نشر المجلس الأطلسي على موقعه الإلكتروني تقريراً عن تكاثر العواصف الرملية في العراق ما يهدد الحياة في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام. ولفت المجلس الذي يتخذ من واشنطن مقراً ويدرس العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية إلى أن الظاهرة، وعلى الرغم من أنها ليست بالجديدة، فإن تواترها وصل لمستويات غير مسبوقة منذ بداية الألفية الثالثة. وقال واضع التقرير، محمد باقر محيي الدين، مدير برامج السياسات لدى مجلس الشؤون العامة الإسلامية، ومقره لوس أنجليس والخبير في الشأن العراقي، إن العراق كان يشهد عاصفة رملية أو اثنتين خلال الشتاء من كل عام، لكن هذا العام، وقعت 10 عواصف رملية خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) فقط.
وأشار التقرير إلى أن العاصفة الرملية التي تستمر عادةً ما بين ثلاث وخمس ساعات، ويمكن أن يصل ارتفاعها إلى ألف و500 متر تمثل عقبة في وجه المواطن العراقي العادي. ووفق محيي الدين، تتسبب العواصف بوفيات وأمراض تنفسية بعيدة الأجل بسبب تنشق الرمال والغبار. وقدر عدد الذين أدخلوا إلى المستشفيات بسبب ذلك منذ مطلع العام بـ10 آلاف شخص، في حين أفادت السجلات الرسمية عن وفاة خمسة أشخاص. واضطرت الحكومة إلى إغلاق منشآت وزارية وبلدية كثيرة أثناء هبوب العواصف. وأجبرت الظاهرة السلطات على تعليق الرحلات الجوية كلها في المناطق المتأثرة، بما في ذلك العاصمة بغداد، خوفاً من معاناة الملاحين الجويين من انعدام الرؤية وما يستتبع ذلك من مخاطر محتملة.
وفي غياب دراسات عن التكلفة الاقتصادية لعواصف الغبار والرمال في العراق، لفت الموقع الإلكتروني إلى بعض الدراسات التي أجريت في هذا الصدد حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد أجرى البنك الدولي الدراسة الأشمل عام 2019، وهي وجدت أن التكلفة الاقتصادية للوفيات المبكرة الناجمة عن استنشاق الرمال والغبار زادت بنسبة 123 في المئة بين عامي 1990 و2013 وارتفعت إلى 141 مليار دولار. ويوضح التقرير أن العراق عام 2013، عانى 10 آلاف و400 حالة وفاة مبكرة بسبب الغبار في الهواء، ما كلف الاقتصاد ما يقرب من 15 مليار دولار، أو ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لذلك العام. وقدرت دراسة البنك الدولي التكاليف المباشرة الناجمة عن وقف الرحلات الجوية عن العمل، والمحاصيل التالفة، وتعطل الإنتاج بسبب العطل التي فرضتها الحكومة بنحو 13 مليار دولار، ليصل إجمالي التكلفة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عواصف الغبار والرمال إلى أكثر من 154 مليار دولار سنوياً.
ونقل تقرير المؤسسة البحثية الأميركية عن وزارة البيئة العراقية تأكيدها في أبريل على أن الأيام المغبرة في العراق زادت على مدى العقدين الماضيين من 243 إلى 272 يوماً في العام، متوقعة أن تصل هذه الأيام إلى 300 يوم في العام بحلول عام 2050. ويشهد العراق حالياً عواصف غبار ورمال طوال فصول السنة كلها بسبب تغير المناخ وجفاف الأقاليم والتصحر وانخفاض احتياطيات المياه – وكلها عوامل أدت إلى تراكم الغبار. ووجدت الدراسات أن ما يصل إلى 71 في المئة من الأراضي الزراعية في ما كان "الهلال الخصيب" ذات يوم، مهددة بالتصحر بسبب تغير المناخ، الذي يقلل من الغطاء النباتي – العامل الرئيس لتحقيق الاستقرار في التربة. ووفق تقرير صدر عام 2019 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يعد العراق خامس أكثر البلدان ضعفاً في العالم أمام آثار تغير المناخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق المجلس الأطلسي يفيد مسؤولون عراقيون بأن احتياطيات المياه في العراق انخفضت بأكثر من 50 في المئة خلال العام الماضي "بسبب ضعف هطول الأمطار ومستويات المياه في نهري دجلة والفرات، اللذين يمثلان 98 في المئة من احتياطيات المياه في العراق مجتمعة. ومن المتوقع حالياً أن يجف النهران بحلول عام 2040 إذا لم تتخذ أي إجراءات بسبب انخفاض مستويات المياه وتغير المناخ".
