في المملكة المتحدة، تقرر تقديم جرعة تحصينية معززة ضد فيروس شلل الأطفال لجميع الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة وتسع سنوات في لندن الكبرى، وذلك في محاولة للحد من انتشار تفشي المرض في العاصمة البريطانية واحتوائه.
وفي التفاصيل أن نحو 116 عينة من فيروس شلل الأطفال الشبيه بالجسيم الفيروسي المستخدم في اللقاح رصدت في مياه الصرف الصحي الخاصة بثمانية أحياء في لندن بين فبراير (شباط) ويوليو (تموز) من العام الحالي، وفق "وكالة الأمن الصحي البريطانية" (UKHSA). في العادة، يُكتشف ما يصل إلى ثلاث عينات في جميع أنحاء إنجلترا سنوياً.
قالت "وكالة الأمن الصحي البريطانية" إن عدداً قليلاً فقط من العينات التي رصدت من الفيروس قد طرأت عليها طفرات جينية كافية لتصنيفها على أنها فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح "في دي بي في 2" (VDPV2)، والتي، شأن "شلل الأطفال البري"، قادرة على إحداث الشلل لدى الأفراد غير المطعمين.
ولكن مع انتشار الفيروس الآن في أجزاء من لندن، قرر مسؤولون صحيون تقديم جرعة معززة احترازية لجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وتسع سنوات في العاصمة البريطانية، وتأمل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أن تكتمل عملية توزيع اللقاحات في غضون أربعة إلى ستة أسابيع.
وقالت الدكتورة فانيسا صليبا، استشارية في علم الأوبئة في "وكالة الأمن الصحي البريطانية" إنه لم يُبلغ عن أي حالات إصابة بشلل الأطفال، وبالنسبة إلى غالبية السكان الذين أخذوا تطعيمهم بالكامل، يبقى خطر العدوى منخفضاً".
"لكننا نعلم أن المناطق في لندن حيث ينتقل فيروس شلل الأطفال لديها أقل معدلات من التطعيم. ولهذا السبب ينتشر الفيروس في هذه المجتمعات ويعرض هؤلاء السكان الذين لم يأخذوا لقاحاتهم المطلوبة كافة لخطر أكبر"، أضافت الدكتورة صليبا.
سيبدأ المسؤولون في تقديم جرعة معززة من لقاح شلل الأطفال غير النشط (اختصاراًIPV ) في تلك الأجزاء من العاصمة حيث ينتقل الفيروس ومستوى التطعيم منخفض.
رُصدت عينة إيجابية واحدة على أقل تقدير من فيروس شلل الأطفال في كل من بارنت، وبرنت، وكامدن، وإنفيلد، وهاكني، وهارينجي، وإيسلينغتون، ووالثام فورست، وفق وكالة "وكالة الأمن الصحي البريطانية".
عموماً، تسجل لندن أحد أدنى معدلات التطعيم في المملكة المتحدة: 71.4 في المئة من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم خمس سنوات أو أقل يتمتعون بالحماية الكاملة ضد الفيروس. في بعض الأحياء، يصل معدل التطعيم حتى 54.5 في المئة.
تذكيراً، تُعطى لقاحات شلل الأطفال ضمن مجموعة لقاحات الطفولة الروتينية التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) في الأسابيع الثامن و12 و16 من العمر كجزء من لقاح "6 في 1" [يشتمل في المملكة المتحدة على "الدفتيريا، والكزاز، والسعال الديكي اللاخلوي، والمستدمية النزلية، والتهاب الكبد الوبائي بي، ولقاح شلل الأطفال المعطل"]. وتؤخذ الجرعات التعزيزية في سن الثلاث سنوات والرابعة عشر.
قالت جين كليغ، رئيسة قسم التمريض في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" في لندن إنه "في حين أن غالبية سكان لندن محميون من شلل الأطفال، فإن "أن أتش أس" ستتواصل قريباً مع أهالي الأطفال المؤهلين الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وتسع سنوات لتزويدهم بجرعة إضافية لضمان أنهم يتمتعون بأقصى حماية من الفيروس.
