Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خطوة في رحلة طويلة": بلدة بريطانية رائدة تلتزم بحمية نباتية

تشجع هذه البلدة في غرب ساسكس سكانها الـ 34 ألفاً على التوقف عن استهلاك المنتجات الحيوانية للمساعدة في مكافحة أزمة المناخ وجاين دالتون تلتقي بعضهم

"إن الحمية النباتية مفيدة للجميع في النهاية، فهي أفضل بالنسبة إلى البيئة وللأطفال..." (رويترز)

تعتبر هايوردز هيث بلدة بريطانية عادية من نواح كثيرة، وبسبب موقعها غرب ساسكس على خط سكة الحديد الرئيس الذي يصل برايتون بلندن، تتمتع البلدة بشعبية في أوساط المسافرين إلى العاصمة، ولكنها تضم كذلك شريحة كبيرة من المسنين. وتزدهر فيها المنظمات الخيرية والمقاهي، إنما خلال السنوات الأخيرة فقدت البلدة فروعها المحلية من المتاجر الكبرى مثل "سانتاندر" و"كوريز" و"كو أوب" و"دوروثي بيركنز"، وهي على دراية تامة بمعارك التخطيط المدني.

 إلى الآن الأمور عادية، لكن هايوردز هيث قد دخلت التاريخ باتخاذها خطوة رائدة في مكافحة أزمة المناخ، فقد انضم مجلس البلدة إلى معاهدة النباتية وهي مبادرة تهدف إلى إقناع زعماء العالم بتحفيز المجتمعات تدريجياً على الانتقال من الحمية الغذائية التي تضم منتجات حيوانية إلى حمية تستغني عنها أو ما يعرف بالأطعمة النباتية.

يتفق الخبراء على أن الزراعة الحيوانية إحدى الأسباب الرائدة لانبعاثات غازات الدفيئة التي تؤدي إلى تغير المناخ، ويعود ذلك جزئياً إلى ارتفاع منسوب انبعاثاتها من "ثاني أكسيد الكربون" والـ "ميثان" والـ "نيتروس أكسيد"، وجزئياً لأنها تؤدي إلى اقتلاع الأشجار مع إزالة الموائل لتأمين أعلاف المواشي والحيوانات، وهي أراض يمكنها إنتاج مزيد من الغذاء للناس إن استخدمت لزراعة المحاصيل القابلة للاستهلاك البشري. 

كما تؤدي إلى خسارة التنوع البيولوجي وتلوث المياه في الوقت الذي ربط فيه ارتفاع استهلاك المنتجات الحيوانية بأمراض القلب والسرطان.

وتتراوح مطالب المعاهدة التي تبلغ 38 بنداً بين الامتناع من بناء مزارع حيوانية جديدة وعدم تكثيف العمل في المزارع إلى التحول نحو تقديم وجبات نباتية في المدارس والمستشفيات ودور الرعاية، إضافة إلى دعم إنتاج الفاكهة والخضراوات.

ويمكن تقديم المنح المالية لمزارعي المواشي إن انتقلوا نحو الإنتاج النباتي، فيما يصبح الأمن الغذائي أولوية لكل دول العالم "مع التركيز على وضع حد للفقر والجوع".

حتى الآن قدمت 17 مدينة حول العالم دعمها للمعاهدة ومنها بوينتون بيتش في فلوريدا، لكن بلدة هايوردز هيث المتواضعة التي تضم نحو 34 ألف نسمة هي أول المدن الأوروبية التي تنضم إليها.

من موقعي كمراسلة صحافية نباتية تعيش في الداخل [المحلي] كان عليّ أن أعرف مزيداً من معنى هذا الالتزام، ولذلك انطلقت في صباح دبق بسبب رطوبة كوكب ترتفع حرارته لكي أكتشف ما يعنيه هذا عملياً، وما هو رد السكان عليه.

لكي يقدم أي مكان دعمه الرسمي للمعاهدة يجب أن يقره أعضاء المجالس البلدية بعد التصويت عليه، فيما يمثل هذا الدعم إجمالاً دعوة إلى الحكومة البريطانية لكي تتفاوض على معاهدة نباتية عالمية.

وسوف تبدأ الخطوات العملية في هايوردز هيث بتوزيع جوائز بيئية على المدارس والشركات التي تخفف من هدر الطعام وتشجع على اتباع حميات نباتية، وسيوفر المجلس البلدي مواداً تساعد المدارس في إلهام الجيل الجديد لكي يقلص بصمة انبعاثاته من غازات الدفيئة. 

يقر ريتشارد نيكولسون، عضو البلدية المنتمي إلى حزب الخضر الذي أقنع المجلس بالموافقة على تأييد المعاهدة، بأن هذه الخطوة لن توقف بسرعة الانبعاثات المضرة ولا حتى أن تغير رأي الجميع، ويقول "إنها أول خطوة في طريق طويل، ولكننا ننظر إلينا باعتبارها مدماك السياسة المستقبلية".  

