انتهى الاجتماع التشاوري الدوري لوزراء الخارجية العرب في بيروت، السبت الثاني من يوليو (تموز)، ليوم واحد، إلى نتائج روتينية لم تحمل أي جديد سوى تجنب معظم الحاضرين التطرق إلى القضايا الساخنة، في ظل التعقيدات التي تمر بها المنطقة العربية، وترى أوساط مراقبة أن الاجتماع الذي ينعقد في شكل نصف سنوي، لا يصدر عنه عادة أي بيانات أو قرارات، بل يخصص لإدلاء كل وزير خارجية أو الموفدين المنتدبين من وزارات الخارجية، لرأي بلادهم في الأوضاع العامة في المنطقة، كان باهتاً، كما أن مصدراً عربياً شارك في اجتماع بيروت أكد أنه ليس من عادة الاجتماعات التشاورية أن تكون فوق العادة لأنها تمهد عادة لمناقشات تجري لاحقاً بتوسع أكثر قبيل انعقاد القمة العربية المقررة في الجزائر في الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل حين يتم التحضير لنصوص القرارات التي ينتظر أن تصدر عنها، ثم عند اجتماع القادة على مستوى القمة.
وربما يعود سبب اعتبار بعض المراقبين أن الاجتماع كان باهتاً إلى أن بعض الجهات أثارت ضجيجاً حول إمكان طرح بعض المسائل الإقليمية البارزة والحساسة، والتي تتناول ما له علاقة بالتأزم بين إيران وبعض الدول العربية، لا سيما في اليمن وسوريا وحول لبنان، وهذا لم يحصل خلافاً للاجتماعات العادية لوزراء الخارجية التي تنتهي بصدور قرارات وبيانات.
12 وزيراً للخارجية حضروا الاجتماع، بمن فيهم وزير خارجية الدولة المضيفة، أي لبنان الذي يرأس الدورة الحالية لمجلس الجامعة، عبد الله بوحبيب، وتمثلت تسع دول بينها السعودية بمندوبيها الدائمين، أي السفراء، في المجلس في القاهرة، بينما تمثلت مصر بنائب وزير الخارجية، ولم تحضر سوريا نظراً إلى استمرار قرار تجميد عضويتها في الجامعة العربية، وعليه أكد بوحبيب أن أي دولة عربية لم تقاطع اجتماع بيروت، لكن بعض الوزراء انشغلوا وتمثلت دولهم بمندوبين عنهم.
دلالة الحضور العربي مقابل النفوذ الإيراني؟
إلا أن حضور وزراء وممثلي 21 دولة بناء للدعوة التي كان وجهها الوزير بوحبيب إليهم في اجتماع القاهرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، شكل رسالة تضامن ودعم "معنوي" للبنان كما قال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط في ختام الاجتماع. وقال أبو الغيط، إن "انعقاد مثل هذا اللقاء في بيروت، في هذا الوقت بالذات له معنى مهم. ومغزاه أن الدول العربية تقف إلى جانب لبنان، وقيادته السياسية وشعبه، مع الأمل أن يتجاوز المشكلات الاقتصادية والسياسية التي يعانيها".
وأضفى أكثر من وزير الطابع التضامني مع لبنان على اجتماع بيروت، وظهرت الدلالة السياسية بالنسبة إلى الدول التي تأخذ على قيادته انحيازها إلى المحور الإيراني، وهو يعكس الحرص العربي على الوجود في العاصمة اللبنانية مقابل النفوذ الإيراني، والتعبير عن الاستعدادات لدعم البلد. وجسد هذا التوجه كل من نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي وصل إلى بيروت قبل يومين من الاجتماع الوزاري، لإبلاغ قيادة الجيش وسائر كبار المسؤولين أن الدوحة قررت منح الجيش اللبناني 60 مليون دولار في الظروف الصعبة التي يمر بها العسكريون جراء الأزمة الاقتصادية المالية، ووزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الذي أكد أن أمن لبنان وازدهاره من أمن الكويت وازدهارها، وسلم الرئيس اللبناني ميشال عون رسالة من ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تناولت تجاوب لبنان مع المبادرة الكويتية، نهاية العام الماضي، من أجل رأب الصدع بعد الأزمة بين دول الخليج ولبنان، وكان التضامن مع لبنان وإبداء الاستعداد لدعمه موقفاً مبدئياً مشتركاً في مداخلات معظم وزراء الخارجية في الجلسة المغلقة.
