Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تنشئ منزلا بـ"عزل حراري" لا يمنع عنك الشمس والهواء؟

اختيار مواد الجدران والسقوف له دور في توفير المناخ المناسب للسكن ويقي الحر والبرد

بعد الانتهاء من تشييد المنازل تصبح جزءا من البيئة المحيطة بها (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

"من الخطأ الفادح إدخال أي عنصر تصميمي يؤدي إلى زيادة درجة الحرارة، ولو درجة واحدة، أو تقليل سرعة حركة الهواء، ولو سنتيمتراً واحداً في الثانية"، عبارة لطالما رددها المعمار المصري حسن فتحي، وعبر عنها بمنهجه وتصاميمه، انطلاقاً من فكرة أنه في اللحظة التي ينتهي فيها المبنى من التشييد يصبح جزءاً من البيئة، بالتالي معرضاً كأي عنصر آخر من عناصرها، إلى العوامل الجوية على اختلافها، فمن الضروري مراعاة أن يبنى البناء ومعه عوامل تساعده على تحمل التغيرات الجوية، الأمر الذي ينعكس بدوره على قاطنيه.

ودائماً ما يدعو المصمم إلى مراعاة البيئة الطبيعية واحترامها، تماماً كما يهتم بالبيئة الحضرية أثناء التفكير في التصميم، وهذا التعامل مع البيئة المحيطة يتطلب فهماً خاصاً لخواص المواد والطاقة، في محيط تتفاعل معه عوامل الطبيعة من حرارة وضغط ورطوبة ورياح وغيرها، لتشكيل الظروف المناخية التي تؤثر بدورها على المناطق القريبة من سطح الأرض.

الراحة الحرارية

تعد العوامل البيئية من العوامل التي تحقق الإحساس الفيسيولوجي والعقلي الكامل بالراحة، وتسعى استراتيجيات التصميم المناخي الواعي بالطاقة، إلى تحقيق هدفين أساسيين يؤخذان بعين الاعتبار عند تصميم المبنى، ففي فصل الشتاء يراعى الاكتساب الحراري عن طريق الإشعاع الشمسي، مع تقليل فقد الحرارة من الداخل، وفي الصيف يراعى تجنب الإشعاع الشمسي وتقليل الاكتساب الحراري والعمل على فقد الحرارة من داخل المبنى وتبريد فراغاته الداخلية بالوسائل المعمارية المختلفة.

وكما تؤثر البيئة الطبيعية على البناء، كذلك تحدث البيئة العمرانية تغييرات في المناخ، إذ تؤثر الطريقة التي تتوزع بها الأبنية واتجاهها بالنسبة للشمس وتشكيلها بالمساحة في خلق مناخ موضعي خاص بكل موقع، بالتالي فإن بعض التوزيعات تخلق مناخات أفضل من غيرها، حسب تشكيله الفراغي، تبعاً للقرارات التصميمة التي يتخذها المصمم ويختار من خلالها العناصر بحيث تتناسب مع المشروع والبيئة التي سينفذ فيها.

الوعي بالمفاهيم

ويُعد العزل الحراري للمباني من أهم الطرق، الذي يراعى فيه استخدام مواد طبيعية أو صناعية ذات خاصية توصيل رديئة للحد من انتقال الحرارة وتسربها داخل المبنى، وتكون الناقلية الحرارية أهم مقياس لتقييم العزل الحراري، إذ تتدفق الحرارة من الخارج إلى الداخل عبر الجدار إذا كانت درجة الحرارة في الخارج أعلى منها في الداخل، ولأن الإنسان لا يملك التحكم في درجات الحرارة، لذلك تنحصر قدرته على التحكم بمعدل انتقال الحرارة عبر الجدار، بإمكانية اختيار مادة تحقق العزل الحراري المطلوب.

ولذلك لزيادة قدرة الجدار على العزل الحراري يجب خفض معامل الإنفاذ الحراري قدر الإمكان، بزيادة سُمك الجدار أو بالتقليل من استعمال المواد الموصلة للحرارة، وفي بعض الحالات يقتضي بناء الجدران من أكثر من مادة واحدة، لتوفير العزل الحراري اللازم.

مواد ذات سعة حرارية كبيرة

ويشير حسن فتحي إلى أن لمواد البناء الأهمية الأكبر في توفير المناخ الداخلي المناسب للسكن، والذي يوفر بدوره الوقاية من الحر والبرد، عبر اختيار مواد الجدران والسقوف وسُمكها، بحيث يتناسب ذلك مع خواصها الفيزيائية بالنسبة للتوصيل الحراري والمقاومة الحرارية والإنفاذ الحراري وعاكسية الضوء.

