في ذروة الانقسام الإسرائيلي حول قرار وزير الأمن الداخلي بالبقاء على مسار ما تُسمّى "مسيرة الأعلام" لليمين المتطرف والمستوطنين من أمام المسجد الأقصى، فجرت عضو الكنيست العربية من حزب "ميرتس" غيداء ريناوي- زعبي، قنبلة في طريق حكومة "بينيت- لبيد"، بانسحابها من الائتلاف، ليصبح الخطر أكبر من أي مرة سابقة أمام صمود الحكومة واستمرارها.
وقبل الاطلاع على تفاصيل ودوافع الانسحاب، خرج حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، محتفلاً بإطلاق حملة تحريض مدعومة لإسقاط الحكومة، وطرح مشروع قانون لحل الكنيست، على أن يتم التصويت عليه الأربعاء المقبل، بأمل أن يضمن انسحاب غيداء ريناوي، الذي أبقى الحكومة في "ائتلاف هش"، نجاح اقتراحه، بالتالي حل الحكومة.
تعزيز اليمين والمس بالعرب
لا يختلف اثنان على أن قرار انسحاب غيداء ريناوي كان مفاجأة، بل صاعقة للحكومة، التي لم تتوقع أن يشكل نائب عربي خطراً على ائتلافها، بعد أن نجحت خلال العام الأخير في الإقناع بأنها تسعى بشكل حثيث إلى تقديم كل ما يتطلبه المجتمع العربي (فلسطينيو 48) لضمان مساواته، وكذلك بالنسبة إلى ظاهرة العنف التي باتت تهدده، وانتشار الأسلحة فيه من دون خطوات رادعة من قبل الحكومة.
غيداء ريناوي جاءت من عقر البيت لتكشف الحقيقة، وهي أبرز الجوانب التي دفعتها إلى الانسحاب. فقد حسمت بأن حكومة "بينيت- لبيد" تمسكت، بل عززت الجانب اليميني فيها من دون الأخذ بالحسبان مواقف أبدتها وأعضاء من حزبها ضد قرارات وإجراءات، خصوصاً ما يتعلق بالقدس والمصلين في المسجد الأقصى.
العنف في جنازة أبو عاقلة والأقصى
في رسالة بعثت بها النائبة غيداء ريناوي إلى رئيس الحكومة نفتالي بينيت ورئيس الحكومة بالنيابة يائير لبيد، أوضحت أن دخولها إلى عالم السياسة، ومن ثم الائتلاف الحكومي، كانا من منطلق مسؤوليتها تجاه مجتمعها العربي، الذي تمثله.
وجاء في رسالتها "قبل حوالى عام، انضممت إلى الائتلاف، وعملت بجد من أجل نجاحه، وباقتناع تام بأن الشراكة اليهودية العربية في مثل هذا الائتلاف يمكن أن تكون بديلاً حكومياً حقيقياً، وأن بإمكانها أن تؤدي إلى مرحلة جديدة للمساواة والاحترام للمجتمع العربي"، لكن "في الأشهر الأخيرة وبسبب اعتبارات سياسية ضيقة، فضّل قادة التحالف الحفاظ على جانبه اليميني وتعزيزه، بل إن قادة الحكومة آثروا، مراراً وتكراراً، اتخاذ مواقف متشددة ويمينية بشأن القضايا الأساسية ذات الأهمية للمجتمع العربي بأسره: الأقصى وقبة الصخرة، الشيخ جراح، الاستيطان والاحتلال، هدم البيوت ومصادرة الأراضي في النقب، وطبعاً قانون المواطنة".
وتطرقت ريناوي إلى ما سمّته بـ"الاستخفاف التام" من قبل الائتلاف الحكومي بالحاجات الحقيقية للبلدات العربية، خصوصاً في مجالات تطوير السلطات المحلية وقضايا الإسكان والتوظيف والتعليم.
ولامست غيداء ريناوي أكثر الجوانب حساسية في النقاش الإسرائيلي، منذ أكثر من شهر، تحديداً قبل شهر رمضان، والحملات الاستفزازية للمستوطنين في الأقصى، وهي جوانب، حتى استقالة ريناوي، كان الائتلاف الحكومي يلتزم الصمت حيالها.
فإذا كانت تتحدث الحكومة والشرطة عن أن ما شاهدناه في الأقصى هو عنف فلسطيني من منطلق أيديولوجية إسلامية، كما يرى البعض، فقد حسمت غيداء ريناوي، في رسالتها إلى بينيت ولبيد، بأن مشاهد العنف في الأقصى التي مارسها عناصر الشرطة والجيش هي من أبرز دوافع استقالتها.
وكتبت ريناوي في رسالتها، "طوال الشهر الماضي، شهر رمضان، كان الوضع لا يطاق، وكانت المشاهد التي أتت من مسجد الأقصى لرجال شرطة يتعاملون بعنف غير مبرر تجاه الحشود من المصلين، ثم تشييع جثمان الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، لا تحتمل حتى وصلت إلى نتيجة حتمية واحدة. لم يعُد بإمكاني دعم وجود تحالف يضيّق بهذه الطريقة المشينة تجاه المجتمع العربي، الذي أتيت منه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شروط الشراكة الحقيقية
ريناوي ركزت على جانب الشراكة بين العرب واليهود، انطلاقاً من أن حزب "ميرتس" اليساري، الذي تمثله في الكنيست، يعتبر الشراكة العربية اليهودية أحد أبرز مقومات التعايش بين الشعبين، بل إنها حاجة ضرورية وملحة ويتطرق إليها في برنامجه السياسي بإسهاب.
وأكدت ريناوي في رسالتها، أنها "كانت وما زالت تؤمن بالشراكة اليهودية العربية في جميع مجالات الحياة، الأكاديمية، التطوير الاقتصادي، وكذلك في السياسة". غير أنها شددت على أنها كانت وما زالت تعتقد أيضاً أن "الشراكة الحقيقية بين العرب واليهود يجب أن تأتي من مكان قائم على المساواة، من دون غطرسة وتعالٍ، والأهم من دون "عاملينلكم معروفية"، كما كتبت لبينيت ولبيد.
وأشارت ريناوي إلى أن انسحابها ليس فقط من الائتلاف، إنما من أي تعيين مستقبلي لها، وهي تلمح بذلك إلى تسميتها من قبل لبيد لمنصب القنصل الإسرائيلي العام في شانغهاي. ورجّحت مصادر سياسية وحزبية في تل أبيب أن قرار انسحابها يعود إلى شعورها بأن تعيينها قنصلاً في شنغهاي يواجه صعوبات في لجنة التعيينات.
بينيت أم لبيد؟
تداعيات استقالة غيداء ريناوي لا تقتصر على إبقاء الحكومة في "ائتلاف هش" لا يمكنه الحسم بأي تصويت في الكنيست، إنما في اتفاقية الائتلاف بين حزبَي بينيت وكتلة لبيد، التي تتشكل من أحزاب "يوجد مستقبل" و"أزرق- أبيض" و"يسرائيل بيتينو" و"العمل" و"ميرتس" و"القائمة الموحدة". فبموجب اتفاق تبادل فترة رئاسة الحكومة، في حال أيّد أعضاء الكنيست أو حزب من كتلة لبيد حل الكينست، يبقى بينيت في منصبه، رئيساً للحكومة، وهنا تكمن إشكالية أخرى داخل الائتلاف الحكومي.