بدأت الهند اعتباراً من اليوم فرض رسوم على 28 منتجاً أميركياً، القرار جاء رداً على رفض واشنطن إعفاء دلهي من الضرائب المرتفعة على واردات الصلب والألمنيوم، ويأتي قبل أيام فقط من الاجتماع المقرر عقده بين وزير خارجيتها سوبرامانيام جيشانكار ونظيره الأميركي مايك بومبيو، على هامش قمة "مجموعة العشرين" في اليابان. هذه القمة يُتوقع أن تجمع أيضاً الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في وقت يخيم فيه الفتور على العلاقات بين الجانبين بعد إعلان ترمب سحب المعاملة التفضيلية للهند، التي أتاحت لها حتى الآن إدخال صادرات بقيمة 5.6 مليار دولار إلى الولايات المتحدة بلا رسوم جمركية، بموجب "برنامج نظام الأفضليات المعمم" GSP (يسمح بدخول سلع معفية من الضرائب)، الذي كانت الهند أكبر المستفيدين منه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اقتصاد متراجع
مودي الذي أُعيد انتخابه أخيراً، بدأ ولايته الثانية رئيساً لوزراء الهند بالتقليل من أهمية القرار الأميركي سحب المعاملة التفضيلية لبلاده. واعتبر أن تأثيره الاقتصادي سيكون ضئيلاً. لكن غياب هذه المعاملة هو آخر ما تحتاجه الهند الآن التي يشهد اقتصادها تراجعاً في النمو عن الأرقام المتوقعة. فقد نمى اقتصادها بأبطأ وتيرة له منذ 5 أعوام، وفقاً لبيانات أخيرة صدرت عن عن الحكومة الهندية، كما شهد الاستهلاك المحلي الذي كان الدافع وراء النمو الاقتصادي في الهند على مدار الأعوام الـ15 الأخيرة، تراجعاً هو الآخر، في وقت وصلت فيه أرقام البطالة إلى مستويات قياسية، وهذا كان الانتقاد الأكبر الذي وُجّه إلى مودي خلال حملته الانتخابية الأخيرة، حين اتُّهم بعجزه عن إيجاد وظائف في الهند، في وقت يشكل فيه عجز الموازنة 3.4% تحدياً إضافياً له.
بعد سياسي
وفيما يرى بعض الخبراء أن التوتر الذي بدأ يتسلل إلى العلاقات الأميركية الهندية قد يكون له بعد سياسي، خصوصاً بعد تحذير الرئيس الأميركي الهند من شراء صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز S-400، بقيمة 5 مليارات دولار.
يؤكد باراس شهدادبوري، رئيس مجلس إدارة "مجموعة شركات نيكاي" اليابانية، التي تتخذ من دبي مقراً إقليمياً لها، والعضو في "المجلس الهندي لرجال الأعمال والمهنيين" في دبي، أن "العلاقات السياسية بين البلدين ستتواصل وتنمو".
لا تداعيات
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "الرئيس الأميركي دونالد ترمب لديه وجهة نظر تتعلق بالميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى. واليوم نرى التطورات التجارية الحاصلة بين بلاده ودول أخرى مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي وأستراليا، وكندا، واللائحة طويلة". ويضيف، "التبادل التجاري يتوقف على تبادل الرسوم، وبالتالي إذا ما قررت الولايات المتحدة إزالة برنامج نظام الأفضليات المعمم، وفرض رسوم على بعض المنتجات الهندية، فإن الهند بطبيعة الحال ستتأثر بالقرار الأميركي، وهذا ما رأيناه في قرار فرض رسوم على 28 منتجاً أميركيا".
ورأى أن هذا الأمر طبيعي في التعاملات التجارية. وقال شهدادبوري إن "القرار الهندي لن تكون له تداعيات على التبادل التجاري بين الهند والولايات المتحدة، الذي بلغت قيمته نحو 130 مليار دولار. أمَّا فيما يتعلق بالواردات، فقد قررت الهند فرض رسوم على الواردات الأميركية، وبالتالي لن تكون لهذه الخطوة تداعيات كبيرة، بل صغيرة على الصادرات من الهند إلى الولايات المتحدة، لأن الواردات أقل حجماً من الصادرات الأميركية. وبشكل عام الاقتصاد الهندي هو اقتصاد كبير، وقادر على امتصاص المشكلة. ولا أتوقع تداعيات كبيرة".
