تسببت حشود عسكرية جديدة موالية لرئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا، في بعض المدن المحيطة بطرابلس والمؤدية إليها، بقلق شعبي كبير من وقوع المحذور واندلاع اشتباكات جديدة داخل العاصمة، خصوصاً أنها تزامنت مع سجال حاد على مواقع التواصل بين باشاغا ورئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة.
وفي مؤشر آخر، عزز احتمال تجدد الصراع المسلح لحسم الخلاف بشأن السلطة التنفيذية، الذي لم يحسم منذ مارس (آذار) الماضي، تحذير مجموعة من الكتائب المسلحة في طرابلس من أي محاولة جديدة تقوم بها قوات باشاغا لدخول طرابلس، وقالت إنها "جاهزة للتصدي لها".
وكانت الأمم المتحدة حذرت من اندلاع "حرب أهلية" في ليبيا، إذا ما لجأت الأطراف المتنازعة على السلطة إلى السلاح لحسم خلافاتها السياسية.
حشد عسكري ضخم
قال شهود عيان ومدونون على مواقع التواصل إن حشداً عسكرياً كبيراً تابعاً لباشاغا تجمع مساء الأربعاء 24 أغسطس (آب) 2022 في مدن ومناطق عدة شرق طرابلس وغربها، في ما يبدو محاولة جديدة من رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان للدخول إليها بعد يوم واحد من ظهور رئيس المنطقة العسكرية الغربية الموالي لباشاغا، اللواء أسامة الجويلي، وهو يتفقد السرية الطبية التابعة لقواته في جنوب غربي طرابلس.
ودفع هذا التصعيد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى إصدار بيان مقتضب قالت فيه إنها "تتابع ببالغ القلق ما يجري من تحشيد للقوات وتهديدات باللجوء إلى القوة لتسوية مزاعم الشرعية في ليبيا، وتدعو كل الأطراف إلى تجنب اللجوء إلى العنف لحل خلافاتها السياسية".
تحذير من دخول العاصمة
في السياق ذاته، أكدت قيادات عسكرية وأمنية بعد اجتماع في قاعدة طرابلس البحرية أنها "جاهزة للدفاع عن مدينتها وردع أي قوة تهدد أمن العاصمة وسلامتها" بعد تواتر المؤشرات على استعداد قوات موالية لباشاغا لاقتحام المدينة من جديد بقوة عسكرية كبيرة.
أضاف البيان أن "الاجتماع ناقش الوضع الأمني في البلاد"، وأكد المجتمعون "النأي بأنفسهم عن الصراعات السياسية ومنع الاقتتال بكل أشكاله بين الإخوة، والوصول إلى حلول سلمية بعيدة من الحرب والقتال لإنهاء الصراع القائم بين الأطراف السياسية ووضع مصلحة البلاد والمواطن فوق كل اعتبار".
سجال إلكتروني
بالتزامن، نشر باشاغا على صفحاته في مواقع التواصل نص رسالة بعثها إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، دعاه فيها إلى "التزام مبادئ الديمقراطية التي تفرض الالتزام بالتداول السلمي للسلطة".
وطالب باشاغا الدبيبة الذي وصفه بـ"رئيس الحكومة السابق"، إلى "الجنوح للسلم بعزة وشرف"، محملاً إياه "المسؤولية الكاملة عن تعنته ورفضه تسليم السلطة لحكومته المنتخبة من مجلس النواب".
وختم باشاغا رسالته بالقول "هذا بيان وبلاغ إبراء للذمة وإقامة للحجة ودعوة وطنية صادقة نتطلع إلى استجابتكم لها بروح وطنية عالية، تولي احتراماً لمصلحة الوطن عما دونه من مصالح، وتسليم السلطة سلمياً تجسيداً لمعاني الشرعية والديمقراطية، وترسيخاً لأسس الدولة المدنية التي ضحى لأجل قيامها رجال يستحقون الوفاء لما بذلوه من التضحيات النفيسة".
ورد الدبيبة على رسالة باشاغا بشأن تسليم السلطة في تغريدة على "تويتر"، جاء فيها "إلى وزير الداخلية الأسبق، وفر عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين، لو كان لديك حرص على حياة الليبيين ركز جهدك على دخول الانتخابات ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها".
أضاف "لم أرد برسالة لأني مشغول بخدمة الليبيين".
