انتهزت السعودية الفرصة في قمة جدة للأمن والتنمية، للتحدث بصراحة عن السياسات التي تروج إلى "التخلي عن الوقود الأحفوري بشكل عاجل"، فدعت إلى تحقيق التوازن بين المتطلبات البيئية وأمن الطاقة.
وعلى الرغم من أن السعودية قررت من قبل العمل على رفع قدرات إنتاجها من النفط إلى 13 مليون برميل يومياً، إلى جانب توسيع فرص التوسع في الاستخدامات النظيفة، إلا أنها أعادت التأكيد أمام القمة بحضور الرئيس الأميركي على أن التحديات العالمية "تقتضي التعامل مع التغيّر المناخي بواقعية ومسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن، بالانتقال التدريجي والمسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة"، كما جاء في كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الافتتاحية.
وأوضح أمام قمة جدة للأمن والتنمية إن تبني سياسات غير واقعية لخفض الانبعاثات من خلال إقصاء مصادر رئيسة للطاقة، سيؤدي مستقبلاً إلى "تضخم غير معهود، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة".
ولفت الأمير محمد إلى أن نمو الاقتصاد العالمي يرتبط بشكل وثيق بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوافرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية، أي النفط والغاز، مع التحكم في انبعاثاتها من خلال تقنيات نظيفة.
وأشار إلى أن بلاده تتبنى نهجاً متوازناً في هذا السياق "لتحقيق الحياد الكربوني وتصفير انبعاثات الكربون، وذلك من خلال الاقتصاد الدائري للكربون، بما يناسب خططها التنموية وتمكين التنوع الاقتصادي".
جاءت كلمة ولي العهد السعودي بعد تصريحات عدة من الولايات المتحدة في قمم سابقة للمناخ تدعو فيها إلى التخلي عن النفط بشكل نهائي من أجل الاحتباس الحراري، لكن بدا أن التضخم وارتفاع الأسعار بسبب الأزمات المتتالية جراء كورونا والهجوم الروسي على أوكرانيا، جعلا تلك القناعات تتبدل، لتصبح المطالبة بضخ مزيد من النفط سيدة الموقف.
التضخم صحح النظرة
وأشار عضو مجلس الشورى السعودي فضل البوعينين إلى أن الغرب وليس بايدن فحسب تراجعوا عن تطرفهم في التخلي الكلّي عن النفط بعد أول اختبار هدد مصالحهم ومصالح دولهم وشعوبهم.
وقال البوعينين "ربما يكون إطلاق الشعارات سهلاً، إلا أن الصعوبة تكمن في التنفيذ والالتزام بها بغض النظر عن تداعياتها السلبية وهذا ما شهدناه خلال الأشهر القليلة الماضية".
وأوضح أن هناك مراجعة شاملة للقيود التي فرضها بايدن على قطاع الطاقة، "بل بدأ بالتشاور مع الولايات لخفض الضرائب المفروضة على الطاقة لخفض أسعارها النهائية، كما أن هناك زيادة ملحوظة في حفارات النفط وتراجعاً عن منع إصدار التراخيص، فأزمة التضخم عموماً، وأسعار الطاقة على وجه الخصوص التي تعتبر من أكبر مغذيات التضخم أعادتا الرئاسة الأميركية إلى التعامل بواقعية مع الظروف المحيطة".
وذكر البوعينين أن زيارة بايدن هدفها تصحيح بوصلة العلاقات الأميركية السعودية التي تسبب في انحرافها بشكل علني من دون أن يكون هناك سبب لذلك، "إلا أن واشنطن تعلم أن سياسة الرياض النفطية تخضع لمتطلبات أساسية ذات أبعاد استراتيجية بعيدة المدى، كما أنها تأتي وفق رؤية توافقية مع منظمة أوبك+، ومحققة في الوقت ذاته مصلحة المنتجين ولا تضر بمصالح المستهلكين".
ويعتقد قطاع واسع من المحللين أن ما لا يريد الغرب الإقرار به أن صعود أسعار الوقود سببه الرئيس الضرائب المرتفعة وضعف قدرة المصافي الأميركية على التكرير وعدم قدرتها على تلبية الطلب المتنامي على الوقود.
وقود غير صديق للبيئة
وأشار عميد الدراسات الأفروآسيوية في جامعة قناة السويس محمد زغلول إلى أن بايدين قبل أن يدخل مكتبه البيضاوي وعلى منصة مناظرته مع الديمقراطيين، وضع هدف تقليل الاعتماد على دول الشرق الأوسط الغنية بإنتاج النفط في طليعة أولوياته، إلا أنه فاجأ أعوانه بالعودة إلى الدول نفسها للبحث عن حلول ذات علاقة بالطاقة.
