بعد أشهر من الجمود، بدأت الحكومة البريطانية الاثنين تحركها عبر عرض مشروع قانون أمام البرلمان يعدل وضع إيرلندا الشمالية في مرحلة ما بعد "بريكست"، مع مخاطر اتخاذ الأوروبيين إجراءات رد لأنهم يعتبرون النص غير قانوني.
فيما هدد الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية بتحرك قضائي، معتبراً أن مبادرتها تسيء إلى "الثقة المتبادلة"، اعتبرت لندن أنه لم يعد بإمكانها الانتظار نظراً إلى الشلل السياسي الذي سببه البروتوكول الإيرلندي الشمالي في المقاطعة البريطانية.
بعدما هددت سابقاً بالالتفاف على هذه الاتفاقية الدولية التي تفاوضت عليها ووقعتها، فضلت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون اللجوء إلى التشريع لتعديل النص من جانب واحد.
لكن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس قالت على التلفزيون "نحن واضحون جداً حيال واقع أننا نتصرف بشكل قانوني".
في حال اعتماده، ما يمكن أن يستغرق عدة أشهر، سيضع هذا النص "حداً لهذا الوضع الذي لا يحتمل حيث يتلقى سكان إيرلندا الشمالية معاملة مختلفة عن بقية أنحاء بريطانيا، وسيحمي سيادة محاكمنا ووحدة أراضينا" كما أضافت في بيان مدافعة عن "حل عقلاني".
تغيير البروتوكول
وكررت القول إن لندن تبقى منفتحة على حل متفاوض عليه لكن بشرط أن يقبل الاتحاد الأوروبي "تغيير البروتوكول" وليس فقط تعديله كما هو الحال عليه الآن.
فالبروتوكول الذي أبرم لحماية السوق الأوروبية الموحدة أنشأ حدوداً جمركية في بحر إيرلندا لإبقاء إيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي، وتجنب إنشاء حدود برية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية إيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وحماية اتفاق "الجمعة العظيمة" الذي وقّع في عام 1998 ووضع حداً لأعمال عنف دامية استمرت عقوداً أسفرت عن مقتل 3500 شخص.
لحل هذه المعضلة، وافقت حكومة جونسون على أن تبقى إيرلندا الشمالية بحكم الأمر الواقع ضمن السوق الأوروبية ما أدى إلى وجود الحدود الجمركية.
وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن أسفه للخطوة البريطانية، وأكد بأن الاتحاد الأوروبي سيرد "بشكل موحد" بينما حض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لندن على "مواصلة المفاوضات بحسن نية".
وإذ تؤكد الحكومة أن النص المقترح "قانوني"، إلا أن حزب العمال المعارض والحزب الجمهوري الإيرلندي "شين فين" يتهمانها بـ"انتهاك القانون الدولي".
لكن الوحدويين يرون أنه يشكل تهديداً لمكانة المقاطعة داخل المملكة المتحدة التي يرتبطون بها بشدة. وبينما يعرقل الحزب الوحدوي الرئيس منذ عدة أشهر تشكيل حكومة محلية، أعلنت حكومة لندن في منتصف مايو (أيار) عن رغبتها في سن تشريع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"قناة خضراء"
وترغب الحكومة البريطانية في اعتماد نظام جديد بحيث تمر البضائع المتداولة والمتبقية داخل بريطانيا عبر "قناة خضراء جديدة" وتحررها من الإجراءات الإدارية. وتبقى البضائع الموجهة للاتحاد الأوروبي خاضعة لجميع الضوابط المطبقة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.
بحسب مشروع القانون فإن المقاطعة ستتمكن من الاستفادة من المساعدات نفسها التي تقدمها الدولة مثل كل أنحاء بريطانيا وستتم تسوية الخلافات أمام آلية تحكيم مستقلة وليس أمام محكمة العدل الأوروبية، وهي نقطة خلاف رئيسة بين لندن وبروكسل.
وقال جونسون لإذاعة "أل بي سي" صباح الاثنين إنها "تغييرات بيروقراطية ضرورية، وبصراحة إنها سلسلة تعديلات بسيطة إلى حد ما"، مؤكداً أن مشروع القانون شرعي. وأوضح أن "التزامنا الأساسي كدولة يتعلق باتفاقية الجمعة العظيمة في بلفاست".
ودافعت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس عن موقف بلادها في اتصال مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش ونظيرها الإيرلندي سايمون كوفني الاثنين، ثم مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فيما عبرت إدارة جو بايدن عن انتقادات كثيرة.
وأكد سيفكوفيتش أن الاتحاد الأوروبي قدم "الحلول"، معرباً عن أسفه "للعمل الأحادي الجانب الذي يقوض الثقة المتبادلة".
كوفيني الذي استمرت المكالمة معه بالكاد 12 دقيقة، اعتبر أن النص "ينتهك التعهدات البريطانية المتعلقة بالقانون الدولي"، متهماً تراس "بعدم المشاركة في مفاوضات ذات مغزى مع الاتحاد الأوروبي".
حل تفاوضي
وردت تراس "نحن نفضل حلاً تفاوضياً لكن يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعداً لتعديل البروتوكول"، مشددة على ضرورة "إعادة الاستقرار السياسي".
في بلفاست وعلى الرغم من مشروع القانون فلا يزال الحزب الوحدودي يرفض المشاركة في الحكومة الجديدة، التي سيتولى الجمهوريون من حزب شين فين رئاستها للمرة الأولى بعد فوزهم في الانتخابات المحلية في 5 مايو.
وأشاد زعيم الحزب الوحدودي جيفري دونالدسون بـ"خطوة مهمة"، لكنه قال إنه يرغب في رؤية مشروع القانون يتقدم في البرلمان قبل إبداء رأي.
في رسالة مشتركة، قال نواب من أحزاب تمثل الغالبية في الجمعية المحلية (بينهم الشين فين) إنهم "يرفضون بأشد العبارات الممكنة" القانون البريطاني.
وأضافوا "على الرغم من أنه ليس مثالياً فإن البروتوكول يمثل الحماية الوحيدة المتوافرة" من آثار "بريكست"، لكنه أيضاً "مكسب اقتصادي مع إمكانية الوصول إلى سوقين رئيسين".