في الوقت الذي خفّضت البنوك المركزية في كل من روسيا وتشيلي والهند أسعار الفائدة الرئيسية لديها الأسبوع الماضي، باتت النظرة المستقبلية لاقتصاد الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاتمة، مع تضرر الثقة بشكل عام من القلق حيال الحروب التجارية وتراجع طلب المستهلكين. ونتيجة لذلك، يتوقع خبراء ومحللون أن يقدم الفيدرالي الأميركي بعض التحفيزات عبر خفض معدل الفائدة بنحو 0.5% خلال الأشهر القليلة المقبلة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ أوبينيون" الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر تقرير حديث لوكالة "بلومبيرغ أوبينيون"، "في الوقت الذي تواجه اقتصاديات الأسواق الناشئة صعوبات جراء تراجع معدلات النمو المحققة عن التوقعات، يشهد مناخ الاقتصاد الكلي اضطرابا. وهناك تلميحات من محافظي البنوك المركزية بالأسواق الناشئة الأخرى إلى أنهم سيقدمون أيضا على خطوة مماثلة بخفض أسعار الفائدة".
ما الأسواق الناشئة الأخرى؟
من المتوقع أن تخفض كل من كوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا أسعار الفائدة على المدى القريب، في حين من المتوقع أن تخفض المكسيك وجنوب أفريقيا على المدى المتوسط.
فيما تتصدر مصر قائمة الأسواق الناشئة التي من غير المرجح أن تخفض أسعار الفائدة، فقبل إصدار البيانات الخاصة بالتضخم قبل أيام، التي أظهرت ارتفاع التضخم السنوي العام على نحو غير متوقع إلى 14.1% في مايو (أيار) من 13% في أبريل (نيسان)، توقع محللون عدم اتجاه البنك المركزي المصري إلى خفض أسعار الفائدة حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي.
ومع صدور بيانات التضخم الأخيرة، واتجاه الحكومة المصرية نحو تقليص دعم الطاقة والمحروقات خلال الشهر الحالي، واضطرابات الأسواق العالمية، لا يتوقع المحللون خفض البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل.
وذكرت "بلومبيرغ"، "أن هذا يعني أن الإنفاق الرأسمالي لن يعاود الارتفاع خلال الجزء الأكبر من هذا العام، وسط التوقعات بالإبقاء على أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند مستوى 15.75% و16.75% على الترتيب".
أسعار الفائدة والتعويم في مصر
وفي استطلاع حديث أجرته نشرة "إنتربرايز"، قال مسؤولون من 9 شركات في قطاعات متنوعة "إنه ينبغي أن تكون أسعار الفائدة ما بين مستويات 10 و13%، وهي مستويات ما قبل التعويم، حتى يرتفع الإنفاق الرأسمالي مجددا".
وبينما تسعى الأسواق الناشئة لتحفيز اقتصادياتها من خلال خفض أسعار الفائدة، تتجه بأنظارها نحو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال اجتماعها المقبل لبحث أسعار الفائدة. وتتوقع "بلومبيرغ"، "أن تؤدي مساعي الأسواق الناشئة لخفض أسعار الفائدة لديها إلى ارتفاع سعر صرف الدولار". ومن المنتظر أن يؤثر قرار الاحتياطي الفيدرالي المرتقب على موقف متاجري الفائدة تجاه عملات الأسواق الناشئة.
وذكرت الوكالة "أن تجارة الفائدة لعبت دوراً كبيراً في ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري خلال العام الحالي، كما أن خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة من شأنه أن يفقد الدولار المكاسب التي حققها مقابل العملات المحلية". وتوقع المحللون "تراجع قيمة الجنيه المصري تدريجيا في وقت لاحق من العام الحالي في ضوء العوامل الموسمية وتدفقات العملة الأجنبية".
الأسواق تترقب الفيدرالي الأميركي
في الوقت نفسه، يترقب صانعو السياسة النقدية في الأسواق الناشئة إشارات واضحة بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لبدء دورات خفض الفائدة الخاصة بهم، في ظل عدم وجود ضغوط تضخمية ومع التباطؤ الملحوظ في نمو اقتصادات تلك الدول بجميع أنحاء العالم.