كان بايدن وقّع في أول يوم له في البيت الأبيض أمراً تنفيذياً يلغي الموافقة على المرحلة الرابعة من خط أنابيب "كيستون إكس إل"، ثم أصدر أمراً تنفيذياً بتعليق تصاريح النفط والغاز الجديدة على الأراضي والمياه الفيدرالية، حيث يأتي حوالى 25 في المئة من إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بعد أشهر فقط من ولايته، بدأت استدامة سياسات بايدن في السعودية والطاقة تتعرض لضغوط، إذ واجه الرئيس ارتفاع أسعار الوقود بشكل مطّرد مع إعادة فتح الاقتصاد العالمي بعد إغلاق وباء كورونا. وأدت زيادة الطلب وانخفاض العرض إلى جانب ديناميكيات مثل الحرب الأوكرانية الروسية، إلى ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم، ليبدأ بايدن بأول خطوة بالسماح للأميركيين باستخدام وقود غير صديق للبيئة لخفض الأسعار والطلب الفوري بزيادة إنتاج النفط، متغافلاً المناخ على الرغم من أننا نشهد حالياً أشد درجات الحرارة.
يأتي هذا في سياق السماح باستخدام وقود "إي 15" الذي يصنع من الذرة والذي يؤدي إلى رفع حرارة الطقس في المناطق كثيفة الضباب، إذ كانت هناك قيود بيئية على استخدامه، لكن هذا الاستثناء جاء لتخفيف العبء المالي على الأسر الأميركية، بحسب ما ذكرت متحدثة البيت الأبيض.
الوقود الأحفوري سيبقى
وأشار الأكاديمي والمهتم بالبيئة في جامعة الملك سعود فرحان الجعيدي إلى أن البيئة في الدول الغربية بشكل عام تهم الناخب ولذلك يأتي الدفاع عنها في مقدمة برامج الحملات الانتخابية للسياسيين "مع أنهم يدركون دائماً بأن الحلول خارج إطارهم المحلي والإقليمي، وترتبط بعوامل جيواستراتيجية تفتح فيها ملفات التفاوض أكبر مدة ممكنة لإبقاء الباب مفتوحاً أمام وعودهم الانتخابية".
وأشار إلى أن السياسي الأميركي يدرك اليوم مع غلاء أسعار الوقود أن الوقود الأحفوري على الرغم من تأثيراته في البيئة، إلا أنه "سيبقى الوسيلة الأفضل لاستمرار الانتعاش الاقتصادي ليس فقط في الولايات المتحدة الأميركية بل في العالم المستورد لمنتجاتهم".
واعتبر أن الحصول على طاقة أحفورية متدفقة تستوجب دعم الاقتصاد الدائري للكربون الذي دعت إليه السعودية في قمة G20، وتستحق هذه المبادرة أن تبذل الدول مخصصات للبحث والتطوير والابتكار لأساليب خزن الكربون ليس فقط للدول المنتجة للنفط أو الفحم والغاز، وإنما للدول المستهلكة له أيضاً لضمان استمرار الصناعة ورفاهية مجتمعاتنا على هذا الكوكب.
عقلانية دولية
وكانت الدول المنتجة للنفط شكلت جبهة موحدة في محادثات المناخ لمعارضة الدعوات المتزايدة لخفض الاستثمار في الوقود الأحفوري، في الوقت الذي أعلنت الرياض عزمها الوصول إلى الحياد الكربوني عام 2060.
وطلبت حينها السعودية واليابان وأستراليا، من الأمم المتحدة التقليل من شأن الحاجة إلى التخلي سريعاً عن الوقود الأحفوري، وأيضاً شطب عبارات مثل "الحاجة إلى إجراءات عاجلة ومتسارعة على جميع الأصعدة"، ولفتت أيضاً إلى دول أخرى كانت لها اعتراضات على هذه الجملة، إذ قالت النرويج إن علماء الأمم المتحدة يجب أن يضعوا في الاعتبار تقنيات تنقية الهواء وتخزين الكربون ضمن وسائل تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري. كما كشفت الوثائق أيضاً أن مسؤولاً أسترالياً رفض الاستنتاج المطروح بضرورة إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وأكد خطورة أن يؤدي ذلك إلى التضخم وغلاء الأسعار.