"بدأنا فعلاً التواصل مع أولياء الأمور ومقدمي الرعاية للأطفال الذين لم يواكبوا التطعيمات الروتينية، والذين يمكنهم حجز موعد متابعة لدى عيادة طبيبهم العام الآن، ولأي شخص غير متأكد من حالة تطعيم أطفاله، يمكنه التحقق من كتاب التطعيم الأحمر لديه"، أضافت كليغ.
الأشخاص الذين لم يأخذوا التطعيمات المطلوبة ضد شلل الأطفال بشكل كامل أكثر عرضة للإصابة بأعراض العدوى. على الرغم من عدم وجود حالات إصابة بشلل الأطفال المسبب للشلل في المملكة المتحدة، يخشى مسؤولو "وكالة الأمن الصحي البريطانية" أن يتغير هذا الواقع إذا سُمح للفيروس بالانتشار [لم تتخذ إجراءات لوقف عدوى] على نطاق أكبر في الأحياء ذات نسبة التطعيم المنخفض داخل لندن.
على المنوال نفسه، تواجه نيويورك تفشي المرض وأعلنت في وقت سابق من الشهر الحالي أن شخصاً بالغاً غير محصن أصيب بالفيروس وعانى الشلل.
وقالت "وكالة الأمن الصحي البريطانية" إن تلك الحالة متصلة وراثياً بعينات فيروس شلل الأطفال المكتشفة في لندن. ولكن مع ذلك يبدو مسار انتقال الفيروس غير واضح، وفق الوكالة، ما يجعل من المستحيل تحديد مكان ظهور الفيروس للمرة الأولى. كذلك رصدت إسرائيل عدداً من حالات فيروس شلل الأطفال.
معلوم أنه لفترة وجيزة، يتخلص الأشخاص الذين أخذوا تطعيمهم بلقاح شلل الأطفال الفموي الحي (اختصاراً "أو بي في" OPV)، والذي لم تستخدمه بريطانيا منذ 2004، من آثار فيروس شلل الأطفال الشبيه باللقاح في برازهم.
عليه، ذكرت "وكالة الأمن الصحي البريطانية" إن عينات من هذا النوع ترصد حتى ثلاث مرات في السنة في مياه الصرف الصحي في المملكة المتحدة، ومن المحتمل أن يكون مصدرها أشخاص أخذوا تلقيحهم خارج البلاد، وتعتبر طبيعية.
ولكن مع ذلك، يبدو أن العينات الفيروسية المرصودة في وقت سابق من العام الحالي في "أعمال معالجة الصرف الصحي في بيكتون بلندن"، والتي تغطي أربعة ملايين شخص في مختلف أنحاء شمال شرقي العاصمة البريطانية، مرتبطة ببعضها وتتشارك طفرات جينية، ما يشير إلى أن الفيروس آخذ في الانتشار والتطور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
للأسف، في مقدور هذا النوع من فيروس شلل الأطفال، أي "في دي بي في 2"، أن يسبب مرضاً خطيراً، بما في ذلك الشلل، لدى الأشخاص غير المحصنين، كما شوهد في نيويورك.
ليس مستبعداً أن تفشي المرض أخيراً في المملكة المتحدة قد بدأ بعدما أخذ شخص كان تناول تطعيمه بلقاح شلل الأطفال الفموي في بلد ما خارج المملكة المتحدة ينشر الفيروس في لندن. من هناك، ربما انتشر بعد ذلك داخل عائلة واحدة قبل أن ينتقل على نطاق أوسع عبر المجتمع.
تولت "وكالة الأمن الصحي البريطانية"، بالتعاون مع الهيئة المنظمة للأدوية، تعزيز مراقبة مياه الصرف الصحي لتقييم مدى انتشار الفيروس في لندن.
في الوقت نفسه، سيصار إلى إنشاء ما يصل حتى 15 موقعاً على المستوى الوطني لتحديد ما إذا كان فيروس شلل الأطفال ينتشر خارج لندن.
والجدير بالذكر أن آخر حالة مؤكدة بـ"شلل الأطفال البري" سجلتها المملكة المتحدة كانت في 1984 فيما أُعلنت البلاد خاليةً من الفيروس في 2003. وأفغانستان وباكستان الدولتان الوحيدتان في العالم حيث ما زال فيروس شلل الأطفال مصنفاً باعتباره فيروساً متوطناً.
© The Independent