واعتبر مراقبون أن رسالة باشاغا ورد الدبيبة عليها دليل واضح على وصول العلاقة بين الرجلين إلى طريق مسدود يستحيل معه توقع حلول سلمية لخلافهما على رئاسة السلطة التنفيذية، ومؤشر خطير على تداعيات هذا الصراع واقتراب حرب جديدة في العاصمة طرابلس يُخشى من أن تجر نتائج كارثية على البلاد برمتها.
دعوة لتحكيم العقل
بعد ساعات قليلة من تداول خطاب باشاغا ورد الدبيبة عليه، طالبت اللجنة المشتركة المشكلة من رئاسة الأركان العامة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وعدد من المشايخ والأعيان من مصراتة وطرابلس "جميع الأطراف الليبية إلى نبذ استخدام القوة واللجوء إلى الحوار وتحكيم العقل، وصولاً إلى خريطة طريق جديدة تنهي الصراعات السياسية والأمنية الحالية".
وشددت اللجنة في بيان، الأربعاء، على "التمسك بوحدة البلاد وحرمة الدم الليبي". وطالبت المجلس الرئاسي بـ"العمل على إخراج البلاد من المأزق السياسي والأمني بخريطة طريق واضحة تتضمن وقتاً محدداً لإجراء انتخابات عامة في البلاد".
الجيش يرفض التدخل
في بنغازي أكد المتحدث باسم الجيش، أحمد المسماري، أنه "لا يدعم أي طرف على حساب الآخر في الأزمة التي تشهدها طرابلس"، واصفاً ما يجري في العاصمة بأنه "صراع سياسي بحت والجيش الوطني ليس طرفاً فيه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف "لا نقف مع أحد ضد أحد، والقيادة العامة للجيش خارج هذا الموضوع، وليس من مهماتنا مناصرة أي طرف سياسي على الآخر، وكل ما نتمناه أن يصل الشعب الليبي إلى الانتخابات بشكل سريع وآمن ونزيه، حتى تنتهي كل هذه الأجسام وتنتهي الأزمة التي هناك من يغذيها من الداخل والخارج لتستمر أكثر وأكثر".
ورأى أن "ما يحدث في طرابلس هو أن السلاح بأيدي قوة تذهب لمن يدفع أكثر ومن يشرعنها، وأن هناك ميليشيات تبيع الأسلحة والمقاتلين، وأن الجيش يرفض التدخل في الصراع العاصمي ما لم يطلب الشعب الليبي منه ذلك".
تهديد لأمن طرابلس
من جانبه اعتبر المتحدث باسم رئاسة الأركان التابعة لحكومة الدبيبة، محمد قنونو، تصريحات المسماري بأنها "تهديد مباشر للعاصمة".
وأكد قنونو، أن "قواتهم جاهزة للدفاع عن العاصمة، بعد تصريحات المسماري الذي يتوهم أنه يستطيع مع حلفائه الجدد أن يتمكن من دخول طرابلس من جديد".
تابع "لطالما دعمنا الحلول السياسية والاجتماعية طيلة فترة العدوان على العاصمة ومدن الغرب الليبي، الذي استمر 18 شهراً، ونحن ننادي هذه المرة أيضاً مشايخ وأعيان ومثقفي ونخب المدن والمناطق التي تورطت مع حفتر لتحكيم العقل وتجنيب البلاد ويلات حرب جديدة".
حرب في الأفق
يتخوف الكاتب السياسي محمد الجارح من عواقب استمرار الدبيبة في السلطة، ويحمله المسؤولية عن أي حرب جديدة تشهدها المدينة، قائلاً "على الدبيبة ومن معه التوقف عن اغتصاب السلطة وتسليمها على الفور، لأن نتائج استمرار هذا التعنت ستكون كارثية وستؤدي إلى حرب حتمية".
في المقابل، اعتبر الناشط السياسي أحمد القماطي، أن "أي محاولة للإطاحة بحكومة الدبيبة الشرعية أمر غير مقبول ويجب إدانته".
وشدد على أن "التهديدات باستخدام القوة والعنف لدخول العاصمة طرابلس أمر غير مقبول ويجب إدانته من قبل جميع الجهات المحلية والدولية".
وخلص إلى أنه "يجب أن يواجه كل من يحاول إعادة ليبيا إلى حالة الحرب عقوبات، ولا بد من مواجهتهم عسكرياً إذا ما اختاروا دخول العاصمة بالقوة".