر أن تخفض أسعارها بـ120 دولاراً عن سعر البورصة المعلنة في السوق الدولية، وأن تحويل المبلغ يعني أن المادة لن تصل إلى البلد، وسيحرم الشعب من هذه الفقرة في رمضان المقبل، ولكن اللجنة وافقت على طلب الفريق كالمعتاد. ورفع الموضوع إلى الرئيس الذي وافق مع تأشيرة ملاحظة "موافق ولكن العبرة بالتنفيذ"... إلا أن الفريق حسين استغل الفرق في السعر من دون أن يكلف فريقاً من عنده للتدقيق في صحة السعر المقدم للطعن بالوزارة أمام الرئيس الذي يلتقي به يومياً في المسكن ليحرّضه ضدي. وفي أحد الأيام، استدعيت على عجل لحضور اجتماع طارئ... دخل الرئيس ليترأس الاجتماع وهو في أشد حالات الانفعال في ضوء تحريض الفريق حسين الذي أعطاه الكلام. بدأ الفريق حسين بذكر الفرق الكبير في سعر السكر المقدم من وزارة التجارة مع سعر التصنيع العسكري... وطلبت من الرئيس الحديث وأجبت ما يلي: "في ما يتعلق بسعر السكر فأنا أُعيد لسيادتكم ما ذكرته في اجتماع اللجنة الاقتصادية، وهو إذا تمكن الفريق حسين من أن يستورد السكر بـ300 دولار للطن وسعره في السوق الدولية 420 دولاراً للطن فأنا وزير التجارة سأكتب للسيد الرئيس رسالة أبلغه بأنني مخرب وأستحق الإعدام وأنا ملتزم أمام سيادتكم بذلك. وأقول إن أسعار السكر مثل أسعار النفط تعلن يومياً في البورصة الدولية، وأؤكد لسيادتكم أن الفريق حسين لن يتمكن من ذلك. وأقترح أن تسألوا الدول الصديقة بكم اشترت السكر في يوم غلق المناقصة، فالعراق ليس وحده يستورد السكر. وعند إكمالي ذلك تغيّرت أسارير وجه الرئيس العابسة إلى ارتياح كأنما صب شخص ماءً بارداً على جسده، وأسند ظهره إلى الكرسي وهو يستمع" (360).

 

 

يضيف صالح الراوي: "بعد انتهاء حديثي أعلاه تحدث الرئيس مباشرة معي بأنني أثق بكل عمل قمت به، وموافق عليه وما زلت من كوادر ديوان الرئاسة، وأشكرك على ذلك. ووجّه كلامه إلى الفريق حسين: "وأنت يا حسين قسماً بالله لئن تقرّبت بعد الآن على وزير التجارة أو وزارة التجارة لترى مني ما لم يره أحد من قبل. وأنهى الاجتماع، وطلب مني أن أرافقه إلى غرفته وقال بعد جلوسي أطلب مني أي شيء أنفّذه لك. أجبته لا أريد أي شيء سوى أن يكف الفريق حسين يده عنّا، ويتركنا نعمل، وإنني أعاهدك طالما أشتم الهواء لن يتوقف الغذاء عن الشعب العراقي".

ويختتم صالح الراوي قصته: وفشل الفريق حسين وهيئة التصنيع العسكري بتوريد السكر، واستولى الفريق حسين على الخمسة ملايين دولار، إذ طلب من الهيئة إبلاغ مصرف الرافدين لتحويلها إلى كاش ليأخذها معه يوم هروبه. وشاء القدر أن تتأخر عملية التحويل لحين إعلان هروبه إلى الأردن، حيث تم إبلاغ مدير عام مصرف الرافدين بعدم تسليم المبلغ. والمهم أن السكر لم يصل. والغريب أن الفريق حسين زارني قبل هروبه، في الوزارة، وطلب أن أذهب معه للمشاركة في احتفال افتتاح معمل صنع الأثاث في التاجي حيث وافقت على طلبه بتجهيز المعمل بكل الكميات التي طلبتها وزارة الصناعة لإنتاج الأثاث. وبهروب الفريق حسين أزيح الضغط عن إلغاء البطاقة التموينية، وتم إعادة مبلغ الـ180 مليون دولار المخصص لشراء الزيوت النباتية والصوابين والمساحيق على الاتفاقية العراقية- الأردنية إلى وزارة التجارة" (362).

ونعود قليلاً إلى الصفحة 202، لنقرأ خلاصة وزير التجارة: "لقد كان لهروب حسين كامل إلى الأردن وإعلانه انشقاقه ومطالبته بإسقاط الرئيس الراحل صدام حسين ابن عمه، وكذلك ادعائه لرئيس لجنة أسلحة الدمار الشامل أكيوس، ولفريق من الاستخبارات الأميركية، معلومات مموهة وغير صحيحة، تبعات كارثية على مستقبل العراق، وعلى ما آل إليه الوضع بعدما اقترب العراق من رفع الحصار بحسب ما أعلن أكيوس بأن العراق أنجز 95 في المئة من مهمة تدمير الأسلحة وأعاد هروب حسين كامل الموقف إلى المربع الأول".

المزيد من كتب