الأرقام والمؤشرات
ودافع شهدادبوري عن متانة الاقتصاد الهندي، واصفاً إياه بأنه "اقتصاد قوي".
وقال "الحديث عن أرقام بطالة هي الأكبر منذ 45 عاماً، لا يستند إلى إحصاءات موثقة، بل إلى أرقام تداولتها وسائل الإعلام داخل البلاد وفي بعض المؤسسات، وهي عارية من الصحة".
وتابع، "يبلغ حجم الاقتصاد الهندي 3 تريليونات دولار، وبالتالي إن فرض رسوم على 28 منتجاً لن يكون له تأثير كبير على اقتصاد دولة بهذا الحجم، فالصادرات إلى الولايات المتحدة لن تتوقف. صحيح أنها قد تتباطأ بنحو 10 أو 20 مليار دولار، لكن لن يكون هناك تأثير كبير بالنظر إلى حجم الصادرات الهندية وضخامة الاقتصاد".
وأضاف، "من المهم الإشارة إلى أن معدلات التضخم في الهند وصلت اليوم إلى أدنى مستوى لها، 2.9% أي أقل من 3%، وهذا أمر مهم جداً".
تراجع العجز
ويرى أن "الهند جزء من الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الأوروبي في تراجع، بعدما حققت أوروبا نمواً اقتصادياً لا يتجاوز 1.5%، وألمانيا لم يتجاوز نموها 1%، والمملكة المتحدة نموها سلبي أيضاً، وبالتالي علينا أن لا ننظر بسلبية إلى الاقتصاد الهندي الذي وصل إلى 5.8% مقارنة بالتراجع الكبير لنمو اقتصادات العالم".
ويؤكد أنه "كان هناك انخفاض قياسي في عجز الموازنة الهندية، بحيث ارتفع بنحو 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وهذا العجز انخفض إلى نحو 3.6%، وهو خطوة جيدة للغاية. حقيقة أن التضخم تحت السيطرة يعد هذا أيضاً أمراً مهماً للغاية، ومع ارتفاع عجز الموازنة فإن التضخم سيصل إلى 6% أو 7% أو 8%، واليوم التضخم كما ذكرت هو تحت السيطرة، وهذا يُعد إنجازاً كبيراً للحكومة الهندية".
وكان التأزّم في العلاقات التجارية الأميركية الهندية بدأ العام الماضي بعد إعلان ترمب عزمه تصحيح ما تعتبره إدارته علاقات تجارية غير عادلة مع الدول الأخرى، المتضرر الأكبر منها الشركات والمصنعون الأميركيون.
وفرض في العام الماضي أيضاً تعريفات على واردات الصلب والألمنيوم من دول في جميع أنحاء العالم، وردّت الهند على تلك الزيادات التعريفية برفع رسوم الاستيراد على مجموعة من السلع، وفي مارس (آذار) الماضي وجَّه ترمب انتقادات حادة إلى دلهي، متهماً إياها بالفشل في توفير الوصول الكافي للمنتجات الأميركية إلى أسواق الهند.
الاقتصاد العالمي
وحذّر شهدادبوري من توسّع رقعة الحروب التجارية القائمة في العالم قائلاً "من شأنها أن تؤذي الاقتصاد العالمي".
وأضاف، "الحرب التجارية القائمة اليوم بين الولايات المتحدة والصين قادت إلى فرض رسوم بقيمة 550 ملياراً على صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، وعلى ما قيمته 150 مليار دولار من الصادرات الأميركية إلى الصين، وبالتالي فإن الأعمال حول العالم ستتأثر بتلك الزيادات، ما سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي، الذي يُتوقع أن يتباطأ نموه إذا ما استمرت الحرب قائمة".