ويدعم اتجاه البنوك المركزية بالأسواق الناشئة لخفض معدلات الفائدة، تزايد التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي بصدد خفض الفائدة الأميركية خلال العام الحالي وسط تصريحات من قبل جيروم باول "بأن البنك مستعد للتصرف حفاظاً على النمو الاقتصادي".
ومن المتوقع أن تتجه دول مثل جنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا إلى قائمة تشيلي والهند وروسيا التي خفضت أسعار الفائدة خلال الأيام الماضية.
ويُعتبر تصاعد مشاكل التجارة العالمية وعدم الاستقرار السياسي المحلي في الدول النامية الأسباب الرئيسية وراء تباطؤ الاستثمار الذي يقوض الآمال بتحسن النشاط على المدى القريب.
كوريا الجنوبية... سياسة نقدية فضفاضة
وفي كوريا الجنوبية انخفضت العملة المحلية (الوون) لجلستين متتاليتين هذا الأسبوع بعد أن قال محافظ البنك المركزي "لي جو يول"، "إن البنك سوف يستجيب بشكل مناسب للتغيرات الاقتصادية". واعتبر وزير المالية في البلاد "هونغ نام كي" هذه التصريحات "إشارة واضحة على أن البنك يميل نحو سياسة نقدية فضفاضة".
وكشفت بيانات رسمية حديثة، عن انكماش اقتصاد كوريا الجنوبية بنحو 0.4% خلال الربع الأول ليسجل أسوأ أداء فصلي منذ الأزمة المالية العالمية.
أما في تركيا فقد أبقى البنك المركزي معدل الفائدة عند مستوى 24%، لكنه عدّل تصريحاته في بيان السياسة النقدية لاستيعاب خفض محتمل بأسعار الفائدة خلال النصف الثاني من العام الحالي مع ترقب التوترات السياسية الخارجية مع الولايات المتحدة والداخلية في انتخابات إسطنبول.
كما يراهن المستثمرون في البرازيل على أن معدل الفائدة في البلاد سينخفض إلى مستوى قياسي جديد في النصف الثاني من 2019.
قانون المعاشات التقاعدية في الكونغرس
وفي حين التزم البنك المركزي الصمت بشأن خفض محتمل لتكاليف الاقتراض في السوق الأميركية، إلا أن المستثمرين كانوا يعززون احتمالات انخفاض الفائدة مع تقدم مشروع قانون المعاشات التقاعدية في الكونغرس، مما زاد الثقة في نجاح خطة الحكومة لإصلاح الحسابات المالية للبلاد.
وفي الوقت نفسه فإن الاتجاه لدورة تيسيرية للسياسة النقدية في المكسيك وجنوب أفريقيا قد تستغرق وقتاً أطول حتى يتحقق، حيث اتخذ مسؤول المركزي المكسيكي موقفاً أكثر هدوءاً مقارنة بنظرائه في الأسواق الناشئة بسبب المخاوف بشأن شركة النفط العملاقة "بيمكس".
وصرح نائب محافظ البنك المركزي جوناثان هيث "إنه يجب على البلاد ألا تبدأ تخفيض معدلات الفائدة مادامت تهديدات الرئيس دونالد ترمب لفرض الرسوم الجمركية على السلع المكسيكية لا تزال قائمة"، ومع ذلك يرى العديد من المحللين "أن دورة التيسير النقدي تقترب".
توقعات بالتثبيت في جنوب أفريقيا
أما في جنوب أفريقيا، أدى القرار المنقسم، بأغلبية 3 أصوات ضد اثنين في آخر اجتماع للبنك المركزي مع عضوين دعيا إلى خفض معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، إلى دفع المزيد من المحللين إلى توقع انخفاض معدلات الفائدة، ولكن لا يزال الإجماع على أن تكاليف الاقتراض ستظل دون تغيير حتى الآن.
كما يقترب بنك إندونيسيا من تخفيض معدل الفائدة بعد 6 زيادات في عام 2018، على الرغم من أن صناع السياسة ربما لا يحدثوا أي تغيير في الأسبوع المقبل.
من جانبه، قال وزير المالية في الحكومة الإندونيسية، سري مولياني إندراواتي، "إن بلاده سوف تتبع على الأرجح البنوك المركزية الأخرى في تيسير السياسة النقدية مع تدهور النمو العالمي".
وخفّضت الفلبين وماليزيا معدلات الفائدة خلال الشهر الماضي، بينما ينقسم الاقتصاديون حول ما إذا كانت الفلبين ستخفض مرة أخرى في اجتماع السياسة النقدية بالأسبوع المقبل.
وقد يؤدي إجماع الاتجاهات نحو خفض معدلات الفائدة في الأصول المحفوفة بالمخاطر إلى تعزيز قوة الدولار الأميركي، مما يجعل موقف الاحتياطي الفيدرالي حاسماً لتزويد مسؤولي الأسواق الناشئة بمزيد من اليقين بأن التخفيضات لن تؤدي إلى عمليات بيع في العملات المحلية وينتهي بها المطاف إلى زيادة التضخم.
ركود اقتصادي محتمل في السوق الأميركية
إذا كان الهدف هو التحصن ضد حدوث ركود اقتصادي في السوق الأميركية، فإن هناك طريقة أفضل لفعل ذلك.
ويوجد القليل في البيانات الاقتصادية الحالية تدعم القيام بتحفيز بشكل فوري، حيث إن الشركات غير الزراعية أضافت أكثر من 150 ألف وظيفة شهرياً خلال الربع الماضي، وهو ما يكفي للحفاظ على التوظيف الكامل.
وكان معدل البطالة البالغ 3.6% في شهر مايو (أيار) عند مستوى لم يسجله منذ 50 عاماً تقريباً.
وظل معدل التضخم الأساسي يتراوح بين 1.5 و2%، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع مستوياته عندما أعلن الفيدرالي عن مستهدفه البالغ 2% قبل 7 سنوات مضت.
لماذا خفض معدلات الفائدة الآن؟
ذكرت وكالة "بلومبيرغ أوبينيون"، أن الفيدرالي الأميركي يشعر بالقلق حيال صدمة سلبية مستقبلية محتملة في النمو الاقتصادي، ربما بسبب التقلبات القوية في السياسة التجارية الناجمة عن البيت الأبيض.
وبالفعل يعتبر البنك المركزي الأميركي بحاجة لمعالجة مثل هذا الخطر، لكن في ظل غياب بيانات ذي مصداقية تدعم هذا الاتجاه، فإن تقليص مستهدف معدل الفائدة قد يُمثل إشكالية.
هل يستجيب الفيدرالي للضغوط السياسية؟
ويمكن أن يدفع ذلك بعض المراقبين للشك في أن الاحتياطي الفيدرالي يستجيب للضغوط السياسية أو يتحرك لدعم سوق الأسهم. ومع ذلك، فإن أمام الفيدرالي طرق مباشرة أكثر لتخفيف المخاطر السلبية على النمو الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، يمكن للمركزي الأميركي الالتزام بخطة عمل واضحة وصارمة في حالة ظهور إشارات حول التباطؤ الاقتصادي.
وعلى وجه التحديد، يمكن أن يتعهد البنك المركزي الأميركي بخفض معدل الفائدة المستهدف إلى 0.25%، كما كان في الفترة من عام 2008 وحتى عام 2015، إذا ارتفع معدل البطالة إلى 4.1% وظل كذلك خلال فترة 3 أشهر.
ومن أجل إظهار عزمه على مكافحة الركود الاقتصادي، يمكن للفيدرالي الأميركي أن يتعهد بالإبقاء على معدل الفائدة عند 0.25% على الأقل حتى ينخفض معدل البطالة إلى دون 4.1%. وللضمانة، يجب أن يكون هناك بند من شأنه السماح للفيدرالي بزيادة معدلات الفائدة في حالة تسارع التضخم أعلى 2.5% على سبيل المثال.
ومن شأن خطة شفافة كهذه أن تتمتع بالعديد من المزايا، حيث يمكن أن تكون ذا تأثير فوري مفيد، وإذا اعتقدت الشركات والأسر أن الفيدرالي سيتصرف بشكل مناسب للحفاظ على التوسع الاقتصادي في السنوات المقبلة فمن المحتمل أن ينفقوا اليوم أكثر.
وبالنسبة للميزة الأخرى، فتكمن في أنها قد توفر استجابة قوية إذا تطورت عوامل الركود الاقتصادي. وربما الأهم من ذلك، أنها قد تكون قائمة على أساس مقياس اقتصادي مثل البطالة، الذي يمثل أهمية واضحة للشعب الذي يخدمه الاحتياطي الفيدرالي.