ساعات قليلة وتظهر نتائج الانتخابات المحلية لبلدية مدينة إسطنبول التركية، التي من المتوقع أن تكون لها تأثيرات كبرى على المشهد السياسي التركي، خصوصاً على مسار حزب العدالة والتنمية وزعامة الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.
وتوجه منذ صباح الأحد 23 يونيو (حزيران) حوالى 10 ملايين ناخب إلى أكثر من 31 ألف مركز انتخابي، ليختاروا المجالس ورؤساء البلديات لـ39 قضاء بلدياً، بما في ذلك بلدية إسطنبول الكبرى، التي تعتبر البلدية الأكبر اقتصادياً على مستوى البلاد والأكثر تأثيراً سياسياً ورمزياً.
ضغوط على القضاء
انتخابات اليوم مُستعادة بقرار صادر من اللجنة العليا للانتخابات التركية في السادس من مايو (أيار) الماضي، بعدما تقدم حزب العدالة والتنمية بطعون على نتائج الانتخابات المحلية في محافظة إسطنبول، التي أجريت ضمن الانتخابات المحلية العامة في 31 مارس (آذار) الفائت، ولقي حزب العدالة والتنمية خسارة قاصمة، بعدما خسر في بلديات المدن الرئيسة الثلاث الكبرى، إسطنبول وأنقرة وإزمير، وتحديداً في مدينة إسطنبول التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، ومن قبله حزب الرفاه الإسلامي، الحزب الأم للعدالة والتنمية، منذ أكثر من ربع قرن، ما شكل ضربة رمزية للحزب الحاكم.
لكن العدالة والتنمية مارس ضغوطاً كبرى على القضاء واللجنة العليا للانتخابات لتقر إعادة الفرز في بعض مناطق إسطنبول، بحجة تقارب النتائج بين مرشح حزبه ومرشح حزب الشعب الجمهوري، وعندما لم تتغير النتائج جراء ذلك، فإن المزيد من الضغوط مورست على المؤسسات المستقلة، التي قررت إعادة الانتخابات في كامل محافظة إسطنبول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أكبر من بلدية
تجرى انتخابات اليوم بين أربعة مرشحين، هم مرشح تحالف الشعب بن علي يلدريم (حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المتطرف)، ومرشح تحالف الأمة أكرم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري مع حزب الخير)، ومرشح حزب السعادة نجدت كوكجنار، ومرشح حزب الوطن مصطفى إيلكر. وكان مرشحو أكثر من حزب صغير، خصوصاً من الأحزاب القومية واليسارية، قد انسحبوا من السباق الانتخابي الحالي، لصالح المرشح أكرم إمام أوغلو.
وعملية التحضير للانتخابات تجاوزت الحدود الطبيعة لأية انتخابات بلدية عادية، خصوصاً من قبل حزب العدالة والتنمية، التي يعتبرها انتخابات مصيرية في مسار هيمنته على الحياة السياسية العامة في تركيا، منذ عام 2002 وحتى الآن. ورصد المراقبون مؤشرات سياسية واقتصادية عدة خلال الأسبوعين الماضيين، سلكها حزب العدالة والتنمية، كي يحسّن الظروف لصالحه في هذه الانتخابات.
فالموافقة والالتزام التركي السريع والمباشر على العقوبات الأميركية على إيران منذ أوائل مايو (أيار) الحالي، وإيقافها لاستيراد النفط من إيران، رآها المراقبون جزءاً من توجهات العدالة والتنمية لتخفيف الضغوط على الاقتصاد التركي، وتخفيف الأزمات السياسية مع القوى العالمية.
المسألة الكردية
فقد كانت أسعار الليرة التركية قد انخفضت بنسبٍ كبرى طوال الأشهر الماضية، جراء العقوبات الأميركية، وزادت نسب التضخم الاقتصادي على الـ20 في المئة، في أقل من ستة أشهر، وهو ما اعتبره العدالة والتنمية من أهم أسباب تراجع شعبيته، خصوصاً في مدينة إسطنبول، التي تشكل وحدها ثلث الاقتصاد التركي، على الرغم من أن سكانها لا يشكلون أكثر من 20 في المئة من سكان البلاد.
