Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قاوم حتى النهاية المرة فتحول إلى ترمب بريطانيا

رئيس الوزراء رفض الاستقالة حتى الرمق الأخير معتبراً أنه يدين بعهده للشعب وليس للسياسيين

قاوم حتى النهاية المرة فتحول إلى ترمب بريطانيا (رويترز)

كان الرئيس السابق دونالد ترمب هو من أطلق على بوريس جونسون وصف توأم روحه مباشرة بعد فوزه بمنصب زعيم حزب المحافظين في يوليو (تموز) 2019. الرئيس الأميركي السابق المعروف بزلاته اللغوية قال ممازحاً في معرض الإعراب عن دعمه جونسون، إنهم "يسمونه ترمب بريطانيا".

حتى في حينه، بدا أن التشبيه كان صائباً. لقد وصل جونسون إلى منصب قائد الحزب كمتمرد، ضارباً عرض الحائط بالأعراف، وعكف على كسر القوالب السياسية المتبعة في بريطانيا. فبعد الفوز في استفتاء "بريكست" ثم إطلاق الوعود بتنفيذه، لم يكن جونسون يملك ما يكفي من الحنكة الدبلوماسية أو الدراية بأصول العمل السياسي في ويستمنستر. تماماً مثلما وعد ترمب "بتجفيف مستنقعات واشنطن من السياسيين الآسنين" يمكن ملاحظة حماسة جونسون في عمله على تحدي النخبة الأوروبية في بروكسل لتمرير عملية الخروج من أوروبا تطبيقاً لما صوت من أجله أنصاره.

ما لم يستشرفه جونسون وقتها هو النهاية المحتملة عندما يرفض احترام القوانين، المكتوب منها والمتعارف عليه. ولذلك يمكننا أن نتفهم لماذا يشير البعض إلى أن تصرفاته هي "ترمبية".

عملية إطاحة جونسون اقتضت استقالات وزارية بالجملة، ونصائح هادئة قدمت له بالرحيل من أعضاء موثوقين في حكومته، كما تدخل لإقناعه رجال دولة من الحكماء- حتى انتهى الأمر باستقالته.

لقد قاوم جونسون حتى الرمق الأخير، معتبراً أنه يدين بعهده للشعب وليس للسياسيين- تماماً كما اعتبر دونالد ترمب أن الحشود خارج الكابيتول كانوا من "أتباعه".

وهنا علينا ألا نبالغ كثيراً في المقارنة بين الرجلين. فجونسون لم يقم بالتحريض على ضرب الاستقرار، لكن رفضه المبدئي بقبول ما لا مفر منه أقلق نواب حزب المحافظين، الذي كانوا يخشون أن تهدد تصرفاته الحزب، والديمقراطية البريطانية على نطاق أوسع.

أما النائب المحافظ المخضرم السير تشارلز ووالكر فقال لي في برنامجي الإخباري على القناة الرابعة البريطانية: "الأمر المهم للغاية الذي على الجميع في مقر دوانينغ ستريت أن يفهموه، وكل من التزموا البقاء في ذلك الحصن هو أنه لن يمكنهم أن يحكموا من دون حكومة... عليك فقط أن تتوقف، وتعترف أن كل شيء انتهى ووضع حد له: إنها نهاية الطريق [المطاف]! لقد انتهى الأمر وعلى أحدهم أن يشرح له ذلك".

كان زملاء جونسون يخشون بصراحة من أنه أضر بموقع منصب رئيس الوزراء وأنه قزم سمعة حزب المحافظين بسبب خرق القوانين باستهتار. ولقد اعتراهم القلق من أن يؤدي تحديه للأعراف والتقاليد (غير المكتوبة) لإجراءات الرحيل عن السلطة إلى تطور الانتفاضة وانتقالها إلى مستوى آخر تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما قال لي نائب مهم أيضاً في الأمس: "يبدو أن ذلك يتطور بشكل مقلق. إنه ضرب من الجنون. إنه يحاول أن يقوم بانقلاب! إننا نعيش حالة انقلابية!".

لقد كان كل ذلك بمثابة تطورات تاريخية حقيقية.

بالطبع لقد نجح جونسون في حجز مكان له على قائمة كبار رؤساء الوزراء البريطانيين الذين تركوا أثرهم على تاريخ البلاد، من خلال إعادة رسم مكانة ودور البلاد في العالم بعد "بريكست"، وبعد ذلك نجاحه وتحديه كل السياقات الطبيعية في تحقيق فوز كاسح لحزبه خلال انتخابات 2019 العامة.

لكن الأمور التي فشل في تحقيقها لا يمكن إخفاؤها أيضاً. فهو كان أول رئيس بريطاني للوزراء يقوم بخرق القانون خلال توليه السلطة. وبعد عامين ونصف العام على توليه منصبه بعد الانتخابات التي فاز فيها حزبه بغالبية كبيرة من النواب، رأينا كيف كسر النواب المستقيلون من حكومته الأرقام القياسية بشكل أشبه بتسونامي على أمل دفعه إلى الاستقالة من منصبه.

في كلتا الحالتين، أي في نجاحه وفشله كان بوريس جونسون رئيساً غير عادي للوزراء، وتلك الاستثنائية تلعب دوراً خاصاً جداً في بناء أسطورته الشخصية. مثله مثل ترمب لقد خوله ذلك في اعتبار نفسه شخصاً مختلفاً، ولذلك فهو معفي من الالتزام بالقوانين العادية.

إن الشعور بالتتمتع بقوة عظمى هو ما قد يدفع صاحبه لارتكاب الخطأ الفادح. وفيما بدأ أعضاء حكومته ووزراء الدولة ونواب المقاعد الخلفية في البرلمان من حزب في التخلي عنه، بدأ الأصدقاء والخصوم على حد سواء - باستثناء ربما وزيرة الثقافة نادين دوريس-  بشكل سري أو علني في الإقرار بأن رئاسة جونسون للحكومة قد شارفت على نهايتها. وهذا هو تحديداً ما جرى.

عبر مياه المحيط الأطلسي يواصل ترمب تآمره من أجل العودة إلى السلطة بالتزامن مع قيام لجنة من الكونغرس في فضح الحجم الكامل لعملية العصيان التي جرت في مبنى الكونغرس [في نهاية عهده]. هل سيتمكن ترمب بريطانيا بإعادة إنتاج نفسه في السلطة من جديد؟ إن السياسة في بريطانيا تتأثر بعوامل وضوابط مختلفة للغاية عن النظام الأميركي، حتى وإن كانت تصرفات جونسون في ساعاته الأخيرة تظهر، وكما قال عدد من نواب حزبه بأنه انتهج طريقة حكم أقرب إلى النظام الرئاسي.

لكن قلة من الأشخاص تنفي أنه سيكون أمام جونسون مسيرة مهنية طويلة مثمرة إلى حد كبير.

وقد يستقطبه نشر الكتب، وإلقاء الخطب وحتى المشاركة في برامج تلفزيونية. وهنا فكرة أخيرة أود طرحها: لقد ولد جونسون في الولايات المتحدة الأميركية وهو تخلى عن جنسيته الأميركية قبل عدة سنوات فقط. إنه أمر مستبعد، ولكن لربما يود جونسون أن ينتهي منافساً لترمب في لعبته الخاصة وعلى أرضه.

 

*كايتي نيومان، مقدمة أخبار ومحررة للتحقيقات الاستقصائية في القناة الرابعة البريطانية Channel 4 News.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء