أظهر بحث نُشِر أخيراً أن إمكانية عودة محفظة مفقودة إلى مالكها الشرعي تكون أكثر إذا كانت مملوءة بالنقود، مما لو كانت خاوية أو تحتوي قليلاً من المال.
بحسب العلماء، يعود ذلك إلى ما يُسمى "التبعات النفسيّة للسلوك غير الأمين". عندما يكون حجم النقود أكبر في المحفظة الضائعة، يميل من يجدها أكثر إلى رؤية نفسه سارقاً في حال قرّر الاحتفاظ بها، ما يتسبب له بمشقة وضغوط نفسيّة عالية. أغلب الظنّ أن عدم المس بالصحة النفسيّة يتفوّق على المكاسب الماليّة التي يجنيها المرء من الإبقاء على المحفظة في حوزته.
أجرى فريق دولي من الباحثين قادته "جامعة زيورخ" الألمانية، دراسة شملت 355 مدينة في 40 دولة. أسقطوا أكثر من 17 ألف محفظة في غرف استقبال في مؤسّسات متنوعة، من بينها فنادق ومصارف ومتاحف ومكاتب بريد ومراكز شرطة.
كان هدف الباحثين معرفة إلى المدى الذي يكون فيه الأشخاص شرفاء عندما يتعلّق الأمر بإعادة ممتلكات "مفقودة" إلى مالكها.
"أضاع" الباحثون ثلاثة نماذج من المحافظ ومحافظ خاوية ومحافظ احتوت على ما يعادل 10.59 جنيهات إسترلينية، ومحافظ تضمنت 74.16 جنيهاً إسترلينياً. وفي جيب شفافة في المحافظ كافة، وضع فريق البحث قائمة تسوّق، إضافة إلى ثلاث بطاقات طُبعت عليها أسماء وعناوين بريد إلكتروني مزيفة.
أُعيدت 40 في المئة من المحافظ الخاوية إلى أصحابها، و51 في المئة من المحافظ التي تضمنت مبلغاً زهيداً، في حين استردّ الباحثون 72 في المئة من المحافظ الكثيرة النقود، ذلك وفقاً لدراسة نشرتها مجلة "ساينس".
في المملكة المتحدة، أًعيدت 37.5 في المئة من المحافظ الخاوية. ولكن عندما احتوت المحافظ على أموال، جاءت النتائج أعلى قليلاً من المتوسط فسجّلت 60.6 في المئة للمحافظ القليلة النقود و73.37 في المئة للمحافظ الكثيرة الأموال.
عندما لاحظ الناس أن المحفظة تحتوي على مفتاح، آثروا إعادتها إلى صاحبها. يشير ذلك إلى أن اعتبارات الإيثار، بمعنى تفضيل الغير على النفس، تؤدي دوراً ملفتاً عندما يرتأى للناس ضرورة إعادة الممتلكات المفقودة إلى مالكيها.
في نتائج الدراسة، كانت أكثر البلدان نزاهة سويسرا والنرويج وهولندا، إذ أعاد الناس هناك ما بين 75 و80 في المئة من المحافظ.
في بلدان مثل الصين وبيرو وكازاخستان وكينيا، تدنت النتيجة نفسها إلى ما يتراوح بين 8 و20 في المئة.
على الرغم من التباين الشديد بين البلدان في نسبة المحافظ المُعادة إلى أصحابها، فإن كفة إعادة المحافظ الكثيرة المال كانت راجحة دائماً.
لم تخلُ نتائج الدراسة من المفاجآت. وقد كان من بين المحافظ التي لم تجد طريقها إلى أصحابها الشرعيّين، محافظ تُركت في الفاتيكان وفي مكتبين مختصين في مكافحة الفساد.
يعتقد العلماء بأن الناس أعادوا المحافظ المفقودة بأثر من اعتبارين هما الحرص على مصلحة الشخص الذي أضاعها، والاهتمام بصورتهم الذاتيّة أمام أنفسهم. وجاءت تلك النتيجة على الضدّ مما توقعه الباحثون.
وأوضح آلان كوهن، وهو أستاذ مساعد في الاقتصاد من "جامعة ميتشغن" الأميركية وباحث مشارك في الدراسة، إننا "نفترض خطأً أن إخواننا من البشر أنانيون. في الواقع، الصورة التي يرسموها لأنفسم عن ذواتهم باعتبارهم أشخاصاً نزيهين، تبدو أكثر أهمية بالنسبة إليهم من المكاسب النقدية القصيرة الأجل".
في دراسة استقصائية إضافية، أكّد المشاركون فيها أنه كلما احتوت المحفظة الضائعة على أموال أكثر، يُصنّف عدم إرجاعها بوصفه سرقة.
في سياق متصل، ذكر ميشال ماريشال، أستاذ الاقتصاد في قسم الاقتصاد بـ"جامعة زيورخ" أنّ الناس "يريدون أن ينظروا إلى أنفسهم كأشخاص نزيهين وليس لصوصاً، فيما أن إبقاء المرء على محفظة مفقودة في حوزته يعني اضطراره إلى تكييف ذلك مع الصورة الذاتية التي يصنعها لنفسه بما تشمله من نواحٍ نفسية وحالات عاطفية، وفي أغلب الظن تتأتى عن ذلك تبعات نفسية عدة".
يبقى أن العلماء وجدوا إن الجهد المبذول في الاتصال بالمالك أثّر أيضاً في قرار الشخص بشأن الاحتفاظ بالمحفظة من عدمه.
© The Independent