خرق التطور القضائي البريطاني في شأن شركة "savaro" التي أدخلت حمولة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، الجمود الحاصل في ملف التحقيقات على صعيد القضاء اللبناني والمتوقفة منذ فبراير (شباط) الماضي. فبعد عشرة أشهر على تقديم مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت، دعوى أمام محكمة العدل العليا في بريطانيا ضد الشركة التي أدخلت النيترات إلى المرفأ، ألزم القاضي البريطاني الشركة بالإفصاح عن هوية صاحب الحق الاقتصادي (UBO)، وأمهلها فترة محددة لتنفيذ القرار. وكان مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت، وبواسطة مكتب المحاماة العالمي Dechert LLP الممثل بالمحامي كميل أبو سليمان، قد تصدى في يناير (كانون الثاني) 2021، لمحاولة تصفية هذه الشركة في سجل التجارة في لندن (Companies House)، وتراسل مع السجل التجاري ومع نائبين بريطانيين مارغريت هودج وجون مان بعد أن تبين أن ملف الشركة في سجل التجارة لم يتضمن هوية صاحب الحق الاقتصادي (Ultimate Beneficiary Owner - UBO) للشركة، ما يشكل مخالفة خطيرة للقانون ويحجب معلومات ضرورية، هذا القرار اعتبره كثيرون في لبنان أنه سيعطي دفعاً للمحقق العدلي في بيروت في شأن الجانب الخارجي من التحقيق، ويثبت وجهة النيترات الأخيرة إن كانت موزمبيق أم لبنان، كما من شأن هذا القرار أن يكشف لصالح من أرسلت هذه الشحنة، ومن هي الجهات التي حمتها في المرفأ وساهمت في بقائها منذ عام 2013 في العنبر رقم 12.
شكوك بما تخفيه "savaro"
ويعبر المحامي كميل أبو سليمان ممثل مكتب المحاماة المتابع للقضية في لندن، عن ارتياحه لقرار المحكمة العليا البريطانية، ويكشف لـ"اندبندنت عربية" عن بعض مسار الملف، مؤكداً أن "الدفاع المستميت والشرس لمحامي الشركة في سبيل إخفاء هوية صاحب شحنة النيترات يوحي وكأن لديهم ما يخفونه". ويكشف أبو سليمان عن أن هوية صاحب الشحنة باتت معروفة وننتظر أن تؤكدها شركة "savaro"، وهو من الجنسية الأوكرانية ويعمل منذ زمن في هذا المجال أي بيع مادة نيترات الأمونيوم. ويقول أبو سليمان إن المحقق العدلي القاضي طارق بيطار على علم بهويته، وقد تبلغ المعلومات من الجانب البريطاني. فهل ستكشف الشركة عن اسمه بعد القرار القضائي؟
يؤكد المحامي أبو سليمان أن الشركة ليس لديها خيارات كثيرة، فإما تفضح اسم مالك النيترات أو تكمل في مسار الدفاع الذي سيكون صعباً عليها. ويتوقع أبو سليمان أن يصدر الحكم البريطاني في دعوى العطل والضرر بحق "savaro" بعد نحو عام، مشككاً في إمكانية تنفيذه، كاشفاً عن خيارات كثيرة يمكن اللجوء إليها لتحصيل حق لبنان، كتعيين حارس قضائي على الشركة. ويجزم أبو سليمان بأن الشركة، وهي التي وقعت عقد شراء النيترات، لا يمكن أن تبقى خارج المسؤولية، مؤكداً على ضرورة محاكمة من له علاقة بهذه المواد المتفجرة وإن بطريقة غير مباشرة.
ورداً على سؤال عما إذا كانت الملاحقة القضائية للشركة ومن وراءها قد أظهرت أي ارتباط لـ"حزب الله"، أو للنظام السوري، قال المحامي إن لا معلومات لديه في هذا الشأن، لكنه يستغرب في المقابل إصرار "حزب الله" على عرقلة التحقيقات في لبنان وتوقيفها، متسائلاً، "هل كل هذا الجنون هو من أجل علي حسن خليل وغازي زعيتر؟ ولماذا كل هذا الخوف من التوصل إلى الحقيقة؟ وهل من معلومات نجهلها؟".
وكان أمين عام الحزب حسن نصر الله، قد حذر من "تسييس" التحقيق في انفجار المرفأ، رافضاً الاتهامات بأن يكون الحزب متورطاً في جلب مواد متفجرة إلى المرفأ.
وانتقد في خطاب القاضي طارق بيطار الرئيس الذي يحقق في الانفجار، مطالباً إياه بتقديم دليل يدعم قراره باستدعاء المسؤولين الحاليين والسابقين للاستجواب في القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل من مفعول للقرار البريطاني على القضية؟
الحكم البريطاني الذي ألزم الشركة صاحبة النيترات على الإفصاح عن هوية من يقف وراءها، شكل بارقة أمل لأهالي ضحايا المرفأ، وأعاد لهم ثقة مفقودة بإمكانية الوصول إلى الحقيقة، ولكن هل له أي مفعول على القضية المعلقة أمام القضاء اللبناني؟ يصف رئيس محكمة التمييز السابق القاضي شكري صادر، القرار القضائي البريطاني بـ"الجيد جداً" وبأنه سيكون لمصلحة القضية التي يتابعها المحقق العدلي، لأنه أولاً صادر عن قضاء لديه صدقية عالمية، وثانياً لأن هذا القضاء اعتمد على النظرية اللبنانية التي تقول إن هناك من يقف وراء شركة "savaro" والتوصل إلى معرفة هويته سيساعد في معرفة صاحب شحنة النيترات.
وحتى الآن، كانت محاولات التحايل لا تزال مستمرة على هذه النقطة، ولم يتمكن القضاء اللبناني على الرغم من كل المحاولات السابقة من الحصول على أجوبة واضحة حول هذه المسألة وكشف هوية صاحب الشركة الفعلي. أما وقد أصبح الملف أمام مرجعية قضائية بريطانية، فالتحايل عن كشف هذه المعلومات ممنوع وسيصبح صعباً، لا بل مستحيلاً، خصوصاً أن تمنع الشركة عن إعطاء هذه المعلومات سيعرضها إلى مساءلات أكبر لا يمكن تحديدها في هذه المرحلة.
وبحسب القاضي صادر، باتت الشركة ومن وراءها بعد القرار البريطاني في موقف حرج. ومن مفاعيل القرار القضائي أنه ساعد المحقق العدلي طارق بيطار على الحصول على معلومات لم يكن قادراً وحده على الحصول عليها، فأقصى ما كان يمكن أن يفعله هو أن يطلب مساعدة السلطات البريطانية، لكنه لا يستطيع رفع دعوى باسمه لمعرفة هوية المالك الفعلي لنيترات الأمونيوم، فيما القرار البريطاني الأخير يمكن أن يساعد المحقق العدلي عند حصوله رسمياً على المعلومات عن هوية مالك الشحنة، من استكمال التحقيقات فور السماح له بمتابعة الملف مجدداً، حول "من يعتبرون أنفسهم فوق القانون"، كما يقول القاضي صادر.
أين أصبحت التحقيقات؟
وعلى بعد شهرين من الذكرى السنوية الثانية لانفجار المرفأ، لا تزال الآمال بإصدار قرار ظني قريب مستبعدة. فالجمود في تحقيقات المرفأ دخل الشهر السادس بعد استمرار وزير المال يوسف خليل المحسوب على "حركة أمل" رفض التوقيع على مرسوم تشكيل هيئة محكمة التمييز. ففي شريط وقائع عرقلة التحقيق، وبعد أن قدم المدعى عليهما وزير المال السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر المنتميان لـ"حرك أمل"، مطلع العام الحالي دعوى رد بحق المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، وفور تحول الدعوى عند القاضي ناجي عيد الذي سبق ورد دعاوى مماثلة بحق بيطار، استبق المدعى عليهما قرار عيد وقدما في أقل من 48 ساعة على دعوى الرد، دعوى مخاصمة الدولة بحق القاضي عيد أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، مع علمهما المسبق بأن الهيئة غير المكتملة، يمكن وفق القانون، أن تتسلم الدعوى وتكف يد القاضي عيد، لكنها لا يمكن أن تنظر بها بسبب عدم اكتمالها لبلوغ أعضاء فيها سن التقاعد.