كذلك لاحظ المراقبون الانفتاح الاستثنائي للحزب الحاكم تجاه المسألة الكردية في البلاد، للاستحواذ على أصوات ملايين الناخبين الأكراد في محافظة إسطنبول، أو تحييدهم على أقل تقدير، فقد سمحت السلطات التركية لمحامي زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبدالله أوجلان بزيارته في سجنه، بعد سنوات من العزلة التامة التي فرضت عليه.
كذلك فإن تركيا توجهت لتعزيز علاقاتها مع إقليم كردستان العراق، واستقبل الرئيس التركي رئيس إقليم كردستان العراق الجديد نيجيرفان بارزاني كـ "ضيف خاص"، بحسب وصف الرئيس التركي للضيف، قبل يومين من إجراء الانتخابات.
ثلاثة ملفات مقلقة لأردوغان
وخلال الساعات القليلة المقبلة، وإذا أظهرت النتائج فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري، بحسب ما يشير آخر استطلاعات الرأي، خصوصاً بعد المناظرة التلفزيونية الاستثنائية بين المرشحين الأربعاء 19 يونيو، إذ ظهر إمام أوغلو أكثر حيوية وحضوراً ومُمسكاً بالملفات التي سيعمل عليها خلال رئاسته لبلدية إسطنبول الكبرى من نظيره بن علي يلدرم، مُرشح العدالة والتنمية، الذي لم يُظهر أية رؤية، سوى خطاب منجزات حزب العدالة والتنمية. في ضوء ما سبق، فإن ثلاثة ملفات ستظهر ضاغطة طوال الأشهر المقبلة على استقرار سلطة حزب العدالة والتنمية، وزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان.
ففوز إمام أوغلو سيعني حضور شخصية شبابية وذات تجربة وشعبية واسعة، يستطيع أن يكون منافساً مستقبلياً لأردوغان، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023. فخلال رئاسته المتوقعة لبلدية إسطنبول، وما يمكن أن يحققه من منجزات، فإن إمام أوغلو سيستعيد السيرة السياسية لأردوغان نفسه، الذي كان بدوره رئيساً لبلدية إسطنبول منذ 1994، إلى أن استطاع أن يحول نجاحاته إلى زعامة سياسية، وتأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، بعد انشقاق عن حزب الرفاه الإسلامي.
مساحة مشتركة
فتجربة إمام أوغلو ستقدم للناخبين الأتراك شخصاً حيوياً في أوائل عمره السياسي، يجمع بين المدنية السياسية والمحافظة الاجتماعية والمنجز الاقتصادي والإداري، وفوقها قدرة على خلق مساحة مشتركة بين مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية التركية. كذلك فإن العدالة والتنمية يخشى من كشف ملفات الصفقات المالية والإدارية في بلدية إسطنبول طوال السنوات الماضية، حينما وُجه الكثير من تهم الفساد إلى أعضاء من هذا الحزب في هذه البلدية، بما في ذلك أردوغان وأفراد عائلته نفسه.
هذا ما يقلق أردوغان
فالخطوة الأولى لإمام أوغلو في رئاسة البلدية، التي لم تطل أكثر من أسبوعين بعد فوزه في انتخابات الـ31 مارس (آذار) الفائت، قبل أن تلغي اللجنة العليا للانتخابات تلك النتائج وتقرر إعادة إجرائها، كان القرار الأول لإمام أوغلو هو طباعة الأرشيف المالي للبلدية طوال السنوات الماضية، وتقديمه إلى جهة تدقيق مستقلة، لكشف ملفات الفساد الكبرى التي جرت في البلدية طوال السنوات الماضية.
فبلدية إسطنبول تبلغ قيمة ميزانيتها الاستثمارية أكثر من خمسة مليارات دولار، يذهب معظمها إلى عقود جزئية مع مئات الشركات الخاصة التي تعمل في المدينة، والتي يقال إنها مرتبطة بحزب العدالة والتنمية.
على أن أهم ما يُقلق أردوغان وحزب العدالة والتنمية، هو هذا التوافق السياسي المحكم بين حزب الشعب الجمهوري القومي التركي وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الأكراد، وهو ما قد يشكل جبهة سياسية موازية لتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المتطرف.