Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تبني الأطفال في تونس يحظى بإقبال المجتمع ويصطدم بالإجراءات

تغيّر النظرة تجاه مجهول النسب من دونية إلى أكثر إنسانية وعقلانية

إحدى دور الأيتام وفاقدي السند في تونس (اندبندنت عربية)

منذ أن صدر قانون التبنّي في مارس (آذار) عام 1958، أصبح في إمكان التونسيين المحرومين من الإنجاب تبنّي الأطفال أو كفالتهم، كما أصبح بإمكان الأطفال الأيتام ومجهولي النسب التمتع بالحق في الهوية وبرعاية أسرية، وبهذا القانون، أصبحت تونس الدولة العربية الأولى التي تشرع التبني وتنص قانوناً ينظم المسألة على الرغم من أن ذلك يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.

وعلّل المشرّع التونسي الأمر من أجل حماية الأطفال المهملين، وعلى الرغم من تزايد الطلب على التبني وتغير نظرة المجتمع إيجاباً من هذه المسألة، فإن الإجراءات الإدارية لم تُجارِ تغير عقلية المجتمع وبقيت عقبة أمام بعض الأسر المحرومة من الأطفال على الرغم من تطور القانون، هذا الأمر جعل البعض يلجأون إلى طرق موازية للحصول على طفل حتى عن طريق شرائه من شبكات بيع الأطفال.

قصة ليليا

تزوجت ليليا قبل 10 سنوات وهي في سن الـ38، لكنها لم توفق في إنجاب طفل من صلبها على الرغم من محاولاتها المتعددة في الإنجاب بطريقة "طفل الأنبوب"، وباءت كل محاولاتها بالفشل، دخلت بعدها ليليا في أزمة نفسية حادة جعلتها تفكر في الطلاق ظناً منها أنها ستظلم زوجها الذي تزوجته بعد قصة حب جميلة، لكن ماهر، شريك حياتها، لم يسايرها، ولإنقاذ علاقتهما من الفتور، أقنعها بتبني طفل من إحدى دور الأيتام، في البداية، رفضت ليليا الأمر خوفاً من نظرة المجتمع التي قد تظلم الطفل الذي قد يبقى يعاني التنمر مدى الحياة بسبب نسبه المجهول، إلا أن الأمر الذي لم تتوقعه أن عائلتها وعائلة زوجها تقبلوا حل التبني ما سهل عليها العملية، فكان لها ذلك، وبعد السؤال، اهتدت ليليا إلى بوابة إلكترونية وضعتها وزارة المرأة التونسية والمعهد الوطني لحماية الطفولة خصص لمساعدة المواطنين الراغبين في تبني طفل بتقديم طلب واتباع الإجراءات القانونية، فقام الزوجان بكل الخطوات لكنهما انتظرا سنة ونصف السنة من دون رد، فاضطرا إلى تبني طفل من أحد المستشفيات منذ خمس سنوات.

تتابع ليليا، "حقيقة، كنت منذ البداية متخوفة من نظرة المجتمع تجاه موضوع التبني، لكن ما شعرت به من تشجيع من قبل عائلتي جعلني أقدم على هذه الخطوة من دون تردد، الحمد الله، المجتمع اليوم أصبح أكثر ليونة من ذي قبل، فتغيرت نظرة معظم الناس للأشخاص الذين عاشوا في عائلات تبنتهم منذ ولادتهم".

وأصبحت فكرة التبني فكرة مطروحة على معظم الأزواج الذين لم يوفقوا في الإنجاب في تونس، بل أبعد من ذلك، تغيرت نظرة المجتمع للشخص المتبني الذي عادة يكون مجهول النسب.

من نظرة دونية إلى نظرة أكثر إنسانية

أمير، شاب مقبل على الزواج، بملاك، شابة متعلمة، من عائلة ميسورة الحال في الجنوب التونسي. يقول، "حقيقة تفاجأت عندما قالت لي ملاك إنها لا تعرف عائلتها البيولوجية وتعيش مع عائلة تبنتها منذ أن ولدت عن طرق إحدى دور الأيتام"، مضيفاً، "في الحقيقة، أحببت الفتاة، وأعجبت بشخصيتها الرائعة وبشجاعتها وصراحتها، فقررت الزواج بها، لكن كنت متخوفاً من موقف عائلتي والمجتمع تجاه أم أولادي في المستقبل".