ولجأ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود إلى المسار القانوني لمعالجة هذه المشكلة، فدعا مجلس القضاء إلى جلسات متتالية توصل خلالها إلى وضع مرسوم تشكيلات جزئية، يعين بموجبها رؤساء محاكم للتمييز أصيلين. وبسبب ترتب أعباء مالية على ترفيع بعض القضاة المعينين، احتاج المرسوم الجديد إلى توقيع وزير المال، الذي احتفظ بالمرسوم رافضاً توقيعه متحججاً في المرة الأولى بتعيين قاضية بلغت سن التقاعد هي القاضية رولا الحسن، وعندما عدل المرسوم واستبدل اسم الحسن بالقاضي أيمن عويدات، جدد وزير المال رفضه التوقيع بحجة جديدة هي غياب الميثاقية الطائفية، وأن عدد القضاة المسيحيين يفوق عدد القضاة المسلمين في الهيئة.
بري طلب من وزير المال عدم التوقيع
وعلى الرغم من التغليف القانوني لتعطيل وزير المال مرسوم التشكيلات، التي من شأنها أن تحرر الهيئة العليا لمحكمة التمييز، وتمكنها من البت بدعوى المخاصمة بحق القاضي عيد، الذي بدوره يمكن أن يبت بدعوى الرد بحق المحقق العدلي ليتمكن من استناف عمله، كان برر المحامي العام الاستئنافي القاضي عماد قبلان لسائليه أسباب الجمود، بأن مرسوم الهيئة عالق على حبال التجاذبات السياسية، فيما برز ما كشف عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما سُئل عن أسباب رفض وزير المال التوقيع على المرسوم. وقال إن الوزير خليل أبلغه بأن الرئيس نبيه بري هو من طلب منه عدم التوقيع.
في المقابل، يصف رئيس محكمة التمييز السابق القاضي شكري صادر تصرف وزير المال بـ"السلبطة التي اعتدنا عليها في لبنان من قبل هذا الفريق". ويعتبر صادر أن حدود صلاحيات وزير المال في هذا الخصوص تقتصر على التأكد فقط من وجود موجبات مالية للمرسوم، وأن اعتماداتها مؤمنة، وليس له الحق في التدخل في عمل القضاء لا من قريب ولا من بعيد، أما أن ينصب نفسه مراقباً للميثاقية داخل الجسم القضائي، فهذا أمر لم يكن ليرد في بال أحد لأنه غير قانوني.
ويصف صادر وزير المال بأنه "من التوابع وليس من الوزراء المستقلين"، بالتالي هو بحسب صادر ينفذ تعليمات بهدف تعطيل تحقيقات المرفأ. من جهة أخرى، يؤكد الصحافي القضائي يوسف دياب أن هناك تواطؤاً قضائياً وسياسياً وحزبياً في هذا الملف، مذكراً بأن الثنائي "أمل" و"حزب الله" تمكنا في النهاية من تحقيق الهدف بتعطيل التحقيقات، وعزل القاضي بيطار عن القضية كما اشترط الثنائي عندما قاطعا جلسات مجلس الوزراء، وتأمين الضمانات بتعطيل عمله.
إلا أن الثنائي الشيعي يؤكدان أن تلك الإجراءات المتخذة انطلقت من مطالبة السلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات لتصحيح المسار القضائي والعمل وفق الدستور، ورفض الجانبان تحميلهما مسؤولية ما آلت إليه الأمور.