ورأى بعض المراقبين أن أهمية دلالة الحضور العربي في بيروت كانت أحد أسباب الزيارة المفاجئة لوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى زيارة سوريا في اليوم نفسه لانعقاد اجتماع وزراء الخارجية في لبنان، في ما يشبه الرد على هذا الحضور بتوجيه رسالة عن متانة التحالف الإيراني السوري ولتوجيه رسالة، بموازاة بقاء عضوية سوريا مجمدة في الجامعة.
ميقاتي وتأكيد "النأي بالنفس"
لكن من أسباب وصف البعض الاجتماع الوزاري بأنه عادي لم يحمل جديداً أنه سبقه تكهنات، تارة بأن الدول الخليجية ستطلب صدور موقف ضد تدخلات إيران و"حزب الله" في عدد من الدول العربية، وأخرى بأن وزير خارجية اليمن أحمد عوض بن مبارك استبق الاجتماع بتصريحات نقلت عنه في شأن ما بلغته جهود التوصل إلى حلول للوضع في بلاده، وعرقلة الحوثيين هذه الجهود، ونسب إليه قوله في تلك التصريحات، إن على لبنان أن يصنف الحوثيين منظمة إرهابية، كما قال في تصريحات أدلى بها في بيروت عشية الاجتماع، إن لبنان يعاني مثل اليمن من تدخلات إيران، وإن فضائيات تابعة للحوثيين تبث من لبنان، ما أدى إلى ترقب سياسي وإعلامي حول ما إذا كان سيطرح هذه المسائل في خلال الاجتماع، أو سيدعو إلى موقف من إيران و"حزب الله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مصدر عربي لـ"اندبندنت عربية"، إن الوزير بن مبارك قدم خلال الاجتماع المغلق مداخلة شرح فيها الوضع في بلاده، وتناول عرقلة الحوثيين لخطوات فك الحصار عن محافظة تعز والعقبات التي يفتعلونها لتثبيت الهدنة، لكنه لم يطلب أن يصنف لبنان الحوثيين منظمة إرهابية، كما أن أبو الغيط أوضح أنه "ستتم مساعدة لبنان ولم يتم التطرق إلى أي حديث خاص في موضوع سلاح حزب الله". وأوضح المصدر أن "أياً من الوزراء العرب لم يثر في الجلسة المغلقة المواقف المعروفة لبعض الدول من نشاطات "حزب الله" أو المطالبات للبنان باتخاذ الإجراءات التي تحد من النشاطات العدائية لها انطلاقاً من أراضيه، وفسر المتابعون لأعمال الاجتماع الوزاري ذلك بأن رئيس الحكومة اللبنانية (حكومة تصريف الأعمال المستقيلة) استبق الاجتماع بالكلمة التي ألقاها أمام الوزراء أثناء استضافته لهم على مائدة العشاء في الليلة السابقة على اجتماعهم، جدد تأكيد التزام لبنان بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي جميع وقرارات الجامعة العربية، بما يرسخ سياسة النأي بالنفس تجاه أي خلاف عربي وبسط سيادة الدولة على كامل أرضها، ومنع الإساءة إلى الدول العربية أو تهديد أمنها"، وناشد "الأشقاء العرب، وخصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي احتضان لبنان وشعبه الشقيق، وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه".
الأمن الغذائي
ويلفت المصدر إلى أن من المواضيع التي أخذت حيزاً من النقاش مشكلة الأمن الغذائي بعد الحرب الروسية- الأوكرانية وأثرها على بعض الدول العربية، فوجه وزير خارجية الصومال بلال محمد عثمان، نداء إلى الدول جميع لمساعدة بلاده، شاكراً دولة الإمارات العربية المتحدة لتقديمها 30 مليون دولار لهذا الغرض، إلا أنه أوضح أن بلاده تحتاج إلى مزيد من الدعم نظراً إلى أن الجفاف الذي تعانيه زاد من حجم المشكلة، مشيراً إلى أن مليون صومالي نزحوا من مناطق إلى أخرى بسببها، يذكر أن الأمين العام للجامعة سيقدم تقريراً عن أزمة الأمن الغذائي إلى القمة العربية في الخريف المقبل.
وفي شأن القضايا الشائكة الدائمة التي يجري بحثها في اجتماعات الجامعة العربية، طالب وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي الدول العربية أن تهتم وتأخذ بالاعتبار عينه ما يحدث في فلسطين من انتهاكات لحقوق الفلسطينيين وجرائم ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وضد الإنسانية بالتالي، "يجب على الدول العربية خصوصاً بعض الدول التي تذهب بعيداً في سياسات التطبيع مع ذلك الكيان أن تأخذ بالاعتبار ما يحدث أيضاً في فلسطين ضمن تلك السياسات".
عودة سوريا والنازحين: لا صدى
وسجل المصدر العربي الذي تحدثت إليه "اندبندنت عربية" إثارة عنوانين يتعلقان بسوريا:
-الأول يتناول مسألة عودتها إلى الجامعة العربية الذي طرحه الوزير اللبناني بوحبيب، وكذلك وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لمعامرة، في سياق "السعي الدائم للم الشمل العربي لتشكيل أوسع إطار عربي رسمي لمواجهة التحديات"، وتحدث عن الحاجة إلى أن يكون التمثيل العربي كاملاً، خصوصاً أن بلاده مضيفة القمة العربية، إلا أن هذا الموضوع لم يأخذ حيزاً كبيراً من المناقشة، واعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي كان سابقاً يبدي ليونة حيال هذا العنوان، في سياق حديثه عن سوريا أن المداولات التي تجري على الصعيدين الإقليمي والدولي من أجل الحلول للأزمة السورية لا يشارك فيها العرب، ولا بد من السعي إلى ذلك، مشيراً إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة يجب أن تكون نهاية الطريق (نحو الحل السياسي). وبدا أن هذا الموضوع أثير لكنه لم يجد أي صدى "كالحجر الذي سقط في الماء".
-عودة النازحين السوريين الذي تحدث عنه الوزير بوحبيب مطولاً لافتاً إلى "الأعباء اللبنانية وخصوصاً عبء النزوح". وقال، إن "المجتمع الدولي ما زال من دون خريطة طريق لعودة النازحين". وشدد على أنه "في غياب خطة عمل، سيكون لبنان مضطراً للتصرف وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا"، ولفت إلى أن "لبنان ينهار مالياً واقتصادياً، ونحن عاجزون عن تأمين الحاجات الأساسية للبنانيين، والحكومة ترى ضرورة عودة النازحين وتمويلها من المجتمع الدولي، بدل تمويل بقائهم في لبنان"، إلا أنه لم يحصل نقاش معمق في هذه المسألة أيضاً.
وبعد انتهاء الاجتماع قال أبو الغيط، "الحضور إلى لبنان في هذا الوقت في ظل ظروفه الصعبة التي نشعر بها جميعاً هي رسالة من الدول العربية أننا ندعم البحث عن تسويات، وأننا نساند لبنان في أوضاعه ومناقشاته مع صندوق النقد الدولي".
وفي دردشة مع الصحافيين قال الأمين العام المساعد السفير حسام زكي، إن "البحث تناول الإعداد للقمة العربية التي ستنعقد في الجزائر والوضع الكارثي للمجاعة في الصومال في ظل الأوضاع المناخية الصعبة والأمن الغذائي العربي، وهناك خطة تعدها الأمانة العامة وستقدمها في سبتمبر (أيلول) المقبل، كما تم البحث في القضية الفلسطينية". وأكد السفير زكي "دعم وتضامن المجتمعين مع لبنان لكن لم تطرح قضايا فرعية أو جزئية".