يتابع أمير، "لكن عكس كل توقعاتي، فوجئت بموقف أمي الذي احتكم إلى العقل، وقبلت الموضوع احتراماً لرغبتي وحبي للفتاة"، مضيفاً، "على الرغم من تردد أخي الكبير تمت الخطبة، ونحن الآن بصدد التحضير للزواج خلال هذا الصيف".

تغيّر نظرة المجتمع التونسي

وأكد الرئيس المؤسس لجمعية أطفال تونس رفيق نور بن كيلاني تزايد الطلب لدى العائلات في تونس على التبني عازياً السبب إلى تغير نظرة المجتمع التونسي تجاه الطفل المجهول النسب من نظرة دونية إلى نظرة أكثر إنسانية وعقلانية، "من الصعب جداً حصر عدد طلبات التبني في تونس بسبب وجود عمليات موازية وغير قانونية لتبني الأطفال خارج المسار القانوني الذي وضعته الدولة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحمل بن كيلاني مسؤولية انتشار التبني خارج الأطر القانونية إلى الإجراءات المعقدة للتبني، مضيفاً أن "العائلة التي تقدم طلباً لتبني طفل يمكن أن تنتظر رد المصالح المعنية أكثر من سنة، ما يجعل الراغبين في التبني يسلكون مسارات أخرى قد تضرهم، وأيضاً المتبنى ما قد يخلق سوقاً لبيع الأطفال، وهذا ما نعيشه اليوم"، وأثنى بن كيلاني على تطور القانون التونسي، واعتبره قانوناً جيداً، لكن الإشكال بقي في التطبيق. وطالب رئيس جمعية أطفال تونس بضرورة إرفاق القانون بمراسيم لتحديد المدة الزمنية بين طلب التبني وتسليم المتبنى للعائلات للتشجيع على التبني وفق الصيغ القانونية.

مخالفة الشريعة الإسلامية

ومن خلال تفصيل أحكام التبني المنصوص عليها في القانون التونسي، يتبين أنها أخدت بنظام التبني متبعة في ذلك خطى الدول الغربية، من بينها حمل المتبنى اسم متبنيه، وهذا خلاف لقوانين البلدان الإسلامية والعربية الأخرى، ويراه رجال الدين مخالفاً للشرع الإسلامي، وأيضاً يجيز القانون التونسي معاملة المتبنى معاملة الابن الشرعي وإعطاءه الحقوق نفسها.

واشترط التشريع التونسي أن يكون طالب التبني راشداً، وأن يتمتع بالأهلية القانونية وأن يكون متزوجاً أو توفيت زوجته أو طلقها، وأن يكون الطفل المتبنى قاصراً سواء أكان ذكراً أم أنثى، كما اشترط ألا يقل فارق السن بين طالب التبني والمتبنى عن 15 سنة.

وقد اقتصرت إجراءات إصدار الحكم القاضي بالتبني على تقديم الطلب إلى القاضي المتخصص وحضور كل من طالب التبني وزوجته، وكذلك حضور والد المتبنى إن وجد أو ممثل السلطة الإدارية إلى مكتب القاضي، مع إلزامية موافقة زوجة طالب التبني وإجراء تحقيق مع مراعاة مصلحة الطفل الفضلى، وأجازت الأحكام القانونية المنصوص إمكانية تعديل الحكم القاضي بالتبني مراعاة لمصلحة الطفل المتبنى إذا تعرضت صحته وأخلاقه للخطر، إذ يمكن خلعه من طالب التبني وضمه إلى شخص آخر جدير بالرعاية والحماية.

وعرف قانون التبني نقاشات بعد الثورة بصعود الإسلاميين إلى الحكم، ما جعل وزير الشؤون الدينية سنة 2014. يقول إن قانون التبني يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ويتعين إلغاؤه، لكن إرادة المجتمع التونسي كانت الأقوى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات