أكد عدد من كبار المحامين السودانيين لـ "اندبندنت عربية"، تزايد قناعتهم بضرورة إسناد التحقيق في عملية فض ساحة اعتصام القيادة العامة في السودان، التي أدت إلى مصرع أكثر من مئة شخص في الثالث من حزيران (يونيو) 2019، إلى لجنة دولية في ظل تضارب المعلومات والتصريحات بين المجلس العسكري من ناحية والنائب العام ورئيس القضاء السودانيين من ناحية أخرى، حول كثير من القضايا المتعلقة بمسؤولية قرار فض الاعتصام باستخدام القوة المفرطة من قبل القوات الأمنية، مبينين أن "التحقيق الدولي بات أمراً مهماً وملحاً لأنه يضمن الصدقية والنزاهة في نتيجة التحقيق، وتنفيذ القرار الصادر بحق الجهة أو الأشخاص المتورطين في هذه القضية"، مؤكدين في الوقت ذاته "أنه لا يمس السيادة الوطنية إطلاقاً".
صعوبة تنفيذ القرارات
واعتبر النائب العام السابق في السودان عمر عبد العاطي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أنه كان من الممكن، في بداية قضية فض الاعتصام، أن يكون التحقيق بواسطة لجنة محلية سودانية تضم كفاءات من الجهات ذات العلاقة، خصوصاً أن المجلس العسكري أبدى في بداية الأمر تجاوباً بأن تشمل اللجنة شخصيات من قوى الحرية والتغيير، ولكن بعد النظر في أمور كثيرة أخرى وما استجد من معلومات واضحة، أصبحت هناك قناعة بأن التحقيق الدولي هو الأسلم والأصدق"، لافتاً إلى أن "أياً كانت لجان التحقيق المحلية في ظل هذا الوضع ستتعرض لأساليب الترغيب والترهيب، وهو ما سيؤثر في مجرى العدالة والنزاهة. فمهما كانت مقدرتك ونزاهتك قد تملأ عليك إملاءات، فضلاً عمّا تتلقاه من تهديد لك ولأبنائك وقطع معيشتك وغيرها من الأساليب المتبعة في مثل هذه الحالات، والتي حدثت في بلدان عدة. في حين تضمن لجنة التحقيق الدولية الشفافية والنزاهة، ويصعب التأثير فيها وفي أعضائها".
وأوضح عبد العاطي أنه "من بين التحفظات حول إسناد التحقيق إلى لجنة تحقيق سودانية، هو صعوبة تنفيذ قرار اللجنة، في حال توصلت إلى أن المجلس العسكري أصدر بالفعل الأمر صراحة بإخلاء ساحة الاعتصام بالقوة، أو امتنع عن التدخل في لحظتها بإيقاف العنف الذي مارسته قواته الأمنية، خصوصاً أن عملية الفض استمرت قرابة الأربع ساعات، وهو عكس ما ستقوم به اللجنة الدولية بإعلانها نتائج التحقيق مباشرة من خلال منصاتها العالمية. بالتالي سيُنفذ القرار كاملاً من دون تدخل أو ضغوط، وهو ما يضمن الشفافية والنزاهة"، مؤكداً أن "تشكيل لجنة دولية للتحقيق في فض الاعتصام ليس فيه مس للسيادة الوطنية، بل كان من الأجدر للمجلس العسكري أن يطلب بنفسه لجنة دولية حتى يبعد الشبهات عنه، لأنه في مكان المتهم الآن". وأضاف "أطالب المجلس العسكري بأن يرد على سؤالنا الآتي: أين كان طيلة فترة فض الاعتصام التي استمرت أربع ساعات؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضمان نزاهة التحقيق
من جهته، أوضح المحامي نبيل أديب أنه "لا يؤيد ولا يعارض الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية للبت في قضية فض اعتصام ساحة القيادة العامة"، مبيناً أنه في الوضع الحالي الذي يتولى فيه المجلس العسكري السلطة، من المهم إسناد مهمة التحقيق إلى لجنة دولية لضمان نزاهة مجرى التحقيق، ولكن لو كانت السلطة مدنية، كان من الأفضل أن تكون لجنة التحقيق سودانية، باعتبار أن القضاء سيكون مستقلاً، بالتالي ستتوافر الشفافية والنزاهة في ظل الحكومة الديمقراطية، وهو ما تفتقده الحكومات الدكتاتورية".
أحقية الاتحاد الأفريقي
أما المحامي مهدي بخيت يقول "درءاً للطعن في نزاهة التحقيق المحلي، في ظل ما حدث من لُبس وتضارب في أقوال المجلس العسكري والنائب العام ورئيس القضاء حول هذه القضية، فمن الأفضل أن يتولى التحقيق الاتحاد الأفريقي، فهذا الأمر سيكون مقبولاً بالنسبة لأسر الضحايا، وفي الوقت ذاته يضمن العدالة والصدقية ويبعد الشبهة التي قد تحدث أو أي تأثير من قبل الجهات والسلطات العليا"، مشيراً إلى أن "مثل هذه القضية كان من الأولى أن توكل للنيابة والقضاء الوطني، في حال كان هناك استقلالية ورغبة ومقدرة للقيام بهذا التحقيق على أكمل وجه".
وتساند هذه الدعوة القاضية بإجراء تحقيق دولي، أحزاب "قوى الحرية والتغيير" وتجمع المهنيين السودانيين فضلاً عن قطاع عريض من فئات الشعب السوداني، خصوصاً أسر الضحايا والثوار، الذي يؤكدون "أنه من الصعب أن يدين التحقيق المحلي قوات الأمن، التي تجد السند من المجلس العسكري".
يذكر أن الناطق الرسمي باسم لجنة التحقيق العسكرية في أحداث فض اعتصام القيادة العامة، أوضح "أن اللجنة توصلت إلى نتيجة تؤكد ضلوع عدد من الضباط من الرتب المختلفة، وثبتت مسؤوليتهم عن إخلاء منطقة الاعتصام من دون أن يكونوا ضمن القوة المختصة بتنظيف منطقة كولومبيا"، وأن "دخولهم إلى ميدان الاعتصام حصل من دون تعليمات من الجهات المختصة".