ينبع نهرا دجلة والفرات من تركيا، ويصبان في حوض شط العرب في العراق، بينما يعبر نهر الفرات سوريا قبل أن يصب في العراق. وبسبب تقاعس الحكومة العراقية عن العمل، تعد خطط تركيا لتغيير تدفقات النهرين عوامل رئيسة تسهم في الجفاف في العراق. وتفتخر الحكومة التركية، التي تبني محطات للطاقة الكهرومائية على ضفاف الأنهار، بأن خططها هي مصدر وفير للكهرباء الخالية من الكربون. ومع ذلك، يحذر خبراء من أن السدود التركية تتسبب في خسائر بشرية وبيئية. وهذا، إلى جانب نقص هطول الأمطار الذي يقلل من الغطاء النباتي، يجعل العراق عرضة إلى هبات صغيرة من الرياح وتوسع الغبار والعواصف الرملية.
ونصح محيي الدين العراق بأن يتخذ "تدابير عاجلة لمعالجة العوامل التي تسهم في زيادة عواصف الغبار والرمال، إذ يجب على الحكومة العراقية أن تتبنى إصلاحاً ثقافياً وتشريعياً أكثر وعياً بالبيئة، لكي يكون كل مواطن على دراية بكيفية مساهمته في زوال العراق الصالح للسكن". وتشمل الحلول الممكنة، وفق الكاتب، تشريعات تعيد زراعة الأراضي المتصحرة من خلال زيادة الزراعة وتشجيع المزارعين على زراعة البساتين ومحاصيل حول المدن والبلدات والقرى. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، كان ثمة ما يقدر بـ30 مليون شجرة نخيل في العراق. "ومع ذلك، وبسبب الإجراءات التي اتخذها النظام البعثي في عهد الديكتاتور العراقي صدام حسين والفوضى التي أعقبت غزو عام 2003، بقي في العراق حالياً أقل من 12 مليون شجرة نخيل". وعام 1995، كان لدى العراق بعض من أكثر أنواع التربة إنتاجية في العالم، إذ مثلت الزراعة أكثر من 18 في المئة من اقتصاد البلاد. "أما اليوم، فهي تمثل أقل من اثنين في المئة". وحض محيي الدين على جعل تقنيات الري الحديثة – مثل الري بالتنقيط والرش – القاعدة في العراق، لأن هذه التقنيات تقلل في شكل غير مباشر من هدر المياه من قبل المزارعين.
وشدد المجلس الأطلسي على أن الظاهرة التي تهدد الحياة في العراق ليست غير مسبوقة، إذ بدأ كثير من الدول المجاورة للعراق بالفعل في معالجة تهديد تغير المناخ. ونصح العراق بالاستفادة من تجارب السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والجمهورية التركية وغيرها، واستخدام الدراسات المنشورة لمعرفة الأساليب التي قد تكون أكثر فاعلية في معالجة تغير المناخ داخل حدوده. "ولمكافحة تهديد تغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شكل فاعل، من الضروري أن تعمل البلدان المتجاورة معاً لوضع خطة لتغير المناخ تأخذ في الاعتبار حماية سكان المنطقة جميعاً".