أقنع عضو البلدية نيكلوسون المجلس البلدي بدعم مبادرة فيغانواري لاتباع حمية نباتية في يناير (كانون الثاني)، إذ قدم الدعم للمطاعم والمتاجر الكبرى لتحفيز العملاء على الابتعاد من اللحوم وغيرها من المنتجات الحيوانية، وهو يأمل بتكرار هذه التجربة.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن مايك بيلو (76 عاماً) الذي كان متوجهاً إلى متجر "ويتروز" لم يكن مستعداً للاقتناع بالفكرة، وقال "أنا أحب اللحوم كثيراً وأؤمن بوجود طرق أفضل بكثير من أجل مكافحة تغير المناخ، ومنها مثلاً كمية سفر الأشخاص والانتقال من الغاز والنفط إلى مصادر الطاقة المتجددة".

في المقابل تقول زوجته شيلا (78 عاماً)، "يمكنني الامتناع من تناول اللحوم، وفي بعض الأيام لا أشعر بالرغبة في أكل اللحوم لأنني لا أحب طعمها أحياناً، ولكنني أؤيد فكرة تخفيف السفر. لم نسافر منذ قبل كوفيد".

من جهتها اعتبرت المساعدة القانونية يوجيني كلارك (23 عاماً) التي كانت تأخذ استراحة من عملها وتجلس على مقعد في الحديقة، أنها لن تغير نظام أكلها نحو النباتية حالياً، مضيفة أنها لا تعير انتباهاً كثيراً للطعام النباتي عادة، ولكن ربما عليها أن تفعل ذلك مع أنه يجب أن يتحلى الطعام بنكهة لذيذة لكي تقتنع به.

لكن المحاسبة إستر هولدن ملتزمة نسبياً بحمية نباتية أساساً، وهي لا تتناول اللحوم سوى في النادر وترى أن زملاءها بدأوا بتقليص استهلاكهم من اللحوم.

تقول، "كان والداي يهتمان بالقضايا البيئية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وسيسعدني أن أتحول إلى النباتية على الأرجح، لكن السؤال هو إن كنت أستطيع إقناع باقي أفراد العائلة لأنني لا أريد تحضير وجبات كثيرة. الأطفال يأكلون الخضراوات بلا مشكلات، لذلك لن يتذمروا كثيراً، وأناقش هذا الموضوع كثيراً مع زملائي. بدأ الناس بالتفكير فيه لا سيما بعد حدوث موجة الجفاف، ومن المؤسف أنهم لم يفكروا في الموضوع منذ عقود".

وبالنسبة إلى أكلة اللحوم الذين لا يقبلون بتغيير عاداتهم، تقول "قد نحب أموراً كثيرة إنما لا يعني ذلك بالضرورة أنه علينا القيام بها".

أما زوجها لي (41 عاماً) فيتناول الطعام النباتي أياماً كثيرة، لكن ما يمنعه من الالتزام بذلك دائماً هو حبه للأجبان، ولدى الزوجان ابنة في عمر المراهقة تعاني حساسية من مشتقات الحليب وتتبع النظام النباتي الصرف لأنها "تكره فكرة اللحوم المصنعة الرخيصة الثمن".

في نقطة أبعد من الشارع نفسه يقول مدير التوظيف ريتشارد كولمان (45 عاماً) "أحب تناول شرائح اللحم كثيراً وأستمتع بأكل اللحوم"، ويشير إلى أن الفكرة لن تنجح لأن الناس يحبذون الحصول على خيارات.

تشرح نيكولا هاريس، منسقة المبادرة في المملكة المتحدة التي يعمل زملاؤها على كسب تأييد للمبادرة من نيويورك إلى مومباي، بأن تأييد معاهدة النباتية يعادل إعلان حال الطوارئ المناخية.

وتذكر دراسة أشارت إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وكشفت عن أنه لو تم اعتماد حمية نباتية حول العالم فستتقلص الأراضي الزراعية بنسبة 75 في المئة.

وتضيف بأنه "على سبيل المثال، بغرض تربية المواشي، يتطلب إنتاج غرام واحد من البروتين مساحة أراض مضاعفة 100 مرة أكثر من المساحة الضرورية لإنتاج غرام من البروتين من البازلاء أو التوفو".

في طريق العودة استوقفت سيدة تغادر "ويتروز" رفقة ابنها اليافع، وللمصادفة تبين أن المديرة الإبداعية كات تورنر تلتزم أساساً بأسلوب حياة نباتي وقد أسعدتها الخطوة التي اتخذها المجلس البلدي. 

وتقول تعليقاً على الموضوع "إن الحمية النباتية مفيدة للجميع في النهاية، فهي أفضل بالنسبة إلى البيئة وللأطفال الذين يترعرعون وهم مدركون لمصدر طعامهم، ويصبح الموضوع طبيعياً أكثر وهذا أمر حماسي جداً بالنسبة إلي".

وتضيف تورنر البالغة من العمر 39 عاماً، "ليس للموضوع أي جانب سلبي أبداً، ورأينا مقاومة كبيرة له عبر السنوات من قطاع مشتقات الحليب أو مزارعي اللحوم، وهذا مرعب بالنسبة إليهم لأنه مصدر رزقهم، ولكن لو تمكنوا من الانضمام إلى هذه المسيرة فهذا حماسي للغاية. أنا فخورة جداً بهايوردز هيث".

© The Independent

المزيد من بيئة