أجمع سياسيون سودانيون على أن تكرار دعوة المجلس العسكري الانتقالي الذي يقود السلطة في السودان منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق عمر البشير في أبريل (نيسان) الماضي، أمر مرفوض ومجرد حديث للاستهلاك فقط، فضلاً عن أن هذه الدعوة لا تجد السند الجماهيري، بل يريد من خلالها المجلس العسكري إعادة نظام الإنقاذ من الشباك للساحة السياسية مجدداً، مؤكدين في تصريحاتهم لـ "اندبندنت عربية" أن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة يتطلب ترتيبات محددة، من أهمها التعداد السكاني، وقانون انتخابات متفق عليه من قبل القوى السياسية، وتأسيس مفوضية تتولى هذه المهمة، إلى جانب حسم العديد من الملفات العالقة، وهذا يحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات.
انعدام السند الجماهيري
يقول الرئيس السابق والقيادي في حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ لـ "اندبندنت عربية" إن دعوة المجلس العسكري إلى إجراء انتخابات مبكرة تشبه إلى مدى بعيد دعوة الرئيس المخلوع عمر البشير إلى انتخابات 2020، فهي لا تختلف عنها كثيراً، مشيراً إلى أن الثورة الشعبية التي اندلعت في أغسطس (آب) الماضي استهدفت بشكل رئيس تزوير النظام السابق للانتخابات التي كانت تجرى طيلة عهده، لأنه كان مهيمناً على مفاصل الدولة وأجهزتها الأمنية والخدمة المدنية وبالتالي لا تكون الانتخابات نزيهة، مضيفاً أن المجلس العسكري يريد أن يعيد اللعبة القديمة.
ولفت الشيخ إلى أن الثورة السودانية رفعت شعار سلام حرية عدالة، وأنه حتى الآن لم يتحقق شيء من تلك الشعارات خصوصاً عملية السلام التي تعد الضامن الرئيس للانتخابات التي ستعقب الفترة الانتقالية، إذ إن هناك عدداً من معسكرات اللاجئين والنازحين داخل السودان وخارجه ما يتطلب إعادة توطينهم وإجراء مصالحات للقبائل المتنازعة داخل البلاد، فضلاً عن أن إقامة انتخابات عامة تستوجب عملية تعداد سكاني يشمل مختلف أقاليم السودان ووضع قانون متفق عليه بين القوى السياسية وإنشاء مفوضية خاصة للانتخابات تتولى هذه العملية، وتهيئة المناخ الحر الذي يتيح للأحزاب والأفراد حرية الاتصال والتنقل وإقامة الندوات.
وأكد أن المجلس العسكري يهيمن حالياً على السلطة بل إنه اختطف الثورة ما يجعله غير مؤهل تماماً للقيام بهذا الدور الذي يتطلب الحياد بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى اتجاهه لقيادة حرب مستعرة ضد الأحزاب وتشكيكه في وطنيتها وأهليتها لتولي زمام السلطة، مشدداً على أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة لن تستقيم ولن تجد السند الجماهيري مهما تعلل وبرر المجلس العسكري، بل إنها مرفوضة أصلاً ولا نقاش أو تفاوض حولها.
العودة إلى الدائرة الشريرة
وبيّن الرئيس السابق للمؤتمر السوداني أن الفترة الانتقالية وضعت لإنجاز ملفات مهمة ومحددة لتخفيف العبء عن الحكومة الديمقراطية المنتخبة من قبل الشعب السوداني، ولكن المجلس العسكري يريد بهذه الدعوة أن يعيد المشهد السياسي في البلاد إلى الدائرة الشريرة وهي دوامة ظل يعاني منها السودان تاريخياً، إذ اندلعت ثورة أكتوبر(تشرين الثاني) 1964 التي أطاحت حكم الفريق إبراهيم عبود ولكنها لم تستمر طويلاً فأعقبها في العام 1969 انقلاب عسكري قاده الرائد آنذاك جعفر نميري الذي حكم السودان 16 عاماً بعد اندلاع ثورة أبريل(نيسان) 1985 والتي انقضّ عليها الإسلاميون وأحكموا قبضتهم على البلاد 30 عاماً برئاسة عمر البشير.
وأوضح الشيخ في سياق متصل أن قوى إعلان الحرية والتغيير طرحت أربع سنوات للفترة الانتقالية باعتبارها مدة مثالية تمكنها من إنجاز الملفات العالقة والمهمة، ثم حصل التراضي خلال المفاوضات مع المجلس العسكري إلى منطقة وسطى مدة ثلاث سنوات بعد أن طرح المجلس عامين، مؤكداً أن هناك كمية من العراقيل تحول دون تنفيذ التحول الديمقراطي بالطريقة السلسة نظراً إلى هيمنة النظام السابق ممثلاً في المؤتمر الوطني على قبضة السلطة، ما جعل المجلس العسكري عاجزاً عن اتخاذ أي خطوة إلى الأمام.
حديث للاستهلاك وسابق لأوانه
وفي الاتجاه نفسه، يرى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي محمد المهدي لـ "اندبندنت عربية" أن الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة الآن سابق لأوانه، كون السودان يمرّ حالياً بأوضاع بالغة التعقيد تحتاج إلى أولوية للنظر والبت فيها، كما أن الدولة العميقة للنظام السابق ما زالت قائمة وتعمل حالياً في إحداث خراب بالغ الرعونة، وهناك أيضاً رموز نظام الإنقاذ طلقاء يسرحون ويمرحون في الساحة للتآمر ضد الثورة وأهدافها، فضلاً عن انتشار الأسلحة في أيدي كتائب الظل التي تندس في أوساط القوات الأمنية النظامية، لافتاً إلى أن مجمل هذه الأمور يجب أن تعطى أولوية وأنه لا يمكن التمكن من إنجازها إلا بتشكيل حكومة مدنية.
الانتخابات تحتاج إلى ترتيبات
أضاف المهدي أن الانتخابات تحتاج إلى ترتيبات محددة من أهمها تأسيس مفوضية تتولى هذه المهمة، وإنجاز قانون يحكم العملية الانتخابية تتراضى حوله الأحزاب والقوى السياسية كافة، إلى جانب أهمية تهيئة الواقع السياسي لكي تجرى هذه الانتخابات في وضع معافى، لذلك يحتاج الأمر إلى وقت وتوافق سياسي، ومن دون النظر في كل هذه القضايا والعمل على حلها، فإن أي حديث عن الانتخابات في هذا الوقت يكون للاستهلاك لا أكثر، منوهاً إلى أنه في حال إصرار المجلس العسكري على إجراء انتخابات مبكرة فإنه يعد العدة لإعادة نظام المؤتمر الوطني السابق من الشباك وبالتالي إجهاض الثورة.
وشدد في المقابل على أن الأحزاب المنضوية تحت لواء إعلان الحرية والتغيير لن تشارك في مثل هذه الانتخابات مهما كلف الأمر، لأنها ستكون الانتخابات ذاتها التي يجريها المؤتمر الوطني من خلال تهيئة مسرحها وأشخاصها وأجهزتها الأمنية، داعياً المجلس العسكري إلى الانفكاك عن منظومة وقبضة النظام الشمولي السابق والانحياز إلى الوطن لأن التاريخ لن يرحم.