فقد كانت تستعمل سابقاً، قبل الاعتماد على الوسائل الكهربائية، مواد بناء ذات سعة حرارية كبيرة كالحجر أو الطين مثلاً، والتي تعمل على تأخير انتقال الحرارة من خلالها إلى داخل المبنى حتى ساعة متأخرة من النهار، وبذلك يظل الجو الداخلي للمبنى مريحاً أغلب ساعات الحر في النهار، إضافة إلى تصميم الفتحات الخارجية ضيقة بغرض تلافي دخول كمية كبيرة من الإشعاع الشمسي المباشر، مع وضع بعض الفتحات العلوية التي تسمح بدخول الضوء الطبيعي غير المباشر. وفي حال الفتحات الكبيرة، كانت تستعمل المشربيات الخشبية ذات الخرط الخشبي، الذي يعمل على كسر حدة أشعة الشمس مع السماح بدخول الهواء ونسبة معقولة من الضوء، إضافة إلى استعمال ملاقف الهواء لتهوية بعض الحجرات. أما في الأفنية الداخلية المكشوفة، فوفرت أماكن مظللة بالصيف وقدراً معقولاً من دخول الشمس أثناء الشتاء، إلى جانب ما يوفره الفناء من خصوصية تامة لأهل المنزل ومكان آمن للأطفال.

استخدام الطاقات الطبيعية المجانية

اضطر البشر في المناطق الحارة والجافة والدافئة الرطبة، قبل ظهور الأساليب الحديثة لتوفير الراحة، إلى استنباط وسائل لتبريد مساكنهم باستخدام مصادر الطاقة والظواهر الفيزيائية الطبيعية، والتي تبين مع الزمن أنها الأكثر انسجاماً مع وظائف الجسم من الوسائل الحديثة التي تعمل بالطاقة الكهربائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فبنى الإنسان الأول المساكن لتقيه عوامل المناخ من مطر ورياح وشمس وثلج، وكانت الغاية خلق بيئة مقرونة بالراحة ومناسبة لاستمرار بقائه، واعتمد على المصادر الطبيعية للطاقة والمواد المحلية المتوفرة في موطنه تبعاً لحاجاته الفيزيولوجية، فعاش السكان المحليون في المناطق الدافئة الرطبة بشرق آسيا في أكواخ ذات جدران مفككة وغير محكمة لتسمح لأقل نسمة هواء بالمرور من خلالها، أما الذين عاشوا في الصحراء فشيدوا منازل ذات جدران سميكة كي يعزلوا أنفسهم عن الحر، مع فتحات صغيرة لتقيهم الهواء الساخن ووهج الشمس.

الاستئناس بالعمارة التقليدية

كتب والتر شيرر، المسؤول الأول للبرامج في جامعة الأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، في مقدمة كتاب "الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية"، بأن مئات الملايين في العالم يعيشون في مساكن غير ملائمة، بينما استطاع أجدادهم أن يعيشوا براحة في مساكن تقليدية، لأنهم استفادوا من الطاقة التي توفرت في بيئتهم المحلية، إذ اعتمدت مجتمعات تقليدية كثيرة في الأقاليم ذات المناخ البارد على الأخشاب والمخلفات العضوية كمصدر أساسي للتدفئة، بينما اعتمدت الحلول، التي ابتكرها سكان الأقاليم الحارة والجافة، على طاقة الشمس والرياح الطبيعيتين إضافة إلى أشكال وأنماط بنائية مبتكرة طورت لاستغلال الطاقات الطبيعية، وقدمت العمارة التقليدية في العالم العربي والأقاليم المجاورة حلولاً، ليس فقط للمشكلات المناخية، بل وسخّرت هذه الحلول لخدمة الوظائف الجمالية والحسية والاجتماعية.

طورت هذه المجتمعات عناصر العمارة التقليدية لتوفير مناخ محلي مريح باستخدام الطاقة الطبيعية، فهل يمكن للعمارة التقليدية بأساليب معدلة وبنظرة مطورة، أي بالاستفادة مما لديها وتطويره وتحييد الأفكار غير المتسقة مع العصر، أن تقدم حلاً لكثير من مشكلاتنا البيئية المعاصرة، بخاصة أن الحلول العصرية، إضافة إلى كونها باهظة التكلفة، قد تكون غير ملائمة للظروف المحلية المناخية البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة